مافيا السياسة والمال تدير القمار غير الشرعي

محمد غندور
الثلاثاء   2018/11/13
في المقاهي الشعبية تلحظ انتشار المقامرة عبر الهواتف (Getty)


تجتاح لبنان ظاهرة الرهانات على المباريات الرياضية، عبر مكاتب غير شرعية، محمية غالباً من قبل مافيا السياسة والمال. وإذا كان القمار عبر الإنترنت مسألة من الصعب السيطرة عليها، فإن ممارستها في المقاهي والمحال، بضواحي الفقر تنذر بكوارث اجتماعية.

 

بعد مباراة "الكلاسيكو" الأخيرة التي جمعت برشلونة وريال مدريد وإنتهت بفوز كبير للأول، عاد ابراهيم إلى منزله يصرخ فرحاً. غمر زوجته بشدّة وأخبرها أنه ربح خمسة آلاف دولار من خلال المراهنة على المباراة. تورّدت وجنتا الزوجة وراحت تطلب منه ما ينقصها من عطور وماكياج وفساتين سهرة، واحتياجات لصغيرتها، التي لم تكمل بعد سنتها الثانية.

 

بواسطة الإنترنت

الزوجة البسيطة، لم تفهم حرفياً ما كان يقصد ابراهيم بربحه المادي، وكيفية حصوله عليه. اعتقدت انه نتاج ورقة يانصيب أو ما يشبه ذلك. لم تعرف الزوجة أن رحلة شرم الشيخ، التي وُعِدت بها الصيف الماضي، أُلغيت لأن الزوج المصون خسر ألفي دولار، بعدما خاب رهانه في مباراة ضمن الدوري الإنكليزي الممتاز.

 

منذ مدّة يُراهن ابراهيم على عدد من المباريات بمبالغ بسيطة، والأرباح التي يجنيها تُساعد في تأمين كل ما يلزم لعائلته، علماً أن بعض الخسائر التي يُمنى بها من فترة إلى أخرى، ليست كبيرة وبمقدوره تحملها، خصوصاً أنه متابع ممتاز للفرق التي يراهن عليها، ويعرف الشاردة والواردة عن كل مباراة.

 

يقول الشاب العشريني، أنه يراهن عبر مواقع عالمية موثوقة وشرعية، أهمها

" BET365"، وعبر حساب مصرفي يتضمن معلومات صحيحة عنه. لكنه يخاف على فئة كبيرة من الشبان تدخل إلى مواقع غير موثوقة، وتخسر أموالاً طائلة لعدم صدقية الموقع وقلة الخبرة في المراهنة.

 

يوضح خبير ومتابع لظاهرة المراهنات في لبنان (يرفض الكشف عن اسمه) أن اللعبة – التسلية تنتشر بشكل سريع في لبنان من شماله إلى جنوبه، وباتت أولوية لعدد كبير من الشبان. ومن خلال جولة سريعة على المقاهي الشعبية، تلحظ حجم انتشار المقامرة بالنظر فقط إلى الهواتف المفتوحة على مواقع المراهنات، خصوصاً خلال المباريات المهمة أو البطولات الرسمية العالمية.

 

ويقسّم الخبير المراهنين إلى فئتين. الأولى يصفها بالمثقفة والمتابعة بجدية لشؤون كرة القدم والعديد من الألعاب الرياضية الأخرى، ولديها القدرة على تحليل أمور عدّة وتوقعها خلال المباراة. بينما يصف الفئة الثانية بالغباء والهبل وقلة الحيلة، خصوصاً أنها تلجأ للمراهنة عبر مكاتب غير شرعية، وبطريقة غير مباشرة، ما يكلفها ما تملك من مال.

 

مكاتب في كل مكان

ويشير الخبير أن إلى قضية المراهنات، تخطت حدود  المنطق والعقل، خصوصاً أن المكاتب باتت منتشرة، في كل المناطق، بعد أن كان سكان القرى يقصدون بيروت للمراهنة، ويصفها بأنها آفة أخطر من انتشار المخدرات التي يصعب أحيانا العثور على بائعيها، فيما المراهنة مُتاحة في البيت والسرير والحمام، وأي مكان تقصده من خلال الهاتف الذكي.

 

يعترف أحد الإداريين في نادٍ محلي أن بعض اللاعبين في لبنان باتوا متورطين في شبكة المراهنات ، ويروي عن لاعب سابق راهن على خسارة فريقه السنة الماضية بـ 50 الف دولار، فاكتشف هذا الإداري أن المباراة "مدبرة" ما دفعه إلى إيقاف المباراة.

 

موظف محاسب أخبرنا أنه أعدّ السنة الماضية، تصريحات مالية بأرباح أحد رؤساء أندية كرة السلة اللبنانية، تقدّر بمليون ومئتي ألف دولار، من المراهنات. ودفع ما توجّب عليه من ضرائب للدولة.

 

حماية سياسية

ولكن كيف تتم عملية المراهنة؟ يشرح الخبير أن لبنان يضم ثلاثة مكاتب أساسية، تتمركز في مناطق برج حمود وحارة حريك والطريق الجديدة. وبما أن فئة كبيرة من الشبان غير قادرة على فتح حسابات مصرفية، تلجأ إلى هذه المكاتب للمراهنة عبر حسابات خاصة بها، ومن خلال شبان منتشرين في المقاهي والأحياء الشعبية. فمثلاً يطلب شاب من "ديلر" المراهنة على مباراة بعشرة آلاف ليرة، لكن الحقيقة أن المكتب يراهن فقط بألف ليرة، ففي حال الربح يكون المراهن كسب فقط الرهان على المبلغ الأخير، وفي حال الخسارة، يكون فقد المبلغ كاملاً، وزادت غلة المكتب.

 

ويرى الخبير الشاب أن "القصة أخطر وأبعد من قضية مراهنات"، معتبراً أن هذه المكاتب غير الشرعية، محمية من قبل أشخاص نافذين في الدولة اللبنانية، يزوّدونهم بمعلومات عن أوقات المداهمات، ويساعدونهم في حال قُبض على أحدهم، فينام ليلة في السجن ويخرج في اليوم التالي. كما يشير إلى تورط شخصيات رسمية تتلقى هدايا ثمينة وباهضة خلال الأعياد والمناسبات، وفي أوقات كثيرة من دون مناسبات.

 

مداهمات وحجب مواقع

هذه الاتهامات يجيب عليها مصدر أمني، بأن مكتب مكافحة الميسر في لبنان بالتعاون مع قوى الأمن الداخلي نفذ حوالى 50 مداهمة هذه السنة، وأقفل مكاتب غير شرعية بالشمع الأحمر، كانت تدير المراهنات، لكن بعض هذه المكاتب عاد وفتح أبوابه مجدداً بعد توقيع تعهد بعدم ممارسة هذا الفعل ثانية.

 

ونفّذت مداهمات في رأس النبع والكرنتيتا وحارة حريك وطرابلس والأشرفية. ويوضح المصدر أن الدولة تعمل جاهدة على حجب المواقع التي تقدر على حجبها بالتعاون مع أوجيرو، ومكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية (ثمة طرق عديدة لكسر الحظر من خلال بحث بسيط عبر الإنترنت). كما يشير إلى "أن قوى الأمن الداخلي لم تلحظ أي تدخلات من جهات سياسية لحماية مكاتب منتشرة في البلد، أو أشخاص يديرونها".

 

ويدعو المصدر المواطنين إلى تقديم أي معلومات يمتلكونها عن أي نشاط مشبوه، على أن تتحرك القوى الأمنية لإقفال هذه المكاتب فوراً. ولدى سؤال المصدر عن سبب عدم تشريع هذه المكاتب بما أنها منتشرة بكثرة، يوضح أن ذلك يحتاج إلى اقتراح قانون لتعديل القانون السابق الذي يشرع عمل كازينو لبنان فقط. وتجدر الإشارة هنا إلى أن أرقام موازنة العام 2018 تفيد بأن عائدات الدولة من الكازينو، لا تزيد عن 119 مليار ليرة. وهو مبلغ متدن جداً قياساً بحجم العائدات التي يحصّلها الكازينو.

 

ومع انتشار ألعاب كالروليت والبلاك جاك عبر الهواتف الذكية، تقلّص عدد رواد الكازينو، خصوصاً أن باستطاعتك اللعب والربح وأنت مستلقٍ في سريرك.

 

ومن الصعب تمييز المكاتب غير الشرعية في البلد، خصوصاً أنها تتلطى تحت غطاء المقاهي الشعبية، أو محال صيرفة أو صالات ألعاب كومبيوتر، إضافة إلى صالونات الحلاقة وبعض المطاعم الشعبية، ما يصعب عمل القوى الأمنية في اكتشاف المخابئ. ولكن الأمر يحتاج إلى جهد مضاعف من قبل الأجهزة الأمنية، فبدلاً من مطاردة ناشطين مدنيين مثلاً أو ملاحقة ما يُكتب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومنع أعمال إبداعية، يجب تحوير هذه الجهود للبحث عن هذه الأوكار، المحمية من قبل القوى السياسية الموجودة فيها.

 

مراهقون وفتيات

ويشير الخبير إلى تورط مراهقين لم تتجاوز أعمارهم 15 سنة، فيراهنون بمصروفهم الأسبوعي، كما أن هذه العادة السيئة تسللت إلى الفتيات، في ظل الربح السهل، وثمة من يدفعن بأجسادهن ثمن الرهان، حسب ما يؤكد الخبير.

 

 

ويوضح أحد العاملين في هذا المجال إلى أن أرباح المكاتب الصغيرة، تُقدّر بـ40 ألف دولار شهرياً، فيما تتخطى أرباح المراكز الأساسية بأكثر من خمسة ملايين دولار. والمستغرب أن هذه الأموال، لا تدخل البنوك، بل يشتري بها أصحابها فوراً محالَ أو شققاً سكنية، وتُصرف نسبة كبيرة منها في سهرات أو رحلات سفر استجمامية.

 

وغالباُ ما يكون دافع المراهنة، الفقر والأوضاع الاقتصادية الصعبة، طمعاً بسرعة تحسن الأوضاع في حال الربح، من دون التفكير بالخسارة. أو يكون الدافع المغامرة والطمع وإثبات الذات. ومن المشاكل التي يواجهها المراهنون أحياناً كثيرة الاحتيال من قبل بعض المكاتب، خصوصاً في حال كان المراهن "غشيماً"، ورفض دفع المكاسب في بعض الأحيان.

 

من لبنان إلى الصين

وتعمل مواقع المراهنة بما يسمى "أساس الرهان المقبوض"، إذ يقوم الفرد بالمراهنة مستخدماً النقود الموجودة في رصيده على الموقع، فإذا كان الرصيد هو 100 دولار ووضعت رهان بقيمة 25 دولاراً على مباراة ما  ستشهد تسجيل ثلاث أهداف أو أكثر  فإن الرصيد سينخفض في الحال ليصبح 75 دولاراً، في حال أن اختيارك الذي وضعت عليه 25 دولاراً قد أصاب فإن الـ25 دولاراً والتي هي قيمة الرهن الأولي ستعود إلى رصيدك مضافاً إليها قيمة الربح.

 

وانتشرت ظاهرة المراهنات والتلاعب بالنتائج بشكل جدي في لبنان عام 2013، بعد الفضيحة التي أطاحت بـ 24 لاعباً وإدارييْن. وتختلف طرق المراهنة بين لاعب وآخر، فمنهم من يُراهن على ربح الفريق أو خسارته، وهي الطريقة التقليدية والبسيطة التي يتبعها المبتدئون، فيما يراهن المحترفون ضمن 133 خانة، منها البطاقات الحمر والصفر، والأهداف وتوقيت تسجيلها، وفي أي شوط، وضربات الجزاء، وعدد الركنيات التي تعتبر أحدث صيحات المراهنة.

 

 وتبيّن الاحصاءات أنّ سوق القمار الآسيوي، هو اليوم أكبر بكثير من الأسواق الأوروبية والأميركية. وأوردت منظمة الشرطة الجنائية الدولية (أنتربول) أنها قامت بنحو 15 ألف مداهمة في مراكز قمار غير قانونية في آسيا، وأوقفت مئات الأشخاص خلال المونديال الأخير.

 

وتحت اسم "سوغا 7" أو النسخة السابعة من الحملة على المراهنات غير القانونية في كرة القدم بقيادة مديرية الجريمة المنظمة التابعة للأنتربول، نفذت هذه المداهمات التي شملت بيوت ألعاب في الصين وماليزيا وتايلاند وسنغافورة حيث أنفق نحو 1,6 مليار دولار من المراهنات غير القانونية. وأصبح العديد من المواقع الإلكترونية المختصة في المراهنات مألوفة لجمهور كرة القدم مثل «Bwin» و «Bet365» و «William Hill» و «Betfair»، بسبب تواجدها حولنا، سواء في وسائل التواصل الاجتماعي أو الإعلانات التي تظهر خلال تصفحنا على الإنترنت، أو على قمصان الأندية كنوع من الرعايات التجارية.

يذكر أن المراهنات تشمل نطاقًا واسعًا خارج الرياضة. وبات في الإمكان الرهان مثلاً على المشتركين ببرنامج تلفزيوني للمواهب، أو الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.