كُتب لي عمر جديد

حسن الساحلي
الجمعة   2017/08/04
أصدقائي في المدرسة لم يصدقوا ما حصل معي (Getty)
لم يحصل لي شيء. كان هناك دماء ريتا على يدي، وحبات صغيرة من الزجاج المتناثر قد علقت بقميصي، ولا شيء آخر. ولا حتى خدشاً صغيراً، أو علامة يمكنني عن طريقها تأكيد ما حدث معي. أنظر.. هنا مكان الشظية، كنت سأقول لأحدهم بعد سنوات. سأخفض رأسي قليلاً، متجهاً لرفع قميصي، قبل أن يمنعني، معلناً تصديقه لي.

تمنيت لو كنت فعلاً بين أولئك الجالسين على أسرة المستشفيات في التلفزيون. يسألهم المراسل أن يخبروا ما حدث معهم، رغم أنهم قد فقدوا وعيهم بعد ثانية من الإنفجار، ولم يروا شيئاً مما حصل. رأيت ريتا ملفوفة الرأس، بعدما كنت متأكداً من موتها. قالت إنها لا تذكر شيئاً. وجهت الشكر لمن قام بمساعدتها، وشكرت الله أن الأمور مرت على خير. ثم انتقلوا إلى جريح آخر. لم يتحدثوا مع زوجها، الذي كان يصرخ فوقها عند حصول الإنفجار، مكتفيين بمشهد رأسها الملفوف، مؤكدين بذلك أن الإنفجار قد طالها.

عندما أخبرت أصدقائي في المدرسة، لم يظهروا تصديقهم أيضاً. في البداية كانوا بين مصدق وغير مصدق، منتظرين أن أظهر شيئاً يؤكد لهم أنني كنت هناك. لكنني فشلت، وهم سارعوا لإعلان كذبي. بعد أيام قليلة، توقفت عن إخبار القصة، مع أنني كنت راغباً جداً بإخبارها. كانت ريتا مفنجرة العينين، مثل الذين يموتون فجأة في الأفلام. وضعت يدي تحت رأسها كي أحميه من الإرتطام بالأرض، فشعرت بلزوجة ساخنة، أسرعت بعدها لإبعاد يدي التي كنت أظن أنها دخلت في رأسها.

لم يحدث لي شيء، رغم أنني كنت قريباً جداً من السيارة المفخخة. وليس ذلك فحسب، بل لم أعد أتذكر كثيراً من تلك الدقائق القليلة، والأحداث تساقطت تدريجاً من ذاكرتي. عندما أخبرت الدركي عن أي سيارة كنت فيها، فتح فمه أمامي وفنجر عينيه. للحظة لم يصدق أنني كنت هناك أيضاً، قبل أن أخبره قصة صراخي، فما أنقذ أذني وفقه، من ضغط الصوت، أنني فتحت فمي وصرخت، كما يفعل المجاهدون قبل إطلاقهم الصاروخ نحو أعدائهم. يومها، عند رؤيتي النار مرتفعة بذلك الشكل، اختبأت بسرعة تحت مقعد السيارة. لم أسمع شيئاً يومها من الإنفجار، واكتفيت برؤية الأشياء تتحطم من حولي.

قال إنني نجوت لأن سيارة أخرى قد تلقت الصدمة التي كان من المفترض أن تصيبنا. ربما تكون سيارة الوزير أنطوان غانم. رأيت كيف أن سيارتنا بقيت سليمة، من الجانب الذي كنت أجلس فيه، وسط بحر من الخراب. لو لم تكن تلك السيارة موجودة، كان سيتمزق جسدي، وأموت. فكرت، مستبعداً الفكرة التي خطرت في رأسي. ليس هناك حل وسط. الموت أو النجاة بأعجوبة من دون أي خدش.

عشر سنوات مرت على الإنفجار الذي حصل في صيف العام 2007، ونجاتي الأعجوبية تلك، بقيت جاثمةً على صدري. كُتب لي عمر جديد، قال لي الدركي. وكان يجب أن أتصرف مثل أولئك الذين يُكتب لهم عمر جديد. أن أحب الحياة مثلاً، وأتحمس عند الإستيقاظ صباحاً، وأقول إنني لا أزال حياً، ولم يصبني أي خدش. أن أقول لأحدهم إنني لم أفهم الحياة، سوى عند رؤيتي للموت.