العلاج الذاتي بالحشيش: اسأل مجرباً.. ولكن

يارا نحلة
الثلاثاء   2017/06/20
لا فائدة من الكذب على المرضى أو تخويفهم من استخدام الحشيش (Getty)
"اسأل مجرّب وما تسأل حكيم"، يقول زين، ملخّصاً علاقته مع دوائه المفضّل: حشيشة الكيف. هو دواء لم يصفه له أي طبيب، بل وقعت عليه يديه خلال سنوات المراهقة، حين كان يستهلك أدوية أخرى وصفها له الطبيب النفسي. بالانتقال من المراهقة إلى سنّ الرشد تخلّى زين عن الأدوية المضادة للاكتئاب والقلق، واستبدلها بالحشيش حصراً، "مع ازدياد قناعتي أنها تناسبني أكثر من أي دواء آخر. فهي تساعدني على النوم، على الاستيقاظ والعمل، وحتى على تخدير ألم المعدة الذي أعاني منه".

ليس زين الوحيد الذي يؤمن بتمتّع مادّة THC التي تحتويها حشيشة الكيف ونبتة الماريجوانا بقدرة علاجية، لاسيّما في ما يخصّ الاضطرابات والعوارض النفسية وأولها القلق والاكتئاب. وبالتزامن مع الوتيرة المتصاعدة لاستهلاك الأدوية المهدئة، يبدو اليوم أن مزيداً من الشباب اللبنانيين يتجهون نحو ما يسمّونه "علاج الذات بالذات من خلال مادة القنب". وهذا ما يؤكّده امعالجون نفسيون. يستخدمها البعض بالتوازي مع أدوية طبية "شرعية"، في حين يفضّل آخرون اعتمادها وحيدةً كتقنية علاج "للألم الاجتماعي"، على ما يصفها الطبيب النفسي غاي وينش في مقالته هل الماريجوانا علاج للوحدة؟، التي نشرت في مجلة Psychology Today.

يستهلّ وينش مقاله بالحديث عن الآثار الصحية للوحدة، والتي تطال الجهاز النفسي، بالإضافة إلى جهاز المناعة، وعلاقتها بزيادة خطر الإصابة بأمراض قلبية وبمرض الزهايمر. في المحصّلة، تزيد الوحدة خطر الموت المبكر بنسبة 14%. في هذا الصدد، يشير وينش إلى أن العلماء والمعالجين النفسيين يدرسون حالياً مقاربات مختلفة لمعالجة مسألة الوحدة المزمنة، أحداها العلاج بالقنب. ويشرح وينش أن الماريجوانا تأثر على العمليات الذهنية من خلال تعلّق مادّة THC بمستقبلات عصبية في الدماغ تدعى cannaboid. ما ينتج عنه مفعول مزيل للألم (العضوي). وقد دفعت ميزة الماريجوانا هذه بعديد من الدول إلى تشريع استخدامها طبياً كمخدّر مزيل للألم (خصوصاً في حالات الإصابة بالسرطان وإضطراب ما بعد الصدمة PTSD). من هنا، يعتبر وينش أنه من الطبيعي أن "يهتم الباحثون باستطلاع آثار القنب على مشاعر الوحدة والنبذ".


أولى فريق بحثي في جامعة كنتاكي في الولايات المتحدّة أهمية خاصة لهذه المسألة، فأجرى أربع دراسات بشأنها. وقد أظهرت نتائج هذه الدراسات أن "الأشخاص الذين يعانون من الوحدة ويستخدمون مادة القنب يشعرون بدرجة أعلى من تقدير الذات ومن السلامة العقلية، مقارنة بالأشخاص الوحيدين الذين لا يستخدمون المادة. كما أن الفئة الأولى أقلّ عرضة للإصابة بنوبات مزمنة من الاكتئاب".

وسلّطت إحدى تلك الدراسات الضوء على استخدام طلاب المدارس الثانوية الماريجوانا، فوجدت أن "الطلاب الوحيدين الذين لا يتعاطون الماريجوانا أصبحوا أكثر اكتئاباً من الطلاب الذين يتعاطونها بعد قضاء سنتين في الثانوية". عليه، صاغ الباحثون استنتاجهم على النحو التالي: "بعد أربع دراسات، اكتشفنا أن الماريجوانا صقلت الإنسان الوحيد من المشاعر السلبية تجاه الذات، ومن الاكتئاب الذي يسبّبه الاقصاء".

لكن هذه ليست الحقيقة الكاملة. فالمفعول "المخدّر للألم" قد يتحوّل إلى مشكلة، خصوصاً بالنسبة إلى الذين يعانون من مصاعب اجتماعية. فهو يمثّل الملاذ الذي يهرب إليه هؤلاء من وطأة الواقع، متجهين بأرجلهم إلى عالمٍ من العزلة. وفي هذا الإطار، يشير الطبيب النفسي والأستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت جوزيف الخوري إلى تأثير مادّة القنب على القدرة التحفيزية لدى مستخدمها. ما يطلق عليه علماء النفس cannibis amotivational syndrome. ويشرح الخوري: "نصادف أحياناً مرضى لا يعانون من أي عوارض باستثناء الانسحاب الاجتماعي وانعدام الرغبة أو الحماسة بممارسة أي فعل بسبب تأثير الاستخدام الدائم للحشيش".

لكن في الوقت نفسه، يؤكّد الخوري ضرورة التعاطي علمياً مع هذه المادّة. فـ"لا فائدة من الكذب على المرضى أو تخويفهم من استخدام الحشيش. فالحقيقة هي أن هذه المادّة قد تساعد مستخدميها على الوصول إلى حالة من الهدوء والارتياح مع أفكارهم، وهو مفعول إيجابي عملياً. لكن الأهمّ هو معرفة كيفية استخدامها كي لا تتحوّل إلى موضوع إدمان، فتضحي مشكلة نفسية أخرى، وهي بذلك لا تختلف بشيءٍ عن احتساء كأس من الكحول في مقابل الإدمان على الكحول".

لكن الخوري لا ينفي إمكانية تحوّل هذه المادّة إلى عاملٍ مدمّرٍ، خصوصاً في حالة الأمراض الذهانية، مع الإشارة إلى ارتباطٍ بين استخدام القنب وظهور أو تفاقم أعراض الفصام. بالإضافة إلى معضلة "التعلّق بمادّة كيميائية، فيصبح المرء غير قادر على ممارسة حياته بشكلٍ طبيعي من دونها. وخير مثالٍ على ذلك هم الشباب الذين يعتمدون على الحشيش من أجل مساعدتهم على النوم. ففي سنّهم ليس طبيعياً أن يكونوا مضطرين إلى الاستعانة بمادّة كيميائية من أجل النوم". وتكمن الخطورة في عدم القدرة على التنبؤ بآثار استخدام هذه المادّة على كلّ شخص. فـ"رغم أن لها مفعولاً مضادّاً للقلق بالنسبة إلى كثيرين، فقد تولّد أحياناً مشاعر خوف مفرط، كما قد تؤدي إلى نوبات من الهلع".

وعن خيار البعض الاستعاضة عن الأدوية الطبية بالحشيش، يقول الخوري إن "الخيارين يحتويان على مواد كيميائية. لكن الأفضلية التي تتمتّع بها الأدوية هي أنها مدروسة علمياً ومضبوطة طبياً. في المقابل قد تكون الحشيشة غير نظيفة كما قد يتمّ استخدامها بشكلٍ مفرط، فيصبح الانسحاب منها صعباً". من جهةٍ أخرى، يعتبر الخوري أن المجتمع اللبناني لايزال يملك "نظرة غير واقعية" تجاه الحشيش، معتقداً أنها مادّة مدمّرة. في المقابل، "هناك حاجة إلى دراساتٍ بشأنها في لبنان، لكن حظرها قانونياً يمنع ذلك. فأخيراً، بدأ الباحثون في أميركا ينشرون دراسات عن الماريجوانا، إلا أنها لاتزال متمحورة حول آثارها. لكن، بعد بضع سنوات قد تبحث الدراسات في إمكانية تمتّع الحشيش بقدرات علاجية".


منذ تراجع الحرب ضدّ المخدرات التي قادتها الولايات المتحدة في القرن الماضي، انفتح المجتمع العلمي الغربي على دراسة هذه المواد الكيميائية بشكل علمي وموضوعي، بهدف استخلاص فوائد ممكنة لها. في المقابل، يبدو أن المجتمع اللبناني، بناسه العاديين وخبرائه الطبيين وصناع القرار فيه، لايزال منغلقاً على أي نقاشٍ علمي في هذا المجال، وذلك مع استمرار إنتشار المفاهيم الخاطئة والأقرب إلى الأسطورية عن حشيشة الكيف من جهة، ومواصلة أجهزة الدولة سلوكها البوليسي تجاه مستخدميها من جهةٍ أخرى.