هل انتهى زمن الفلافل؟

حسن الساحلي
الخميس   2017/05/04
طريقة صناعة الفلافل لم تتغير منذ منتصف القرن الماضي (ريشار سمور)
لا ينفصل تأريخ ظهور الفلافل، أو ما اتفق عليه من هذا التاريخ، عن السياسة وتحولاتها في المنطقة، خصوصاً أن هذه الأقراص المصنوعة من الفول والبهارات، أسبغت عليها هالة وطنية، وصارت طعاماً مسيساً منذ أن قررت إسرائيل جعلها طعامها الوطني منذ عقود.

هكذا، لم يعد ممكناً أن يكون ظهور الفلافل للمرة الأولى في التاريخ حدثاً عادياً. فتحدث البعض عن اكتشافها من قبل جيش محمد علي في القرن التاسع عشر. وقال آخرون إنها طعام مبارك، استعمله الأقباط في الصيام بديلاً عن اللحمة. إنتبه العرب والفلسطينيون منذ عقد من الزمن أن الفلافل سُرقت منهم، كما سُرقت فلسطين يوماً، فقرروا مواجهة السرديات الإسرائيلية عن طريق مئات القصص عن نشوء هذه الأقراص، ولم يتفق أحد على قصة واحدة.

ثم دخل اللبنانيون على خط المواجهة، وفي مقدمهم الشيف رمزي، فتمكنوا من تحضير 5137 كلغ من الفلافل، ثم بعد عامين أعدّ الأردنيون قرصاً واحداً يبلغ وزنه 74.75 كغ، محطمين بذلك الرقم القياسي الإسرائيلي.

لكن، رغم كل شيء، بقي السائد عالمياً أن الفلافل طعام إسرائيلي. إذ يعتبر اليهود أبرز صناعها في أوروبا والولايات المتحدة. واستطاعت سلسلة مطاعم موعاز الإسرائيلية، أن تقدمها على أنها طعام صحي للنباتيين، وبوجبات شبيهة بوجبات مكدونالدز، لتعيدها إلى الواجهة في إسرائيل والعالم، بعد تراجعها الحاد في الثمانينات والتسعينات، بعدما كانت قد شهدت عصوراً ذهبية منذ الأربعينات حتى السبعينات.

في لبنان، شهدت الفلافل تراجعاً شبيهاً بالتراجع الذي شهدته في إسرائيل، مع ظهور الأكل السريع، ومطاعم "السناك"، والشاورما والهمبرغر، في أواخر الثمانينات. لكن، لا يبدو معروفاً بشكل دقيق في أي زمن ظهرت وازدهرت هذه الأقراص في لبنان. والمرجح أن تكون هذه العملية قد ترافقت مع إزدهار الفلافل في المدن الفلسطينية القريبة، مثل عكا وحيفا، خصوصاً أن بيروت كانت على صلة مباشرة بتلك المدن. فعلى سبيل المثال، يؤكد وريث مطعم فلافل بيضون في الجعيتاوي، وليد بيضون لـ"المدن"، أنه كان لعائلته صلات قربى وصداقة مع أشخاص من مدينة عكا، يعملون في مجال الفلافل أيضاً. ويؤكد أحد ورثة مطاعم صهيون أن الفلافل جاءت أولاً إلى لبنان من فلسطين.

ظهر مطعم فلافل صهيون (وسط بيروت)، الذي صارت الطريق المحاذية له تعرف بإسمه، خلال ثلاثينات القرن الماضي. أما ورثة فلافل فريحة فيؤكدون أن مطعمهم يعود إلى الأربعينات. عرف مطعم فريحة قبل الحرب، واعتبر خلال الستينات وأوائل السبعينات كأبرز مطاعم الفلافل في ساحة البرج، التي كانت مليئة يومها بالمطاعم المتخصصة بطبخ الفاصوليا والبامية والأكلات المحلية الأخرى. 

لكن، في كل الأحوال، لا يبدو أن شيئاً قد تغير منذ ذلك الزمن إلى اليوم، ولاتزال فلافل صهيون محافظة على وجودها في بيروت، من خلال فرعين افتتحهما ورثة مؤسس المطعم في نفس المكان الأصلي بعد الحرب (انتقل المطعم خلال الحرب إلى منطقة مار مخايل في الكرنتينا). وفلافل فريحة أيضاً لاتزال موجودة في المكان الذي انتقلت إليه خلال الحرب، في الأشرفية. وفلافل أراكس، التي كانت موجودة منذ تلك الفترة، لاتزال محافظة على وجودها في برج حمود.

وطريقة صناعة الفلافل في لبنان لم تتغير منذ منتصف القرن الماضي على الأقل، وفق ورثة مطعمي فريحة وصهيون. ويبدو أن لا محاولات لتقديم الفلافل في لبنان بطريقة جديدة، سوى محاولة مطعم Just Falafel، التي لم تلق في لبنان نجاحاً كبيراً. أما الإقبال على الفلافل، فلا يبدو أنه تغير منذ تراجعه في أواخر الثمانينات. وهو على وضعه المستقر في العقد الأخير. ما يمكن أن يفسر عدم وجود محاولات جدية تعيد أمجاد الفلافل السابقة.