مقهى سلوم وذكرياته التي محاها الخوف

دانا أرناؤط
الثلاثاء   2017/04/18
لا يزال المقهى في مكانه، منذ أيام العثمانيين
في صيدا القديمة، كل الطرق تؤدي إلى مقهى سلوم، الذي يحتل إحدى زوايا ساحة باب السراي منذ أكثر من قرن. هو عنصر لا يتغير في الساحة المفعمة دائماً بالحياة، والتي يحتل مداخلها وزواياها، بائعو الخضار والحلويات، وتنتقل بين قناطرها وأشجارها، عربات الترمس والفول، منذ عقود.

يعكس زجاج المقهى المُلون تاريخاً عريقاً كتبته أجيال توالت على المكان، منذ أيام العثمانيين، إلى أن بات المقهى اليوم، يعرف كأحد أقدم مقاهي البلد، إلى جانب مقهى القزاز الذي يختبئ في زاروب خلفه.


يروي محمد سلوم لـ"المدن"، أنه كان يرتاد المقهى يومياً بصحبة والده أبو يوسف، منذ أن كان في الخامسة من عمره، وبأن وجهاء البلد وكبار السن، اجتمعوا يومياً عندهم، للعب الزهر والباصرة. كانوا يتخذون من كراسي الخيزران والقش مقاعد تحويهم حتى منتصف الليل. وبين دردشاتهم وأغاني الطرب، كانت تعلو أصوات الخاسرين في اللعب، قهراً واستنكاراً، وتلعلع ضحكات وشماتات الرابحين، فوق الموسيقى المخيمة على المكان.


لا يزال المقهى يحتفظ بصور عمالقة ذلك الزمن، على حائطه الذي يجمع قناطر من الحجر القديم. من فيروز إلى عبدالحليم حافظ، مروراً بأم كلثوم وفريد الاطرش، الذي يتوسط الصور بعوده المكسور. كلها مقتنيات تضيف قيمةً رمزيةً إلى المقهى، المتمسك بذلك الزمن، بدون أن يسجن نفسه فيه. فقد استضاف أيضاً مغني أجيال اليوم، من نانسي عجرم ودنيا (الحلوة دي) وجاد شويري وغيرهم من الفنانين، الذين صوروا فيديو كليباتهم في صيدا القديمة.

إلا أن الغصة تبقى واضحةً على وجه صاحب المقهى، فالتوترات قد أضعفت المنطقة. والزمن تغير ولم يعد رواد المكان نفسهم. هم اليوم، من الأجانب وبعض العائلات، بالإضافة إلى شباب من المنطقة، يقصدون المقهى لتدخين الأركيلة ومشاهدة مباريات كرة القدم. يعيد سلوم الركود الحاصل في منطقة البلد عامةً، والمقاهي خاصةً، إلى "عوكرة الاجواء" الناتجة عن الاشتباكات المتقطعة، والأجواء السياسية التي قسمت الأهالي، وانتزعت السلم والأمان، لتزرع وفقه، مفاهيم العنف في عقول الشباب.


يترحم سلوم كغيره من أصحاب مقاهي صيدا القديمة، على الفترة الذهبية التي شهدتها منطقة البلد منذ عشر سنوات، عندما قررت البلدية إعادة إحياء البلد خلال شهر رمضان، لسنتين متتاليتين، جاذبةً بهذا المشروع سكان بيروت والمناطق المجاورة، إلى المقاهي الصيداوية، التي فتحت أبوابها للزوار من الأعمار كلها، وقدمت لهم أطباق الفطور والسحور الشهية، إلى جانب برامج متعددة، تخللها زيارة الحكواتي وإحياء أمسيات رمضانية وطربية.

هكذا، يقول سلوم إنه لن يقوم بأي مبادرة "من أجل العدم"، فالوضع الأمني غير مستتب، والترميم والتجديد يعني مبالغ إضافية، لا يمكن أن يتحمل أعباءها، طالما أن الأهالي لا يشعرون بالأمان. الأجواء السياسية والأمنية تنعكس سلبياً على أبواب الرزق، والمقاهي التي تمددت إلى خارج البلد، والمزودة بالواي فاي، أصبحت ملجأ الشباب اليوم، الذين تركوا لعب الورق والدردشة، إلى عوالم الهواتف الذكية والإنترنت.