غسان البكري يجول بحار العالم بسفنه الصغيرة

جنى الدهيبي
السبت   2017/02/25
يشتري غسان بقايا الخشب من النجارين (علي علوش)

في الجهة المقابلة لشاطئ الميناء، شارع ضيّق يُفضي إلى محترفٍ خشبي صغيرAtelier A La Mer في حارة مار الياس، لصاحبه المهندس غسان البكري البالغ 28 عاماً، يصنع فيه مجسمات السفن بأشكالٍ وأحجامٍ تختلف عن بعضها.

"منذ أن كنت طفلاً، وأنا أراقب حركة السفن والفلوكة، وأسأل: كيف تسير وهي تواجه الأمواج؟". غسان الذي كبرتْ "حشريته" معه، يُعرّف عن نفسه: "أنا ابن البحري والميناء"، ويروي قصّة "فضوله" الذي تحوّل إلى موهبة، ورثها عن والده عبدالرحمن البكري (76 عاماً)، وهو في عمر 12. "كنت أنظر إليه وهو يعمل بصمت، وأتابع التفاصيل الدقيقة التي يقوم بها في صناعة المجسمات بشغفٍ وحبٍّ كبيرين، ثم أصبحتُ محترفاً مثله".

داخل المحترف الذي كانت نافذته سابقاً تطلُّ على البحر، يَمْتثل تاريخ ميناء طرابلس في صناعة السفن، فتتوزع المجسمات بأشكالها وألوانها على الرفوف والطاولات وعلى الأرض، ولكلّ واحدةٍ منها هويتها الخاصة. "لا يوجد مجسم يشبه الآخر، لأنني لا أخترع المجسمات من وحي الخيال، وإنما أعطي التصميم من روحي، وأبحث في كلّ مجسمٍ عن هوية تميّزه تعود إلى أصلٍ تاريخي قرأته في كتبٍ حول هذا الشأن، أو تعلمته من والدي، كي تتميّز كلّ سفينة في زاويتها ومقدّمتها وأشرعتها وغرفة القيادة ودفة القيادة. وكذلك تتميز بحسب وظيفتها، فهناك سفن للتجارة وأخرى للأعمال الحربية"، يقول غسان، ويشرح آلية شراء المواد الخشبية من النجارين، إذ "لا نشتري خشباً بأحجامٍ كبيرة، بل نطلب من النجار بقايا الخشب، الذي نعيد تدويره من أجل الاستخدام. وأحياناً نأخذ قطعاً خشبية قديمة من الأبواب والشبابيك، نستخدمها لصناعة مجسمات تنفرد بنوعها وشكلها".

مرحلة التنفيذ تتطلب جهداً ووقتاً، تبدأ من البحث عن الشكل الذي يصممه غسان، قبل أن ينتقل إلى قصّ الخشب وحفره ليأخذ شكل المجسم. فـ"هذا ما تعلمته من والدي، رغم أنه حين ساهم في بناء أول سفينة في الشرق الأوسط منذ أكثر من 50 سنة، كانت الوسائل لاتزال بدائيّة، من دون ماكينات يُفصّل الخشب عليها وتجهز إكسسوارات السفينة". لقد "كان يحفظ شكل السفن التي عاش عمره على متنها في البحر، ويعود إلى المحترف لصياغتها بأشكالٍ ونماذج صغيرة".

في هذا الشارع النابض بالحياةٍ، حيث يعيش غسان مع عائلته بمحاذاة المحترف، تأثر بوالده الشغوف الذي قضى حياته مسافراً في البحر، وورث منه معنى عشق السفن، من حبِّ اختزالها بمجسمٍ خشبي صغير. "كأنني في صناعتها أجول بحار العالم وأتنقّل حولها فكرياً وروحياً".