اسطنبول: نحب الحياة رغم رائحة الموت

صبحي أمهز
الأربعاء   2017/01/04
انتهت رحلة اسطنبول وعدنا إلى لبنان من دون أي ندم (Getty)

ليس رغبة في السفر ولا حباً بالتسوق، بل هرباً من النمطية القاتلة في لبنان، قررت زوجتي تحضير مفاجأة لي فحجزت تذكرتي سفر إلى اسطنبول بهدف تمضية عطلة رأس السنة، بعيداً من المشقات اليومية في بلاد الأرز. لم ينتابني أي شعور بالقلق عندما أبلغتني بالخبر، خصوصاً أن اللبناني على موعد يومي في بلاده مع عدم الاستقرار الأمني.

بدأنا التحضيرات للسفر سعيدين، لمجرد أننا سنبتعد قليلاً عن خنقة الوطن اليومية. لكن ذوينا كانوا قلقين، وسان حالهم يقول: "افرحوا، ولكن كونوا حريصين، فوضع تركيا لا يطمئن".

ورغم الخوف العائلي على سلامتنا، حزمنا حقائبنا متوقعين ألا يكون على متن الرحلة التي أقلتنا إلى مطار صبيحة في اسطنبول كثيراً من اللبنانيين. لكن توقعاتنا لم تكن في محلها، فكان جميع رواد الرحلة من اللبنانيين، حتى أنه عندما وصلنا إلى الفندق الواقع في وسط تقسيم شعرنا أننا نقيم في بناية بيروتية يقطنها البقاعي والعكاري والجنوبي.

يومان وجاءت ليلة رأس السنة. بدأنا ظهر اليوم الأخير من العام 2016 بالتداول في شأن اختيار مكان استقبال العام الجديد. هل نذهب إلى السهرة التي ينظمها المكتب السياحي على متن قارب في مضيق البوسفور، أم نشارك صديقينا علي ورنا في سهرتهما المنزلية، أم نبقى في تقسيم متنقلين بين مقاهي شارع الاستقلال؟

لم نحسم خيارنا إلى أن عدنا إلى تقسيم عبر محطة مترو قاباطاش. فحين خرجنا من المترو، فوجئنا بانتشار أمني مكثف يرافقه تفتيش دقيق لكل خارج من المحطة. ما أعطانا كثيراً من الطمأنينة.

وصلنا إلى الفندق، وإذ بعدد كبير من اللبنانيين الذين يرغبون بالسهر على متن القارب يجلسون في البهو، ينتظرون أن تأتي الحافلات لتقلهم. بيد أن الحافلات لم تتكمن من الوصول إلى الفندق بسبب التدابير الاحترازية التي اتخذها الأمن التركي، في منعه دخول السيارات إلى تقسيم. تذمر اللبنانيون من الاجراءات الأمنية. سيدة زحلاوية قالت لعامل الفندق: "لن أتزحزح من مكاني سيراً على الأقدام. ومن واجبك أن تؤمن وصول الحافلة إلى هنا. فهل يعقل أن أفسد تسريحة شعري في ليلة كهذه بسبب اجراءات بلا طعمة؟".

ضحكنا كثيراً على الغضب اللبناني الذي يألف الفوضى ومخالفة التعليمات أينما حل. وقررنا، أنا وزوجتي، البقاء بين تقسيم وشارع الاستقلال لما أعطتنا الاجراءات الأمنية من شعور بالأمان.

خرجنا من الفندق وبدأنا الاستعداد لاستقبال العام الجديد. كل شيء في الشارعين يوحي بالحياة. من فرح الحشود السائرة على الأقدام، مروراً بعروض عمال الحانات والمطاعم، الذين يخبرون كل شخص عن آخر العروضات التي تبدو زهيدة جداً مقارنة بقوائم الأسعار اللبنانية، وصولاً إلى الإجراءات الأمنية التي تشعر الجميع بالأمن والاستقرار.

في جميع الطرقات المتفرعة من شارعي الإستقلال وتقسيم ينتشر الأمن التركي، الذي يفتش المارة بدقة واحترام. اجتزنا ما يزيد عن ثلاثين حاجزاً متنقلاً حتى حسمنا مكان السهرة. إنه شانتيا، المطعم التركي الذي يحيي فيه مطربان محليان سهرة فنية. دخلنا شانتيا فرحين وخرجنا كذلك مستقبلين العام الجديد. لم نعلم بعيد سهرتنا أن مجزرة وقعت في اسطنبول، إلى أن عدنا إلى الفندق ووجدنا عدداً هائلاً من رسائل الأهل والأصدقاء على هواتفنا: "هل أنتم بخير، طمنونا؟".

طمأنا كل القلقين على مصيرنا وحاولنا المحافظة على حبنا الحياة، إلى أن أشرقت شمس اليوم التالي، إذ أبلغنا أنه يتوجب علينا الحضور إلى المطار قبيل 5 ساعات من أجل العودة إلى بيروت. في المطار، بدت غالبية اللبنانيين في حال من إزدواج الشخصية، تبدأ بالحزن على من رحل، وفرح أساسه أن من في مطار صبيحة سيعود إلى بيروت وهو لا يزال على قيد الحياة.

انتهت رحلة اسطنبول وعدنا إلى لبنان، من دون أي ندم، بل على العكس. فاسطنبول لاتزال على جمالها، رغم هول المجزرة، ولانزال أنا وزوجتي نحب الحياة رغم رائحة الموت التي حاول الإرهاب نشرها على خط اسطنبول- بيروت.