مدن لبنان تتضخم عشوائيّاً: أكثر من مليوني نسمة ببيروت

هدى حبيش
الأحد   2016/07/24
تدعو الرؤية الجديدة للتخطيط المديني إلى إشراك المجتمع المحلي (Getty)
بينما تتّجه الدول المتقدّمة صناعياً إلى تطوير سياساتها المدينية، مازالت المدن اللبنانية تتوسّع من دون مخطط توجيهي واضح، رغم أنها تعد مركز جذب أساسي للسكان. ففي لبنان، يزداد عدد سكان المدن كل 10 سنوات بمعدل 2.5 في المئة تقريباً، إذ كان يعيش في المدن اللبنانية في العام 2015، وفق "تقرير مدن العالم 2016" الذي أعدته الأمم المتحدة، نحو 4437000 نسمة. ويتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 4489000 نسمة في العام 2025. وفي بيروت وحدها، يعيش 2226000 نسمة، ويتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 2347000 في العام 2025.


يقدم التقرير، الذي نشره مؤخراً برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN-Habitat) تحضيراً لـ"مؤتمر الأمم المتحدة للإسكان والتنمية الحضرية المستدامة" الذي سيعقد في مدينة كيتو، عاصمة الأكوادور، في شهر تشرين الأول المقبل، صورة عن التمدن الجامح الذي يصيب العالم مع ما يرافقه من تدهور بيئي، نمو إقتصادي سريع وعقبات في وجه العدالة البيئية والخدماتية والاجتماعية وغيرها، كما في العاصمة بيروت.

وفي حين يلحظ التقرير اتجاه الدول المتقدمة نحو مخططات ورؤى مدينية مستدامة تشمل تنمية الإنسان والمحافظة على البيئة والتراث وخصوصية المدينة وتجاوز الإسمنت والسيارة، فإن السيارة في لبنان ماتزال أولوية عند التخطيط، ما يعني مزيداً من شق الطرق. وما زالت المباني الشاهقة دليلاً على التحضر في الذهنية العامة، بغض النظر عن قضائها على المساحات الخضراء وتعديها على المشاعات والمساحات العامة في معظم الحالات، وبالتالي قضائها على المشهد المديني.

وبينما يسلط التقرير الضوء على ضرورة الإستدامة البيئية العادلة باعتبارها هدفاً من الأهداف الأساسية للخطة، مازالت البيئة في لبنان ضحية المصالح الشخصية للطبقة الحاكمة. وأبرز دليل على ذلك استمرار أزمة النفايات طوال 9 أشهر واعتماد أساليب ملتوية لحل أزمة المياه في بيروت، وفي مشروع سد جنة مثلاً، والإستهانة بتلوث المياه الجوفية المستخدمة في الري ومياه الشفة بسبب العصارة الناتجة من المطامر القريبة من المناطق السكنية، وسواها من الكوارث البيئية.

وإذ يذكر التقرير أن "مصير الإسكان سيقرر مصير المدن" لما يشكله الإسكان من عنصر أساسي في تشكيل علاقة الفرد مع محيطه المكاني/ الفيزيائي والاجتماعي، وما يلعبه من دور في عمليتي الشمول والإقصاء في الحياة الاجتماعية والمدنية، تتبلور حاجة لبنان الماسة إلى التخطيط المدني الصحي، أكثر من غيره من الدول العربية، نظراً لارتفاع عدد اللاجئين فيه نتيجة الحروب التي شهدتها الدول المحيطة، بالإضافة إلى الحروب التي شهدها لبنان نفسه، وأدت إلى تشكل العشوائيات. فوفق التقرير، فإن 53.1 في المئة من سكان لبنان كانوا يعيشون في الأحياء الفقيرة في العام 2014. وفي ظل ارتفاع نسبة السكان الذين يواجهون أزمة سكنية، فإن مصير المدن اللبنانية يبقى مهدداً.

وتدعو الرؤية الجديدة للتخطيط المديني إلى إشراك المجتمع المحلي بمختلف مكوناته في عملية التخطيط عوضاً عن إسقاط المشاريع من قبل السلطة على المجتمع. ويطرح الكتيب هذا المبدأ تحت عنوان "مدينة تُخطط عوضاً عن مدينة مخططة". وعملاً بهذا المبدأ، يشترك السكان، الموظفون، الممثلون المنتخبون بالإضافة إلى المستثمرين في عملية التخطيط. ما يضمن إشراك مختلف الأولويات والتطلعات والمصالح والتخصصات مع تسليط الضوء على الفروقات الجندرية وأولويات الأشخاص بحسب اختلافاتهم.

فالمدينة التي تُخطط تشمل في مخططها البنى التحتية، استخدام الأرض، الثقاقة، الموارد الطبيعية والتعليم. في المقابل، المدينة المخططة تعكس وجهة نظر القادة الوطنيين فقط من دون غيرهم وتستثني المداخلات المحلية وتشجع الواسطة والمحسوبية وتشتت الأولويات، وفق التقرير.

وإذا حاولنا قراءة الواقع اللبناني من خلال هذه التعريفات نجد أن المدن اللبنانية تقع في خانة المدينة المخططة، إذ حتى يومنا هذا، مازالت القرارات، خصوصاً المتعلقة بالمشاريع في المدن، تتخذ من السلطة من دون اشراك المجتمع في التخطيط أو الإستماع إلى مطالب وحاجات السكان، على أقل تقدير. أما إذا اضطرّت السلطة إلى التشاور مع المجتمع المحلي، فيقتصر ذلك على العائلات النافذة ورجال المال والأعمال.

هكذا، يلفت التقرير النظر إلى الأخطاء الكبيرة التي يقترفها المعنيون بحق المدن اللبنانية، وما يؤدي إليه ذلك من انتهاك حقوق اللبنانيين وتهديد مصائر مدنهم والأجيال اللاحقة. فبينما تسعى حكومات في كثير من الأحيان إلى التخطيط في إطار قرن من الزمن واضعة أهدافاً استراتيجية تضمن من خلالها أمن شعوبها وحقوقهم الإنسانية والمدنية، يبقى لبنان استثناءً، من خلال استمراره في الضبابية: ضبابية التخطيط، ضبابية الأهداف وضبابية النتائج المتوقعة.