التطريز الفلسطيني مقاومة وموضة

هدى حبيش
الإثنين   2016/05/30
تستغل الشركات والجمعيات صناعة التطريز

يُقدّم التّطريز المرأة الفلسطينية إلى العالم. فانتشاره وشعبيته لما يضفيه على الأقمشة والألبسة من صبغة تراثية شرقية جعلاه رمزاً للمرأة الفلسطينية. والتطريز، بالإضافة إلى منحه المرأة الفلسطينية استقلالاً مادياً وما أنتجه من تحرر اجتماعي، هو مساحة حرة وإبداعية لتفريغ المرأة خيالها وعواطفها في أثواب تشبهها.

وبعدما قدّمت الوسائل البصرية خلال السبعينات من القرن الماضي المرأة الفلسطينية كعنصر فاعل ومقاوم من خلال جسدها الذي يحمل الأطفال الفلسطينيين، قدّم التطريز جسد المرأة الفلسطينية كمتحف فني لقطع تتمنى نساء كثيرات حول العالم أن تضعها على جسدها. ومع عمق وقدم اتصال التطريز بالمرأة الفلسطينية، تحولت هذه التصميمات إلى جزء من الثقافة والتاريخ والتراث الفلسطيني الذي حاول الإحتلال الإسرائيلي سرقته من أجل طمس الهوية الفلسطينية. وهذا ما حمّل تلك الأثواب معاني سياسية أبعد من قيمتها الفنية، فأصبح التطريز فعل مقاومة ونشاطاً سياسياً خاصاً بالمرأة.

وعلى أثر الوعي الفلسطيني لمحاولات التطهير العرقي ومحو الهوية الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي ضدّ الفلسطينيين، توسّع مفهوم المقاومة إلى ما هو ثقافي. ولعل وجود 56 متحفاً في فلسطين اليوم هو أبلغ دليل على هذا الوعي، وهي متاحف "تُعنى بنواحي الحياة والثقافة والتراث الفلسطيني"، على ما يقول المدير العام لـ"المتحف الفلسطيني" في مدينة بيرزيت الفلسطينية محمود هواري. لكن إبقاء هذه التطريزات والتصميمات في المتحف قد يكون خطوة غير واعية في اتجاه عزل هذا التراث عن الحياة اليومية. ولأن هذا النوع من التراث، أي التطريز، يستوجب نقله من جيل إلى آخر لمكافحة زواله، تشهد فلسطين اليوم، على ما يقول هواري، حركة أزياء للباس حديث ومعاصر تستخدم التطريز الفلسطيني وتدمجه مع ذائقة الجيل الشاب، إذ "هناك وعي كبير لدى الجيل الصاعد بالحفاظ على التراث واستخدامه يومياً"، وفق هواري.

وكان "المتحف الفلسطيني" قد أطلق أول معرض له منذ تأسيسه منذ 3 سنوات في مدينة بيروت في "دار النمر للفن والثقافة" تحت عنوان "أطراف الخيوط: التطريز الفلسطيني في سياقه السياسي". وقد وقع اختيار المتحف على "دار النمر" تحديداً "لما تملكه من مقتنيات غنية من التطريز الفلسطيني". هكذا، تكامل دور المتحف الفلسطيني في البحث والتحليل مع دور "النمر" في تقديم الأمثلة الملموسة من الأثواب. ومن خلال هذه الخطوة، أي إطلاق المعرض في بيروت، إشارة إلى "نية المتحف الفلسطيني الانتشار على المستويين العربي والعالمي كقضية ثقافية وحضارية وليس سياسية فحسب، والوصول إلى تجمعات الشعب الفلسطيني في فلسطين والشتات"، يقول هواري.

وتصف منظّمة المعرض الباحثة في تاريخ الفن الشرق أوسطي رايشيل ديدمان التغيرات التي طرأت على فن التطريز بـ"غير المتوقعة". وهي تردها إلى أسباب سياسية وإقتصادية في آن معاً. فالتطريز قبل المعاصر لم يكن سلعة تجارية، وكانت المرأة الفلسطينية تصنعه للاستعمال الشخصي. لكن أسلوب الحياة العصري والظروف السياسية والإقتصادية التي أحاطت بالشعب الفلسطيني جعلت التطريز سلعة ضخمة الإنتاج. فـ"خلال بحثي ومقابلاتي، وجدت أن هذه الصناعة باتت تحمل طابعاً تجارياً استغلالياً من جانب الشركات والجمعيات".

وتشرح ديدمان هذا الاستغلال بارتفاع أسعار هذه التطريزات مقابل انخفاض الأجور التي تتلقاها النساء مقابل عملهن، "وهو نقد يمكننا توجيهه إلى الجمعيات ووكالة "الأونروا" نفسها أيضاً، وهي مؤسسات تفضل الربح عوضاً عن انتشال الأشخاص من بؤرة الفقر".

انطلق المعرض في 25 أيار ويستمر حتى 30 تموز المقبل، في "دار النمر للفن والثقافة" في كليمنصو.