أشهر راحة في صيدا

هدى حبيش
الإثنين   2016/10/10
كان محل الغرمتي أقرب إلى المحمصة من مصنع الراحة (خالد الغربي)

بعد تجاوز "قهوة القزاز" في منطقة حي الأربعين في مدينة صيدا القديمة، وبالتقدم إلى داخل المدينة مهتدياً بحائط مدرسة المقاصد، يصل الزائر إلى أول زقاق داخلي في المدينة مستنشقاً رائحة حلوة لا تفارقه طوال اليوم، وتجعل "الراحة" كل ما يتمنى أن يتذوقه. نزولاً إلى اليسار بعد تجاوز الساحة المقابلة لمدرسة المقاصد، يقبع محل "الغرمتي" الشهير جداً في صيدا وبيروت والجبل وبرجا وغيرها من المناطق داخل لبنان وخارجه براحته اليدوية الصنع.

المحل، على شهرته وشهرة صاحبه الحاج محمد علي الغرمتي، المولود في العام 1927، متواضع وبسيط جداً كصاحبه، لكنه كصاحبه أيضاً طيب ويجمع المحبين حوله ويستقطب أشخاصاً من مناطق كثيرة وبعيدة لشراء "راحة الغرمتي".

يروي الحاج الغرمتي أنه تربى في محل زوج خالته الحاج محمد النقوزي الشهير في صيدا، حيث كان يعد الراحة، فتعلم منه كيفية طبخها. ويمكن القول إن هذه المهنة اختارت الحاج الغرمتي أكثر مما اختارها هو. فمع تقدمه في السن، حاول أن يبتعد عنها فعمل في مخيم الإنكليز في صيدا، وعمل في بيروت وسافر إلى فيلادلفيا الأميركية ليعود إلى مدينته ومهنته الأساسية ويفتح أول محل له "مع ثورة عبد الناصر في العام 1952"، كما يقول بفخر.

في بداية عهده، كان محل الغرمتي أقرب إلى المحمصة من مصنع الراحة، كما هو اليوم. فكان يبيع البزورات على أنواعها، "خصوصاً بزر الغرمتي الذي كان أهالي برجا يشترونه من عندنا، ومازالوا يتذكرونه حتى اليوم"، تقول ابنته ميرنا. وكان الغرمتي مشهوراً حينها بصناعة نوع من أنواع السكاكر إسمه "الدربس"، التي كان يصنعها من قمرالدين وجوز الهند. وقد استمر في صناعته حتى الاجتياح الإسرائيلي.

أما صناعة الراحة المكوّنة أساساً من النشاء والسكر، فهي شديدة الدقة. وقد يكون الحاج الغرمتي اكتسب صفة الدقة من مهنته، لكن من المؤكد أيضاً أن دقّته أضفت إلى منتجاته سراً جعلها أكثر تميزاً من غيرها. ويصنع الغرمتي الراحة "سادة"، أي من دون حشوة، أو يحشوها بالفستق أو البندق أو الجوز.

ولأنه المحل الوحيد الذي يبيع راحة يدوية الصنع وعالية الجودة في صيدا ولبنان ربما، لا يبذل الغرمتي أي مجهودٍ للدعاية أو توسيع محله إلى خارج صيدا القديمة. فمحبوه يقصدونه من دون انقطاع. غير أنه لا يخفي ندمه على مبالغته بالبساطة ومحدودية عمله، فيتمنى لو أنه خرج من المدينة القديمة ووسّع أعماله.

لم يتعلّم أي من أولاد الغرمتي مهنته هذه باستثناء ابنته ميرنا وعمرها اليوم 35 سنة. منذ 20 سنة، أصيب الحاج بجلطة في قدمه، منعته من مزاولة مهنته، أي طبخ الراحة، وكان عمر ميرنا حينها 14 سنة فقط. "كنت أواظب على المجيء إلى محل أبي كل يوم بعد الدوام المدرسي، وكنت أطبخ الراحة عوضاً عنه". لكن، رغم مرضه، لم ينكفئ الحاج الغرمتي عن النزول إلى محله.

وتزن طبخة الراحة نحو 20 كلغ. وتؤكد ميرنا أنهم يطبخون أكثر من 5 طبخات خلال الشهر. لكن، لبيع الراحة مواسم، فيزيد الطلب عليها خلال فصل الشتاء أكثر من الصيف مثلاً. وذروة الطلب على الراحة في صيدا هي مناسبة المولد النبي. أما خلال موسم عاشوراء فلا تزيد نسبة الطلب على الراحة بشكل لافت، على ما تؤكد ميرنا.