محمد قباني يشرح لـ"المدن" اكتشافه لـ"الغرافين"

هدى حبيش
الجمعة   2015/07/03
ساهم قباني، عبر اختراعه، في خفض كلفة الغرافين 10 مرات
لم يعد اقتران الأسماء اللبنانية بالإنجازات والإكتشافات العلمية، خصوصاً في بلاد الإغتراب أمراً جديداً. هكذا، كان لمدينة بيروت مؤخراً مداخلة علمية في جامعة "رايس" في مدينة هيوستون الأميركية، حيث اكتشف الشاب اللبناني محمد قباني (24 عاماً)، وطالب الدكتوراه في برنامج "علم المواد وهندسة النانو"، تقنية قادرة على حل مشكلة، دامت لسنوات، في صناعة الغرافين، وهو نوع من أنواع النانو.


وفي مقابلته مع "المدن" ناقض قباني الصورة النّمطيّة للطالب العبقري أو كثير الدرس أو ما يصفه البعض بـ"نيرد" في اللغة الإنكليزية. فقباني الذي تخرّج من "الجامعة اللبنانية الأميركية" في بيروت في العام 2012، بامتياز عال مع بكالوريوس في الكيمياء بدا شخصاً مثقفاً وملماً بالواقع السياسي والإقتصادي والاجتماعي للبنان. وهو على الرّغم من زيارته بلداناً كثيرة، ما يزال مصراً على العودة إليه.

ولم تغب المصطلحات العلمية عن الحديث، خصوصاً حين حاول قباني شرح إنجازه بأبسط طريقة ممكنة. ووفقاً لقباني، النانو هي مواد صغيرة جداً لا تُرى بالعين المجردة لكنها ضرورية لتطور الصناعة. أما الغرافين فتجتمع فيه خصائص كثيرة يتفرّد بها عن غيره من المواد، وهو يستخدم في التطبيقات الكهربائية التي تدخل في حياتنا اليومية ويعتمد عليه الأميركيون في صناعتهم للطائرات والدبابات. على الرغم من ذلك، لطالما كان استخدام الغرافين صعباً ومكلفاً إذ يتراوح سعر الغرام الواحد منه بين 1000 و2000 دولار أميركي، خصوصاً في ظل غياب أي تقنية تجمع بين الإنتاج الضخم والنوعية الجيدة والوقت العملي.

والإختراع الذي أنجزه قباني خلال السنوات الثلاث الأخيرة يقوم على إضافة جزئيات كالكاربون والأوكسجين والهيدروجين إلى أنابيب الكاربون، أي الغرافين الملتف، مما يولد انفجاراً يؤدي إلى خروج مادة الغرافين من هذه الأنابيب. واذ تتراوح كلفة هذه الأنابيب بين 100 و200 دولار أميركي يكون قباني قد ساهم في خفض كلفة الغرافين 10 مرات.

يحب قباني العلم ويعتبر أن الهدف الأول من إنجازه هو "فتح مجال جديد لمزيد من الأبحاث". ويبدو أن هذا التقدير للعلم متوارث في العائلة التي وصفها الشاب بأنها "تحب النجاح على أنواعه". فهو ابن لوالد تخرج في السبعينات من جامعة "هارفرد" مع شهادة في الكيمياء وله إخوة يعملون في مجالات مختلفة. ولعل شخصيّة قباني بما فيها من ثقة وإصرار جعلت تحقيق هذا الإنجاز ممكناً، في وقتٍ لم يصدّق أحد أنه توصّل إلى الحل، فاضطر إلى الوقوف وحيداً لإثبات صحّة إنجازه. ويقول: "بجهدي الشخصي سافرت إلى الهند على الرّغم من أن المشرف على عملي هو من أكبر الأسماء في هذا المجال، إلا انه لم يكن قادراً على تبني إنجازي أو الموافقة عليه قبل التأكد من صحّته مما ترك عبئاً نفسياً علي، ولكنني كنت مقتنعاً جداً". وكان قباني قد وصل إلى هذا الإختراع في أواخر العام 2012 و"حصلت على براءة الإختراع في العام 2014. واليوم لا يستطيع أحد إنتاج غرام من الغرافين، بهذه الطريقة، من دون موافقتي".

لكن في حال أكمل تعليمه في لبنان، هل كان بإمكانه التوصل إلى هذا الإختراع؟ يجيب قباني قائلاً: "على الأرجح لا". بيد انه يشير إلى أهمية التعليم الأكاديمي الذي حصّله في لبنان في مدرسة "خالد بن الوليد" التابعة لجمعية "المقاصد" أولاً، ومن ثم في "اللبنانية الأميركية"، والذي مكّنه من النجاح والتميّز في جميع مواد دراسته في "رايس" ومنافسة الطلاب الآخرين. ولأن الجانب الأكاديمي والبحثي يكملان بعضهما فإن غياب الجانب البحثي في لبنان يجعل تحقيق هذه الإنجازات أمراً مستحيلاً. في هذا الإطار، يعيد قباني هذه المشكلة إلى غياب الموارد المادية والتقنية الضرورية لهذه الأبحاث، مضيفاً إليها غياب الثقافة والبيئة الحاضنة الضرورية لولادة الأبحاث، خصوصاً لجهة "عدم سماح الكثير من الأساتذة لطلابهم بالنجاح والتوصل إلى إنجازات تفوق إنجازاتهم في لبنان".

ازاء هذا الواقع، هل يمكن اعتبار النجاح والإنجاز العلمي اليوم حكراً على من يمكنهم تأمين تكاليف الدراسة في الخارج فقط؟ في هذا الإطار يقول قباني أن "الشرط الأول للوصول إلى أهم الجامعات في العالم هو المعدل. أما المال، فلا يمكن لأحد التعلم في هذه الجامعات على حسابه الخاص لأن أقساطها مرتفعة جداً، لكن هذه الجامعات تمنح المميزين منحاً تساعدهم على الدراسة. في الوقت نفسه إذا لم يكن لدى الشخص موارد مادية كافية، لن يستطيع تحمل نفقات الإقامة، خصوصاً أن برنامج الدكتوراه تتراوح مدته بين 4 و5 سنوات". هكذا، يعتبر قباني أكثر حظاً من غيره، إلا انه يؤكد أنه "ممتن لوجود من مهّد لي الطريق لأكون قادراً على تحقيق أهدافي، لكنني لم أعتمد يوماً على قدرة عائلتي المادية لأنجح، بل على مجهودي الشخصي".

سيبدأ قباني قريباً التعاون مع شركة "أرامكو السعودية" للنفط، وهو يخطط إلى تأسيس شركته الخاصة لاحقاً. كما ينوي قباني أن يعود للإستقرار في لبنان في عمر الثلاثين، أي بعد 6 سنوات وهو يصف هذا الموضوع بـ"الضروري" لأنه يؤمن أن الحياة موجودة لنحياها ونفرح بها.

أما نصيحته للشبان والشابات ذوي الطموحات العلمية فهي التركيز على مواد الدراسية الجامعية، فهمها جيداً والحصول على علامات عالية فيها. لكن في الوقت عينه يوصي قباني ببناء علاقات اجتماعية. "اللبنانية الأميركية تمنح الإنسان فرصة كبيرة لبناء شبكة علاقات وحياة اجتماعية، فيجب أن يعرف الطالب كيف يستغل هذه الفرصة. فالنجاح والتميز التعليمي لا يكون بالعزلة، إذ تتساوى في الأهمية اليوم الحياة الاجتماعية وبناء العلاقات مع الأكاديميا، لأننا في المدى البعيد إذا أردنا أن نحدث فرقاً علينا التعامل مع الناس والتسويق لأنفسنا وبيع إنجازاتنا وكسب ثقة الآخرين وإقناعهم".