صورة لكل لحظة... في مخيمات اللجوء

إلهام برجس
الجمعة   2015/01/23
إبداع الأطفال في معرض للصور التي التقطوها في مخيماتهم ( مروان عساف)

"الكاميرا أحسن من البارودة.. البارودة مو كويسة"، مقاربة يطرحها طفل يسكن أحد مخيمات اللجوء السوري في لبنان. يقول الطفل، في الفيلم الوثائقي الذي عرض خلال إفتتاح معرض للصور (ضمن إطار مشروع لحظة-2)، نفذته "جمعية ذاكرة" بالتعاون مع "اليونيسف"، أن "الكاميرا إذا بتكبس بتصير كويسة.. البارودة اذا بتكبس ما بتفيد، بتموِّت واحد". ويتمحور المشروع حول تدريب أطفال المخيمات على إستخدام الكاميرا، ومن ثم يزودوا بكاميرات تستخدم لمرة واحدة، ليصوروا فيها الحياة في مخيمهم.

الصور من عيون الأطفال، أصدق. وهم لن يختلقوا بعدساتهم الأكاذيب. ولن يحاولوا اخفاء الحقيقة، أو إظهارها مجتزأة. يقال إن من يريد أن يعرف الأسرار، عليه أن يسأل الصغار. وهؤلاء، في مشروع لحظة، يقولون من خلال الصور، ما الذي يعانون منه، وما الذي يعانيه كبارهم خلال هذا اللجوء. هكذا، تمكنوا من توثيق آلامهم، ومآسي مخيماتهم، وأحلامهم في صور من الواضح أنهم لم يلتقطوها عبثاً.

نور الدين، في الشمال، إختار أن يصور عبور أترابه فوق مستنقع من الماء والوحل، على جسر من حجارة وإطار شاحنة. محمد من البقاع، التقط الصورة الأخيرة لصديقيه الراحلين على ظهر شاحنة محملة بأغراض العائلة وأمتعتها. في صورة لأحمد من البقاع أيضاً، أيادٍ كثير لأطفال يجتمعون حول "موقدة" طلباً للدفء.. وفي آخر الصور طفل يرسل ابتسامة للكاميرا. في ناحيةٍ أخرى من البقاع، صورة بعدسة سارة، لأقدام عارية مغمسة بالوحول. ماذا أرادت سارة من هذه الصورة المؤلمة؟ هل أرادت تعرية الضمائر أمام أقدام هؤلاء الأطفال؟ كم من الوقت مر، فكرت خلاله سارة بمأساة عري أقدام رفاقها وربما قدميها؟ بكم حذاء أحمر حلمت؟

في الشمال يصور مصطفى أحد أطفال المخيم، يرتدي كنزة الشتاء التي يظهر من طول أكمامها أنها بمقاس أخيه الأكبر ربما. يرتديها من دون سروال أو حذاء ويقف في منتصف مستنقع الوحول من دون أن ينظر الى الكاميرا. في أحد مخيمات البقاع، تلتقط هبة صورة لفتاة تطل من خلف خيمة وعلى رأسها منديل وردي اللون، وأمامها سلة غسيل. تظهر هبة في الفيلم الوثائقي فرحة بعد أخذها للصورة. تقول: "صورتها.. طلع كل وجها".

الـ140 صورة، التي وثق بها الأطفال تفاصيل حياتهم، جُمعت في كتاب واحد. صوَّر الأطفال أفراحهم، ألعابهم التي إخترعوها لتمضية الوقت المرير، ومآسيهم. صوروا نساءً يطهين أو يخبزن على صاج حديد، وأخريات يجمعن الحطب، وغيرهن يغسلن الثياب في وعاءٍ معدني كبير. بين الصور ثلاثة أطفال يجتمعون على محتوى صحن واحد للغداء. وآخرون يذهبون الى المدرسة، يساعدون في تقطيع الحطب، ويجتمعون للظهور في الصورة.

يعلق أحد الأطفال على صورة التقطها لنفسه: " كنت بدي إتصور، ما حدا صورني، صورت حالي... بس لو مبين كلني كان أحسن". لكل صورة قصة بين هؤلاء الأطفال. فالفتاة التي إختارت تصوير ثلاثة أطفال حول موقدة، لم ترد أن نراهم يبحثون عن الدفء. هي فقط معجبة بألوان ثيابهم وهي أيضاً تتوق الى الحياة. "بحب الألوان لأنها ألوان الحياة، هول عالم لابسة ألوان بحبهم كتير، ذكروني ببلدي لما كانوا رفقاتي يلبسوا ألوان". خلافاً لها، تجد فتاة أخرى في الصورة وسيلة لرفع الصوت: "بصور من جوات قلبي، لفرجي العالم كيف عم عاني هون". أما الآخرون فلديهم لصورهم مشروع مستقبلي، اذ سيحتفظون بها الى حين العودة الى سوريا. فهناك من يريد أن يري الذين لم يستطيعوا المجيء الى لبنان أن "هناك (في سوريا) موتاَ، وهنا موت أيضاً".

يجد المسؤول الإعلامي في مكتب "اليونيسف" في لبنان، عبد السلام المنعم في حديث لـ"المدن"، أن أهم ما في المشروع هو "افساح المجال للطفل في التعبير عن نفسه". يشرح عبد المنعم أن قيام الأطفال بالتصوير، من ثم مشاهدة الصورة يؤديان الى خلق ردة فعل لديهم حول أسلوب حياتهم. وردة الفعل هذه تأتي بعد "فتح النقاش مع الأطفال حول ظروف الحياة في المخيمات قبل بدء التصوير، وبعد إعادة الصور اليهم". فهذه الصور وفقاً لمنعم "ليست للذكرى فقط، بل ليرى الطفل كيفية تطور حياته وتغيرها".

يؤكد منعم أن الأطفال إختاروا مضمون الصور بأنفسهم. فوفقاً له، "تتألف كل مجموعة من 20 طفلاً، يشرف عليهم 4 أو 5 أشخاص". يكمل منعم، أن الأطفال ينتشرون في أنحاء المخيم خلال التصوير، فلا يعرف المشرفون ما الذي يتم تصويره حتى. "نتفاجأ بالصور"، يقول منعم، ويضيف أن "ما يبرر إبداعهم هو قدرة الأطفال على التدقيق في التفاصيل، يصورون ما يشغل أذهانهم، واللحظات التي تحاكي أعماقهم وتفاصيل حياتهم التي لا ينتبه اليها الآخرون".