عكار: الشتوة الأولى تغرق مخيمات النزوح

عامر عثمان
الإثنين   2014/09/29

يمكن النظر إلى شتوة أمس باعتبارها إنذاراً أولياً لما ينتظر النازحين السوريين في لبنان، خصوصا أولئك الذين يسكنون خيماً غير مجهزة، ولا ملائمة، للمطر. ولا يبدو، في أفق ما يقال عن حضور النازحين في لبنان، أن أحداً يهتم بإستباق كارثة متوقعة، كان خريف وشتاء العام الماضي درساً في ضررها ونتائجها. فلا تزال صور أطفال صغار قتلوا بسبب البرد حاضرة في الذاكرة. لكن الإستباق والتوقع، كما في يومياتنا، فعلين غير مأخوذ بهما، أو هما في أحسن الأحوال غير مطبقين. على أن التجاهل الرسمي، كما في هذه الحالات وحالات أخرى ترافق الشتاء وطقوسه، مما لا يعطل الكارثة ولا يلغيها.

تجربة عكار أمس مثالاً تطبيقياً، ولا نزال في درجة دنيا من انقلاب الطقس ومناخه. على أن ما حصل لا يكشف إلا الاهمال الحاصل في متابعة مسألة النازحين، محلياً ودولياً. اذ وجد هؤلاء أنفسهم، أمس، في العراء بعد أن أطاحت الرياح والأمطار الغزيرة بخيمهم. فالعاصفة التي هبت ليل السبت ـ الأحد أجبرتهم على نقل أبنائهم من خيمة الى أخرى في محاولة لحمايتهم من الأمطار وتأمين سقف يردع عنهم الرياح القوية.

وهذه الحادثة أعطت فكرة واضحة عن المعاناة الانسانية التي تنتظر النازحين خلال فصل الشتاء المعروف بقساوته في عكار، وسط غياب كلي للمؤسسات الدولية التي خفضت مساعداتها الى أدنى المستويات، فجرى شطب العديد من العائلات من قوائم "مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، وحرمتهم من الحصول على حصص غذائية وعلى مساعدات لتشييد الخيم.

في مخيم النازحين في سهل عكار لا شيء على حاله، فالمياه والسيول إجتاحت الخيم ومنعت الأطفال من النوم. "رحنا نتنقل من خيمة إلى أخرى طوال الليل، لا مياه ولا طعام والأغطية كلها تبللت"، يقول ياسر أحمد. "لم نعد نريد طعاماً من الأمم المتحدة ولا طبابة، ولن نطالب بعد اليوم بمأوى بل نريد سما لكي نتناوله ونرتاح من هذا الذل"، كما رددت نسمة إبراهيم تعبيراً عن غضبها من الواقع المؤلم الذي يعيشه عدد من النازحين.

تضيف: "تمنيت لو أن لدي سُماً ليل أمس لكي أسقيه لأبنائي فنموت جميعنا. عندها يمكن للأمم المتحدة أن تدعي مساعدة النازحين. فلا نسمع سوى عن توزيع الخشب والنايلون والأغطية من دون أن نحصل على أي مساعدة".

تتشابه قصص النازحين الذين يتوزعون على أكثر من 40 مخيم عشوائي في سهل عكار. نواف الأحمد، مثلاً، لم يجد حلاً سوى اللجوء الى سيارة قديمة مرمية بجانب المخيم لنقل عائلته والاقامة فيها، بعد أن مزقت الرياح الخيمة التي بناها منذ أيام لكي تأويه مع أطفاله الثمانية.

ويقول حسين العرب: "لم يغمض لنا جفن طوال الليل، كما لم نتمكن من إسكات الأطفال الذين خافوا من كثرة الرعد وقوة الرياح. ولم يكن أمام زوجتي سوى رفع حفيدتنا، إبنة الشهرين، الى أعلى الأغراض الذين وضعتهم فوق بعضهم البعض خوفا عليها من الأمطار، وفي محاولة لتأمين بعض الدفء لها".