تعدد الزوجات في وادي خالد: جحيم البنات

هبة حرب
الأربعاء   2014/08/20
جاءت الأزمة السورية لتسمح لشبان في وادي خالد بزواج سهل من فتيات سوريات نازحات (عامر عثمان)
لا تبدو الحياة قاسية على محمد ابن وادي خالد. يقول إن الحياة أعطته أكثر مما يستحق. يعرف الرجل الثلاثيني كيف يدير أموره جيداً. يكفيه أنه تزوج من 4 نساء وأنجب منهن 9 أولاد، ولو سمح له الشرع لأكمل "العد إلى العشرة".

يضيّع محمد في أوقات كثيرة بأسماء أولاده. لا يعرف أي طفل ابن أي إمرأة. لكن هذا الأمر يضحكه. يقول: "أضحك وكأن الأمر حزورة. علي أن أسأل نفسي هذا الطفل ابن أي إمرأة؟ وتسأل نفسك كيف صار لديك في أقل من 6 سنوات 9 أولاد. إنه أمر غريب". يضيف: "أفكر أحيانا أن واحداً من هؤلاء قد يكون ابن جيراننا وقد نسيوه عندنا الليلة. ثم أضحك من نفسي".

يرسل محمد أولاده الى المدرسة الابتدائية مع أطفال سوريين نزحوا إلى المنطقة. لم يتغير الكثير بين ما قبل النزوح وما بعده. كانت القرى على جانبي الحدود تعيش علاقات تشابك. وهي تمتد من أواصر عائلية وزواج متبادل بين ريف حمص وبلدات الوادي، وتصل إلى علاقات تجارية تمر فيها صفقات تهريب المازوت والدواء والغاز وسلع أخرى. وقد صارت علاقات الزواج، بعد النزوح، كثيرة.

خرج أولاد العشائر من تقليد الزواج الضيق والارتباط ببنات العم. تزوج هؤلاء في السنتين الماضيتين، وفق ما يؤكد محمد أكثر من 400 فتاة سورية، وهو "رقم كبير". يقول محمد: "من المعروف أن رجال وادي خالد يتزوجون أكثر من مرة ولا يكتفون بامرأة واحدة. ثم جاءت الأزمة السورية لتسمح لهم بزواج سهل من فتيات سوريات نازحات لا حول ولا قوة لأهاليهن على تدبير أمورهن". ويوضح: "الزواج سترة للبنت. قمنا بدورنا كأولاد عشائر وتزوجنا ما تيسر لنا. الفتاة التي تدخل بيوتنا تكون مثلها مثل زوجاتنا. ليست أقل شأناً. نحفظ لها حقوقها ونحفظها برموش العين".

لكن ما يقوله محمد ليس كل الحقيقة. اذ تؤكد معظم النسوة اللواتي التقين بهنّ في جمعية نسائية واللواتي رفضن ذكر أسمائهن، أن نساء الوادي يتعرضن للضرب، وتعدد الزوجات يُعقد الأمور ولا يحلها. تقول ميساء (اسم مستعار): "بالرغم من قبولنا بنساء أخريات في منازلنا إلا أننا مستاءات. لا كلمة لنا. قد نُطلّق في أي لحظة إن فتحنا أفواهنا، أو نضرب". وتؤكد أن "النساء يعشن أشبه بخادمات للرجال. ممنوعة علينا أمور كثيرة. علينا أن نقوم بواجبات البيت من تنظيف وترتيب وإعداد للطعام، ومن ثم علينا أن ننام مع رجالنا". تضيف بحزن: "نحن أشبه بسبايا لكن بعقود زوجية".

يرغب طارق، الذي يعمل سائقاً لسيارة فان على خط بيروت- طرابلس– عكار، في أن يكون صاحب عائلة "ممتدة". يقول إن جده فزاع، وهو زعيم عشيرة محلية، تزوج تسع مرات وأنجب 27 ولداَ.

يعترف أن جده لم يكن عادلاً مع زوجاته، وأنه كان يضربهن، ويقسو عليهن في كثير من المرات. لكنه يؤكد أن هذا الجيل تغير ولم يعد الضرب وسيلة أساسية للتعامل مع النساء. يقول إنه يعامل زوجاته بعدل كاف، "أحضر لهن الأغراض نفسها ولا أميز بينهن"، بالرغم من أنه يكرر دوماً أن المرأة العنيدة يجب تربيتها. يضيف: "من تخطىء ولا تسمع الكلمة فالتأديب أمر واجب لتربيتها".

تزوج محمد آخر مرة منذ 8 أشهر. وزوجته ناعسة التي جاءت مع عائلتها من حمص حبلى في شهرها الثالث. تعرف إليها فور وصولهم إلى منطقة وادي خالد عابرين النهر الشمالي بداية العام 2011، وسكنهم في غرفتين ملاصقتين لبيت أمه في بلدة الهيشة.

بقي محمد يتقرب منها. وساعدها في إيجاد عمل داخل مدرسة البلدة كمدبرة، لكنّه تأخر في طلب زواجها إلى أن قبلت زوجته الثالثة وابنة عمه ختام أن "ينزل عليها ضرة".
كانت ختام صغيرة حين تم تزويجها إلى محمد. وعدها بأن لا يتوزج إمرأة غيرها. تقول إنها يومها دخلت غرفتها بخجل. جلست وهي ابنة 14 عاماً على طرف السرير وهي تحاول أن تحكي. لكنها صمتت، "وبقيت ساكتة للى هذا اليوم". تقول إن محمد تزوج قبلها من فتاتين واحدة ابنة عمها والأخرى من بلدة عكارية تزوجها "شليفة" (خطيفة). تؤكد أن الأمر لا يعود مهماً مع مرور الوقت. وتكشف أنها رضيت بواقعها، "ماذا عليّ أن أقول. من حقه أن يتزوج. لا يتأخر علي بأي طلب. يؤمن لي ولأولادي كل شيء. أعترف أن الأمر يصبح صعباً، لكن الوقت يجعلني أهتم أكثر بأولادي وبتحسين ظروف حياتهم"، موضحة أنها تعرف العديد من الرجال، ومن بينهم اخوتها، تزوجوا أكثر من فتاة سورية وأنجبوا منهنّ، "إنها سنة الحياة. الزواج جميل لكنّه في الوادي جحيم للبنات".