تعديل سن الحضانة لدى الشيعة.. المعوقات كثيرة

هدى حبيش
الخميس   2014/11/20
تمنح الطائفة الشيعيّة الأم حق حضانة الصبي حتى السنة الثانية من عمره والفتاة حتى السّنة السابعة (علي علوش)
على الرّغم من الجهود التي بذلتها الجمعيات النسائيّة في لبنان لرفع سن حضانة الأم للطّفل بعد الطلاق عند مختلف الطوائف، وعلى الرّغم من رفع هذا السّن عند الطائفتين السنية والأرثوذكسيّة، يبدو أن التوصّل إلى تعديلٍ كهذا هو شبه مستحيل في المحاكم الجعفريّة، مما يجعل من اللجوء إلى الزواج المدني بالنسبة إلى البعض حلا وحيداً لهذا المأزق، وخصوصاً أن إقرار هذا القانون في لبنان بدا أكثر سهولةً من إقناع رجال الدين برفع سن الحضانة. 


ففي لبنان، تمنح الطائفة الشيعيّة الأم حق حضانة الصبي حتى السنة الثانية من عمره والفتاة حتى السّنة السابعة. بيد أن دولة إيران التي تكتسب ثقة الكثيرين من المواطنين الشّيعة والتي يعتبرها كثيرون منهم مرجعهم الديني أيضاً، رفعت سن الحضانة حتى سبع سنوات للصبي وتسع سنوات للفتاة. ومع ذلك، عرقل نائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان محاولات الجمعيات في سبيل تعديل هذه الأحكام لعدم اعترافه بالمرجع الذي اجتهد لإيجاد الأقوال الدينية التي تثبت شرعيّة رفع سن الحضانة.


معوقات رفع سن الحضانة في "الجعفريّة"
تروي زينة ابراهيم، رئيسة مجموعة "حماية المرأة اللبنانية"، تجربتها في هذا المجال من دون أن تخفي القدر الكبير من الإحباط الذي وصلت إليه بعد أن باءت كل محاولاتها مع المحكمة الجعفريّة بالفشل. وإن دلّ صوتها المرتجف وانفعالها على شيء فعلى مرارة وصعوبة الموقف الذي وضعت الناشطات فيه إزاء استخفاف قبلان بمطلبهن وإخبارهن منذ البداية بأنهن "لن يصلن إلى أي إنجاز في هذا الإطار". وتفيد ابراهيم أن اقتراح قبلان الوحيد للناشطات كان "مراسلة المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني نفسه، واقتراح رفع سن الحضانة في لبنان عند الطائفة الشيعية عليه".

تعقيدات هذه القضيّة تعود، وفقاً لابراهيم، إلى "الإختلاف في اتباع المراجع الدينية في الطائفة الشيعيّة ذاتها، فمثلاً من يتّبع السيستاني لا يعترف بالسّيد محمّد حسين فضل الله كمرجع، وبالتالي فاجتهاد فضل الله في هذا الموضوع والتفسيرات الشرعيّة التي اعتمدها لتعليل موافقته على رفع سن الحضانة لا تأخذ بهما المحكمة الجعفريّة التي تستنذ إلى إفتاءات السيستاني".

والحال أن "الحائط المسدود" الذي وصلت إليه إبراهيم لا يعود سببه إلى تعقيدات عمليّة إصدار الفتاوى الشرعية في المحكمة الجعفريّة فحسب. فلا تتردّد إبراهيم بوصف ما يحدث في هذه المحاكم عامّة بالفساد، إذ تقول: "يلعب الفساد دوراً أساسياً في منع المرأة من حقّها بالحضانة، فموقع الرّجل في المحكمة أقوى من موقع المرأة، كما تساعده قدرته الماديّة التي تغلب قدرة المرأة في معظم الأحيان على بلوغ أهدافه وكسب مثل هذه القضايا".


كيف نكسر "الحائط المسدود"؟
بالنّسبة إلى رئيسة "المجلس النسائي اللبناني" جمال غبريل، من الصّعب أن يسهم رجل في التوصّل إلى قانون ينتزع من "الرّجل" إحدى سلطاته، ورجال الدين هم في النهاية رجال. وتضيف غبريل أن الإختلاف في تفسير الأقوال والآيات الدينية يعد أحدى العثرات التي تواجه مثل هذه المطالب. "لو كان رجال الدين نساءاً لوجدوا الأدلّة الشرعيّة التي تقضي رفع سن الحضانة، فتونس مثلاً منعت تعدد الزوجات بناءاً على الشّرع الإسلامي".

ويبدو أن الصحافة لم تؤد الدّور الذي كانت تأمله إبراهيم منها في تغطية هذه القضية، إذ تعبّر عن عتبها على الصحافة اللبنانيّة لأنها لم تغطِّ تظاهراتهن ولم تدعم تحرّكهن بالقدر الكافي. من جهتها، ترى غبريل أن الصحافة تريد "دماً" لتسلّط الضوء على أي موضوع. فقصص القتل والعنف تشدّ الجمهور وهذا، بالنسبة لها، "ما ساهم في تحريك الرأي العام للمطالبة بقانون للعنف الأسري وإقرار هذا القانون". وفي سياقٍ منفصل، زاد تقاعس المواطنين اللبنانيين وبخاصّة النساء، عن نصرة هذه القضية، من صعوبة تجربة ابراهيم، إذ لم تشارك أي منهن في تظاهرات المجلس، على الرغم من معاناتهن من قانون الحضانة الحالي.

ويبدو أن تجربة غبريل الطويلة في مجال مناصرة حقوق المرأة والعمل على تعديل القوانين جعلها أكثر أملاً بالقدرة على التغيير، فتقول: "التغيير يحتاج إلى وقت، فالطائفتان الشيعيّة والدرزية ستشعران بأنهما تراجعتا عن سواهما من الطوائف إلى أن يظهر فقيه أو متنوّر يعي أهميّة عدم تنفير الناس من الزواج الديني". وهي ترى ضرورة لتوعية الجيل الجديد من النساء على حقوقهن، "فالفتاة تستطيع مثلاً أن تورد بعض الشروط في عقد الزواج وقد يكون سن الحضانة من ضمنها".


 

الطفل المنسي في النزاع على الحضانة
لكن في خضم الحديث عن موضوع الحضانة كقضيّة تنتقص من حقوق المرأة ننسى أحياناً أن الطفل معنيٌّ بهذه القضيّة أكثر من المرأة، فغالباً ما يصبح الطفل في حالات النزاع على الحضانة كرة يتقاذفها الوالدان. بيد أن حاجة الطّفل لكلٍّ من أبويه تختلف مع اختلاف المرحلة العمريّة التي يمرّ بها.

فمن الناحية التربوية، يقول المتخصص في الطب العائلي خالد ناصر أن الطفل يحتاج إلى أمرين أساسيين أولهما "الحب الذي غالباً ما تكون الأم الأقدر على توفيره للطفل (الإرضاع والتواصل الشفهي) وهو يشمل التقدير والإهتمام". وثانياً، "يحتاج الطفل إلى الإنضباط وما يشمله من قوانين، وهذا ما تمثّله شخصية الأب". أما نصيحته الأساسيّة للمطلّقين فهي بناء قراراتهم في موضوع الحضانة "وفق ما يتناسب ومصلحة الطفل أولاً وأن يحرصا على تأمين الإستقرار العاطفي له وتجنّب الفصل بين الأخوة والخلاف لأنهما يتركان آثاراً سلبيّة على نفسيّة الطّفل".

باختصار، لن تكون الأديان متعارضة مع الإنسانيّة، فهذا ينافي الغاية التي وجدت من أجلها. بيد أن سوء تصرّف بعض رجال الدين أدّى إلى النفور من المؤسسّة الدينيّة. وعندما يختار رجال الدين الإنغلاق على أنفسهم بهدف الحفاظ على الدين، ينقلب السحر على الساحر كما يقال، لأن الإنغلاق يزيد في معظم الأحيان من ابتعاد الناس عن الدين.



الأطفال كما الراشدون، وبالأخص النساء منهم، يعانون في تحصيلهم حقوقهم من واقع غياب قانون مدني موحد للأحوال الشخصية. يؤدي التعدد في قوانين الأحوال الشخصية، نسبة لتعدد الطوائف، الى حالة من اللامساواة القانونية بين المواطنين. هكذا، يتمتع طفل في التاسعة من عمره بالحق بالبقاء مع أمه والحصول على رعايتها لمجرد كونه ينتمي الى طائفة تسمح بذلك. بالمقابل يحرم طفل آخر في العمر نفسه من هذه الرعاية بسبب إنتمائه الى طائفة أخرى، وبالتحديد الطائفة الجعفرية.

وفي مطلق الأحوال، بموجب جميع الإتفاقيات الدولية الراعية لأوضاع الطفولة، وأهمها "الإعلان العالمي لحقوق الطفل"، يحق للطفل أن يتمتع بالرعاية العائلية، أي أن يعيش في إطار من التوازن في علاقته مع كل من الأم والأب. الأمر الذي لا ترعاه قوانين الأحوال الشخصية الدينية في حال إنفصال الأهل، أقله على أرض الواقع، خلافاً للقوانين المدنية النافذة في معظم دول العالم التي تبحث في صالح الطفل قبل كل الإعتبارات الأخرى.