"ووردبرس": سنة عاشرة تدوين

سليم البيك
الأحد   2013/04/28
 قبل أن يكون لملايين الأشخاص في العالم صفحات على موقعَي "فايسبوك" و"تويتر" وربما "تمبلر"، كان عدد أقل بكثير يعبّر عن وجوده كمواطن إلكتروني عبر المدونات.
البداية كانت مع مدونات "بلوغر" من "غوغل"، ثم طغت "ورد برس" على معظم مساحات التدوين الكترونياً، لتتعدى اليوم حدود المدونات إلى مواقع موسّعة وصحف إلكترونية وغيرها.
بعد أيام قليلة، وتحديداً في ٢٧ أيار المقبل تحتفل "ورد برس" بمرور عشرة أعوام على إنطلاق النسخة الأولى من مدوناتها على الشبكة.
اليوم، وبعد هذه السنوات، لا يمر شهر من دون تحديثات في "ورد برس"، من التفصيلات الصغيرة في "الداشبورد" (لوحة التحكم) إلى استحداث المزيد من الثيمات (التصميمات) والتي تناسب غايات التدوين –"كالفوتو بلوغينغ" (التدوين بالصورة)- مروراً بتحديثات على مدوناتها تمتّن تشابكها مع مواقع تفوقها شعبية مثل "تويتر" و"فايسبوك". 
اليوم باتت "ووردبرس" تشغّل ما يقارب ٢٠ في المئة من المواقع على الشبكة منها مواقع "سي أن أن" ومجلة "تايم" وصحف "نيويورك تايمز" و"لوموند" و"ذا تيليغراف" و"واشنطن بوست" وغيرها‪.
‬إلا أن مدونات "ووردبرس" في البلاد العربية، لا تنتشر كما في أميركا أساساً وأوروبا وآسيا بالدرجة الثانية.
ومن الملاحظ انتشار مدوّنات "بلوغر" بالعربية قبل سنوات قليلة وانحسارها في السنتين الأخيرتين أمام التوسع الهائل لـ"تويتر" -المعروف كموقع "مايكرو بلوغينغ" (ومضات تدوينية)- و"فايسبوك". أما "ووردبرس" فبدأت تحتل موقع مدونات "غوغل" ("بلوغر") كموقع تدوين أول باللغة العربية، إلا أنها تبقى بعيدة عن المنافسة عربياً مع الموقعَين الزرقاوين الخفيفين بأثر من طبيعتها التدوينية والأكثر شعبية واجتماعية وتفاعلية وترفيهية، وأقل تعقيداً، لا سيما أنه لا "داشبورد" فيهما، وهما أكثر اعتماداً على المشاركة "شير" و"ريتويت" (إعادة الإرسال) منهما على الإدراج ("البوست") و"تويت" (التغريد) وهو ما افتقرت له مواقع التدوين.
 
وذلك رغم أن "ورد برس" أقامت مؤخراً صفحة (ريدر) أشبه بصفحة (هوم) في "فايسبوك" و"تويتر"، يتابع من خلالها المدوّن ما تنشره المدونات التي تبعها أي (صادقها أو لحقها) يُعجب بها بكبسة "لايك" أو يعيد نشرها بكبسة "ريبلوغ" (إعادة نشر).
 
يحاول "ووردبرس" إدخال مدوناته في منطق التفاعلية، إلا أن طبيعة التدوينة قد تحصر المحاولة في حدود معيّنة. فالتدوينة تُبنى على النص أكثر من أي شيء آخر، إضافة إلى صورة أحياناً. نص قد يطمح إلى إكمال فكرة ما. لا يُكتب أو يُنشر على عجل تستدعيه السهولة التقنية والتفاعلية الحيّة التي تزيد في استدعاء العجلة ذاتها، ولا هو محدود بـ 140 حرف مثلاً. بل هو نص أقرب لبنية المقالة منها للستايتس أو التويت.
 
التحدي الأكبر الآن لموقع "ورد برس" الأزرق يتمثل أولاً في "فايسبوك" و"تويتر"، وثانياً في موقع "تمبلر" الواقع في المنتصف بين التدوين كما في "ووردبرس"، وبين "المايكرو" تدوين كما في الموقعَين الأولين الاكثر شعبية. التحدي الذي يحاول "ورد برس" الاستجابة له الآن، وبعد عشر سنوات على تأسيسه، هو تفعيل التدوينة مع هذه المواقع عبر تطبيقات عدّة، وكيفية التعايش معها واستخدامها إلى أقصى الحدود من أجل نشر محتواه. هناك مثلاً تطبيقات تَنشر التدوينة فور إدراجها في "ووردبرس"، تنشرها في المواقع الزرقاء الثلاثة، وغيرها كموقع "لينكدإن"، ومن دون أي كبسة إضافية.

سيبلغ "ووردبرس" عامه العاشر - وهو نفس "عمر" موقع "فايسبوك" - مؤكداً أنه موقع التدوين الأول، والأرجح أنه الموقع الأول للصحف الالكترونية، مع تحديات تفرضها عليه مواقع التواصل الاجتماعي الأكثر شعبية.
 
هنا نتنبه إلى أن التدوين إنتشر في العالم العربي قبل الثورات، وفي مصر أكثر من غيرها. وكان للمدونات، ولا يزال، دورٌ في التوعية والتثقيف ونشر آراء لا سلطان عليها ولا رقيب، ومارست ما افتقرت إليه الصحافة الكلاسيكية. كانت صفحات مفتوحة بكل حرية. يشوب هذه الحرية ما يشوب أي حرية، لكنها كانت وما زالت، حاجة اجتماعية سياسية ثقافية لن تغني عنها الصحف المكرّسة، ولا الحسابات الخفيفة في "فايسبوك" و"تويتر". يذكرنا هذا بأن التدوين حاجة اجتماعية سياسية ثقافية، وربما يكون الدليل الأفضل على ذلك ظاهراً في ممارسات التضييق على المدونين في العالم، وفي العالم العربي تحديداً، من الحظر إلى الاعتقال، قبل الثورات وأثناءها.
 
 ليست "ووردبرس" اليوم، ولا "بلوغر"، في حالة ناشطة عند العرب، وهذا ما يفسّر عدم إقدامها على دعم الكثير من تصميماتها (الثيمات) للغة العربية –أو لغات RTL- رغم الحاجة الفعلية الآن لثقافة التدوين بعيداً من أفكار مسلوقة تُطرح في الموقعَين الزرقاوين عينهما، وبعيداً من صحف قد لا تمنح مساحات من صفحاتها لمدوّنين شباب غير مكرّسين يحكون ما لديهم بكل حريّة.
 
ما نحتاجه اليوم، في زمن تحتاج فيه الثورات إلى استمراريتها في وجه الاستبداد الأمني كما في وجه الاستبداد الديني. ما نحتاجه اليوم هو فكرة تطمح إلى الاكتمال، تأخذ مساحتها كاملة على الشاشة. فكرة لا تهجس بعدد "اللايكات"، بل بمدى حريتها واكتمالها، عند مدوّنها على الأقل.