الفائزون بجوائز ابن بطوطة لأدب الرحلة 2020-2021

المدن - ثقافة
الثلاثاء   2020/12/29
أعلنت جائزة ابن بطوطة لادب الرحلة اسماء الفائزين بها لدورة 2020 -2021 وهم الباحث د.محمد عبده مسعد عياش(اليمن)، الكاتب ابراهيم الجبين(سوريا)، الباحث سلطان العميمي(الإمارات)، الباحث د.بوسيف واسطي(المغرب)، الباحث د.محمد المسعودي(المغرب)، الباحث د.ربيع عوادي(المغرب)، الباحث والمترجم د.عبد الكريم جرادات(الأردن)، الباحث والمترجم د.محمد عبد الغني(المغرب)، الشاعر والباحث د.شربل داغر(لبنان)، الروائية منصورة عز الدين(مصر).

لجنة التحكيم:
تشكلت لجنة التحكيم من الأساتذة: الطائع الحداوي، خلدون الشمعة، عبد الرحمن بسيسو، أحمد برقاوي، عواد علي (أعضاء)، الأستاذ مفيد نجم (منسقاً).

المخطوطات المشاركة في المسابقة
بلغ عدد المخطوطات المشاركة هذا العام 56 مخطوطاً جاءت من 10 بلدان عربية، توزعت على الرحلة المعاصرة، والمخطوطات المحققة، واليوميات، والرحلة المترجمة. وقد نُزِعَتْ أسماءُ المشاركين من المخطوطات قبل تسليمها لأعضاء لجنة التحكيم لدواعي السريّة وسلامة الأداء. وجرت تصفية أولى تم بموجبها استبعاد الأعمال التي لم تستجب للشروط العلمية المنصوص عليها بالنسبة إلى التحقيق، والدراسة، أو ما غاب عنها المستوى بالنسبة إلى الجائزة التي تمنحها الدارة للأعمال المعاصرة. وفي التصفية الثانية بلغ عدد المخطوطات 22 مخطوطاً. وفي التصفية النهائية، جاءت النتائج على النحو الآتي:

الأعمال الفائزة

الرحلة المحققة:

حديقة النظر وبهجة الفكر في عجائب السفر (سيرة الحبشة)
الحسن بن أحـمد بن صلاح اليوسفي الحيمي (1018- 1071هـ)، (القرن 17م)
حققها وقدم لها: د. محمد عبده مسعد عياش

***

الرحلة الأوروبية
من دمشق إلى روما، باریس، میونیخ
فیینا، بلغراد، بودابست، صوفیا، استانبول 1911- 1912
فخري البارودي
حققها وقدم لها: ابراهيم الجبين

***

الرحلة الشابورية
من ميناء عربستان إلى أبوظبي 1936
زين العابدين بن حسن باقر
حققها وقدم لها: سلطان العميمي

الدراسات:
الرحلةُ نَسَقُ أنساقٍ
مقاربات تاريخانية وإبستيمولوجية
د.بوسيف واسطي(المغرب)

***

صورة مصر في كتابات الرحالة المغاربة
د. ربيع عوادي(المغرب)

***

الرحلة ما بعد الكولونيالية في الأدب العربي المعاصر
د. محمد المسعودي(المغرب)

***

الرحلة المترجمة:
هدايةُ السبيل وكفايةُ الدليل
من إيران إلى روسيا وتركيا ومصر والحجاز والشام
مراد ميرزا "حسام السلطنة" (1818- 1883)
ترجمها عن الفارسية وقدم لها: د.عبد الكريم جرادات(الأردن)

***

خيول الريح المدهشة
على دراجة هوائية من استانبول إلى بكين 1894
توماس غاسكل آلن الابن، ووليم لويس ساكليبن
ترجمها وقدم لها: محمد عبد الغني(المغرب)

***

الرحلة المعاصرة (سندباد الجديد):
خطوات في شنغهاي
في معنى المسافة بين القاهرة والصين
منصورة عز الدين(مصر)

***

اليوميات:
الخروج من العائلة
شربل داغر(لبنان)

نشر الأعمال الفائزة
تصدر الأعمال الفائزة عن "دار السويدي" في سلاسل "ارتياد الآفاق" للرحلة المحققة والرحلة المعاصرة "سندباد الجديد" والرحلة المترجمة واليوميات، وذلك بالتعاون مع "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" في بيروت. أما الرحلة المترجمة والأعمال المنوه بها من قبل لجنة الجائزة من يوميات ورحلات فتنشر بالتعاون مع "دار المتوسط" في ميلانو. ومن المنتظر أن يقام حفل توزيع الجوائز في شهر مايو/ ايار المقبل، وسترافق توزيع الجوائز ندوة حول أدب الرحلة والأعمال الفائزة يشارك فيها إلى جانب الفائزين وأعضاء لجنة التحكيم نخبة من الدارسين.

هذه الدورة
الشاعر نوري الجراح مدير عام "المركز العربي للأدب الجغرافي" والمشرف على الجائزة استهل الحديث عن هذه الدورة بالإشارة إلى أن من بين خصوصيات هذه الدورة واختلافها عن سائر الدورات السابقة كونها جرى التحضير لها في ظل ظروف عربية وعالمية غير مسبوقة ألزمت البشر بالخضوع القسري لتغييرات كبيرة في نمط العيش، وطرائق التواصل انتقل معها العمل من المكاتب إلى البيوت في ظل حالة من التباعد لم يسبق للبشر أن اختبروها في العصر الحديث.

الأعمال المتسابقة هذا العام تميزت بوفرة المخطوطات التي تنتمي إلى فرع الدراسات وتعدد مستوياتها وموضوعاتها ومناهجها، إلى جانب اتساع نطاق الأعمال التي تنتمي إلى الرحلة المعاصرة، وهو ما حض لجنة التحكيم على اختيار أكثر من عمل في هذين الفرعين لنيل الجائزة. إلى جانب التنويه بأهمية عدد من المخطوطات التي تنتمي إلى غير فرع من فروع الجائزة لم يسعفها الحظ بالفوز، ولكنها تستحق النشر والتنويه بقيمتها، فأوصت اللجنة بإدراجها في عداد منشورات الجائزة.

ونوه الشاعر الجراح بالقيمة الاستثنائية لأولى الدراسات التي حازت على الجائزة هذا العام تحت عنوان "الرحلةُ نَسَقُ أنساقٍ: مقاربات تاريخانية وإبستيمولوجية" للباحث المغربي د. بوسيف واسطي واعتبرها عملا بحثيا ضخما، وغير مسبوق. وكذلك بالترجمة الرائعة التي قدمها د. عبد الكريم جرادات لـ"هدايةُ السبيل وكفايةُ الدليل" التي وضعها في الفارسية مراد ميرزا "حسام السلطنة" (1818- 1883)، فهي واحدة من أهم رحلات الحج التي وُضعت في العصر القاجاري ولها مسار طويل عابر لثلاث قارات. وأشار إلى فرادة أعمال التحقيق هذا العام، بدءاً بمخطوطة "حديقة النظر وبهجة الفكر في عجائب السفر" المشهورة بـ"سيرة الحبشة" للحسن بن أحـمد بن صلاح اليوسفي الحيمي (1018- 1071هـ)، (القرن 17م)، وحققها اليمني د. محمد عبده مسعد عياش، مروراً بالتحقيق القيم الذي قام به الكاتب الروائي والباحث ابراهيم الجبين المتمثل في "الرحلة الأوروبية" وهو عمل يستعيد الشخصية النهضوية السورية البارزة والزعيم الدمشقي فخري البارودي في رحلته من دمشق فباريس ثم ميونيخ وصوفيا واستانبول (1911- 1912)، وصولاً إلى "الرحلة الشابورية" وهو ثالث النصوص المحققة الفائزة وعبارة عن تحقيق لنص رحلي شعري وضعه الشاعر الكويتي زين العابدين بن حسن باقر يؤرخ فيه لرحلة قام بها من عربستان إلى أبو ظبي سنة 1936. ويكشف النص والدراسة عن وقائع وأحداث مهمة تنتمي إلى ما قبل قيام دولة الاتحاد. وإلى جانب هذه الأعمال هناك دراستان واحدة تتناول مصر في القرن التاسع عشر من خلال نصوص الرحالة المغاربة إلى مصر، والثانية تدرس الرحلة العربية المعاصرة من منظور ما بعد كولونيالي. وأخيراً وقائع رحلة إلى شانغهاي بقلم كاتبة من مصر، ويوميات شاعر وأديب لبناني يطوف على جملة واسعة من القضايا والتحولات التي عصفت بالحياة العربية عبر سيرة الذات.

ملحوظتان
وجاء في بيان الجائزة أن عدداً من الأعمال المتسابقة وصل بعد إقفال باب قبول الطلبات وقد أحيلت هذه الاعمال على الدورة القادمة. وأن باب قبول الطلبات للجائزة في دورة العام 2021- 2022 يعتبر مفتوحاً منذ إعلان هذا البيان.

أعمال المركز والأعمال المنوه بها من لجنة التحكيم
تبنت الجائزة هذا العام نشر أعمال حازت على تنويه لجنة التحكيم، وأخرى من خارج المسابقة تبنى المركز نشرها، للأساتذة:

قاسم وهب(سوريا)، د.عبد السلام الجعماطي(المغرب)، د.عبد النبي ذاكر(المغرب)، شوقي برنوصي(تونس)، حسّان الحَديثي(العراق)، الصدّيق حاج أحمد(السودان)، نورهان علام(مصر)، د.بوشعيب الساوري(المغرب).

الرحلة السورية في الحرب العمومية  1916
القس بطرس خويري
حققها وقدم لها: قاسم وهب (سوريا)

***

شعرية الرحلة
بوسيف واسطي
ترجمة وتقديم: عبد النبي ذاكر (المغرب)

***

أوديسة ابن بطوطة
ديفيد وينز
ترجمة عبد النبي ذاكر (المغرب)

***

الاستشراق الاسكندنافي
من خلال يوميات أسير سويدي وقنصل دنماركي في المغرب
1754- 1768
د. عبد السلام الجعماطي (المغرب)

***

رحلة غرقي واستعبادي
مع وصف الصحارى من السنغال إلى المغرب
1784م
بيار رايمون دو بريسون
ترجمة وتقديم: بوشعيب الساوري (المغرب)

***

رصيف دي غاما الأخير
شوقي برنوصي (تونس)

***

الطريقُ إلى القمر
تشريق وتغريب
حسّان الحَديثي (العراق)

***

في بلاد السافانا
النيجر– مالي– السودان
الصدّيق حاج أحمد (السودان)

***

في جزر المهراجا
نورهان علام (مصر)

***

أن تكون في هافانا
رحلة إلى كوبا
خالد عبد الحليم العبسي (اليمن) 

 



جولة في تعريف الرحلات

جائزة تحقيق الرحلات

 

حديقة النظر وبهجة الفكر في عجائب السفر (سيرة الحبشة)

 الحسن بن أحـمد بن صلاح اليوسفي الحيمي (1018- 1071هـ)، (القرن 17م)

الحسن بن أحـمد بن صلاح اليوسفي الحيمي

حققها وقدم لها: محمد عبده مسعد عياش

تُعدّ هذه الرحلة من أوائل الرحلات اليمنية المدونة، والتي اهتمت بها كتب التاريخ اليمني، فهي موجودة بتمامها أو مجتزأة في عدد من المظان اليمنية، لا سيما في «تحفة الأسماع والأبصار بما في السيرة المتوكلية من غرائب الأخبار» للمطهر بن محمد الجرموزي، ولم يفت  المستشرق الروسي أغناطيوس كراتشكوفسكي الاهتمام بها والحديث عنها في كتابه الضخم "تاريخ الأدب الجغرافي" الذي أرّخ فيه للأدب الجغرافي العربي منذ تبلوره وانطلاقه في القرنين الثامن والتاسع الميلاديين وحتى القرن السابع عشر.

أما هذه الرحلة فهي من بين أقدم الرحلات اليمينة، وتكتسب أهميتها لا من وجهتها الإفريقية وحسب، وإنما لما زخرت به من مادة جغرافية وتاريخية بالغة الأهمية.

الرّحلةُ الأوروبيّة

 من دمشق إلى روما، باريس، ميونيخ، فيينا، بلغراد، بودابست، صوفيا، استانبول 1912- 1911

فخري البارودي

حققها وقدّم لها: إبراهيم الجبين

تكتسب هذه اليوميات للزعيم الوطني فخري البارودي قيمة استثنائية كونها تعبّر في جوانب منها عن أحلام وتطلعات وأفكار شخصية نهضوية سورية ذات تطلع ليبرالي مبكر. فالرحلة إلى أوروبا كانت فرصة شخصية للبارودي الشاب ليمتحن أفكاره المدنية، ويجد لتطلعاته النهضوية نموذجاً متحققاً.

فما وجد عليه مجتمعه الشرقي من مراوحة في كوابيس الماضي، وكان لا يزال جزءاً من الإمبراطورية العثمانية المتداعية، اقترن في ذلك الوقت بأحلام الشباب السوري، وتطلعه للخلاص من ربقة تلك العطالة الحضارية التي أسّرت المجتمعات العربية وعزلتها عن ركب التطور الحضاري.

وقد استحق هذا العمل جائزة ابن بطوطة لتحقيق الرحلات.

 

الرحلة الشابورية

من عربستان إلى أبوظبي في أرجوزة رحلية 1936

زين العابدين بن حسن باقر  (ذو الرياستين الكويتي)

حققها وقدم لها: سلطان العميمي

هذه رحلة شاعر كُتبت نظماً، فزين العابدين حسن باقر، حسب المخطوطة التي اعتمدها محقق هذه الارجوزة/ الرحلة، هو "زين العابدين ذي الرياستين ابن حاج حسن باقر كويتي". ورد في ما يلي الاسم سنة المخطوطة، وهو: 1354 هـ.الموافق 1936 ميلادية. وكان شاعراً مشهوراً في بلده وعصره، وردت أخباره في العديد من المراجع والمظان الكويتية والخليجية، وكان يكتب الشعر باللغتين العربية والفارسية. وحسب ما أورد معجم شعراء الكويت فإن بداية الشاعر زين العابدين مع قرض الشعر كانت مبكرة، ويسوق المعجم تصريحاً للشاعر ساقه المحقق في دراسته: "فوفّقت بمرور الزمن وبفضل مطالعتي الكتب، حتى نظمت القصائد والفرائد على عناوين شتى في كل من التخميس والتضمين والترشيح والتشطير والتواريخ، وتكلمت بالعبارتين العربية الفارسية، وكان ابتدائي في الشعر قبل بلوغي أوان الحلم في سن الثانية عشرة من عمري".

وتكشف الدراسة الضافية التي وضعها المحقق عن أن زين العابدين هذا كان شاعراً جوالاً ورحّالة، يتكسب من الشعر وقد طاف بلاداً كثيرة جرياً وراء رزقه. أما أرجوزته هذه فقد نظمها على إثر رحلة ما بين الكويت وأبوظبي عبر بعض الجزر الإيرانية، وفي إمارة أبوظبي التقى بحاكمها الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان في عام 1936م، ومدحه بالأرجوزة التي هي موضوع التحقيق.

وللاعتبارات المتمثلة في فرادة النص وجودة التحقيق، وموضوعية المحقق وأمانته العلمية  استحق عن عمله هذا جائزة ابن بطوطة للرحلة المحققة.

 

جائزة الدراسات

 

الرحلةُ نَسَقُ أنساقٍ

مقاربات تاريخانية وإبستيمولوجية

زُبْرَة النَّصّ والعوالم المُمْكِنَة

د. بوسيف واسطي

ويعلّق الباحث على ما ذهب إليه الدارسون الذين "صَبّوا كامل جهدهم الجهيد في دراسة الرِّحْلَة باعتبارها وثيقة تاريخية أو جغرافية أو اجتماعية"، وهنا يضيف " بَيْدَ أننا نعتقد أن هذا الجنس الأدبي، متغير اللون كالحرباء وعصي المَسْكِ كالزئبق، يتناول أوتار المفعول التاريخي أو الجغرافي أو الاجتماعي ويلعب عليها...".. وما يأخذه الدارس على أصحاب تلك الكتابات أن بينهم "من زَعَم أن الرِّحْلَة وثيقة جغرافية، منكراً كتابتها انطلاقاً من معرفة الرَّحّالَة، وأسرف آخرون فرأوا أن الرِّحلة كلها نصٌّ تاريخيٌّ، أي تعبير أمين عن حقبة تاريخية يؤرخ لها الرَّحّالة حتى ولو تبيَّن أنها متخيَّلة، ناهيك عن الإفراط في الدراسات الانطباعية".

وقد نال الباحث عن هذه الدراسة جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة– فرع الدراسات.

 

الرحلة ما بعد الكولونيالية في الأدب العربي المعاصر

قضاياها وخصائصها الفنية

قراءة نصية ثقافية

د. محمد المسعودي (المغرب)

يدرس هذا الكتاب أدب الرحلة المعاصر من خلال يوميات الرحّالة من الأدباء العرب المعاصرين، وبينهم عدد ممن ظهرت نتاجاتهم عبر  مشروع "ارتياد الآفاق"  وحازوا على "جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة"، كلطفية الدليمي، في كتابها "مدني وأهوائي"، وخليل النعيمي في كتابه "الحج إلى هاري دوار"، وباسم فرات في رحلته اللاتينية، وكمال الرياحي في كتابه "واحد- صفر للقتيل" وآخرين. وتأتي هذه الدراسة، وهي قراءة نصية، من منظور جديد يرصد قضايا هذا الأدب وخصائصه الفنية وتحولات الرؤية إلى الآخر، ونظرة الرحّالة إلى ذاته من خلال هذه الرؤية  المتغيرة، بما في ذلك قراءته المستجدة للاختلاف الحضاري والتي تكشف لنا هذه الدراسة أنها ابتعدت كثيراً عما كانت عليه في نصوص الرحلة العربية إلى أوروبا في العصر الكولونيالي، خصوصاً لدى رحّالة القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وحتى الربع الأول من القرن الماضي. 

وتكشف الدراسة عن ظواهر وقضايا وإشكاليات إنسانية جديدة رافقت ظهور العولمة واتساع رقعتها، لتشمل العالم كله، وتجعل من نصوص الرحّالة الجدد، من ثم، متوناً للغوص على الذات، وتفجير أسئلتها الوجودية، بما يجعل الشعري يوشح تلك الأسئلة، وتحيل البحث في الآخر إلى بحث فلسفي وفكري أكثر منه إلى سعي معرفي، ما دامت العولمة قد كشفت كل بقعة من بقاع العالم مهما كانت صغيرة أو بعيدة، ولم يعد هناك من الجغرافيات والأقوام والظواهر ما يمكن أن يكتشف بالمعنيين الإثنوغرافي والانثروبولجي. وهو ما جعل الرحّالة يتحول إلى شاعر وفيلسوف وقارئ ظواهر جوّال أكثر تعقيداً وتركيباً.

قد استحق هذا البحث جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة– فرع الدراسات.

صورة مصر

في كتابات الرحالة المغاربة

خلال القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين

د. ربيع عوادي (المغرب)

لطالما شكلت علاقات المغرب بالمشرق مادة للباحثين العرب في حقول مختلفة، ويعتبر أدب الرحلة مصدراً ثراً ومتعدد المستويات لهذه العلاقة لما تركه الرحّالة المغاربة الذين توجهوا إلى المشرق ، في سياق مقصدهم لأداء فريضة الحج وزيارة الأماكن المقدسة، من يوميات هي بمثابة الكنز بالنسبة إلى الباحثين في تلك العلاقة.

تقف هذه الدراسة على التاريخ السياسي والاقتصادي والثقافي لمصر من خلال، وفي ضوء، يوميات الرحّالة المغاربة الذين شكلت مصر بالنسبة لهم محطة إجبارية، في سياق رحلاتهم إلى الحجاز، فلم يفوّت هؤلاء الرحّالة، على اختلاف انتماءاتهم الاجتماعية ومستوياتهم الثقافية ومرجعياتهم الفكرية، ومشاربهم الروحية الفرصة للتنقل في مصر والوصول إلى القاهرة لزيارة معالمها السياحية والعمرانية ولقاء علمائها وشخصياتها الثقافية والروحية، وقد دوّن هؤلاء في يومياتهم ما شرد وما ورد من أخبار وملاحظات ومشاهدات فكان بعضها مكروراً ومألوفاً وبعضها الآخر جديداً كل الجدة ومثيراً للقارئ والسامع في المغرب، وقد ساهمت هذه الكتابات إلى أبعد حد في تكوين صورة مصر والمشرق في المخيال المغربي.

بل إن كتب الرحلة المغربية حول المشرق تشكّل، من وجهة نظر صاحب هذه الدراسة القيمة، أهم مصدر لمعرفة التاريخ المصري ودراسته خلال الفترة الحديثة والمعاصرة، حيث تميزت بكثرتها عددياً وزخم المعلومات كمّاً ونوعاً، وقد استطاع الباحث أثناء دراسته للرحلات وصورة مصر إبراز الكثير من الجوانب في العلاقات بين دول المشرق بعضها ببعض، وعلاقات مصر بالإمبراطورية العثمانية والدول الأوروبية، وأخيراً علاقاتها السياسية مع المغرب التي دخلت عهداً جديداً. ولقد خلص الباحث إلى استنتاجات بالغة الأهمية تتعلق بالأجزاء التي تتشكّل منها الصورة الحضارية لمصر في الفترة التي ركزت عليها الدراسة.

وقد استحق الدارس عن بحثه هذا جائزة ابن بطوطة– فرع الدراسات.

 

جائزة الرحلة المعاصرة (سندباد الجديد)

 

خطوات في شنغهاي

في معنى المسافة بين القاهرة والصين

منصورة عز الدين (مصر)

"أعرف أن هناك مدنًا تقهر المخيلة، تستنزفها وتحوِّلها إلى خرقة، ومدنًا أخرى تثريها وتشحذها لدرجة تحيلها إلى سيفٍ مسنون." بهذه الكلمات تفتتح الكاتبة يوميات رحلتها من مصر إلى شنغهاي، وهي يوميات تنزع إلى التعبير عن هموم الذات الكاتبة، فنحن هنا بإزاء كاتبة تدون أخبار ووقائع جولاتها الصينية خلال رحلة إقامة أدبية. ومن ثم فإن اهتمامات الكاتبة وأخبار إقامتتها الأدبية وحركتها اليومية في مدار ثقافي وفضاء أدبي، إنما تقف غالباً وراء ما رأته عينها وما دونته من مشاهداتها خلال الرحلة سفراً وإقامةً وتجوالاً. إنها رحلة ثقافية، ستتردد بين سطورها أسماء كاتبات وكتّاب صينيين ومن العالم، ولسوف نشعر أننا نسافر مع الكاتبة وهمومها، أكثر مما نسافر لنتعرف على المدن والقرى والبلدات، أو على الوجوه والملابس وألوان الطعام، أو على المواصلات والمباني والمتنزهات، أو على العادات والتقاليد والأخلاق، أو الميول التي تطبع الصينيين من أهل الجهات التي حلت الكاتبة بين ظهرانيهم.

سنتعرف على انفعال بالمكان لربما كان سبباً في مطلع فصل روائي ستكتبه الكاتبة، أو نقف على منظر من شرفة في فندق يذكّر الكاتبة بفندق في بلد آخر سبق أن حلت فيه، وكان ما رأته هناك في ساعة من الزمن، وترك فيها انطباعاً مؤثراً سبباً في مفتتح رواية سبق للكاتبة أن دونته، وها هي الآن في أعماق آسيا تستعيد ذكرى ذلك المكان الأوروبي بحنين الكاتبة إلى كتابتها.

 وبينما هي تحل في شنغهاي تتساءل "فيمَ كنت آمل وأنا ألقي بمرساتي في مياه شنغهاي؟! ربما كنت أبحث عن سكينة مفقودة، فرصة لاكتساب خبرات جديدة والاقتراب من ثقافة لطالما أحببتها من بعيد، عبر القراءة عنها، دون معايشتها فعلًا." لكن الكاتبة  لا تني تعترف بطبيعة احتياجها من السفر بعيداً "تمنيتُ طبعًا أن تتاح لي إمكانية الكتابة بذهنٍ صافٍ بعيدًا عن متطلبات الحياة اليومية والعائلة والعمل الصحفي في مدينتي الأم، غير أنني كنت سأرضى، من هذه المدينة الثرية، بفتات الكتابة، شرط أن تسمح لي باقترابٍ فعلي منها". ولكن أي اقتراب يمكن أن يتاح لمن كتبت في مفتتح سطور يومياتها في شنغهاي "ذهبت إلى هناك مثقلة برواسب مدن أخرى، تركت آثارها بداخلي، ووشم بعضها ذاكرتي. مدن عديدة تتوزع شرقًا وغرباً رافقتني، غير أنني كنتُ مسكونةً بالقاهرة وميونيخ على وجه التحديد.". الأولى لأنها مدينتها، والثانية كونها أول مدينة أوروبية تزورها في رحلة ثقافية.

وقد نالت الكاتبة عن يومياتها هذه جائزة ابن بطوطة- فرع الرحلة المعاصرة.

 

جائزة اليوميات

 

الخروج من العائلة

شربل داغر (لبنان)

 تبدو يوميات شربل داغر عن شخصه وأشيائه المبكرة والمتأخرة، عن منبته ومشاربه ورحلته الشعرية والأدبية الممتدة على مدار أربعة عقود ونيف صفحات رائقة وطريفة وذكية معاً لسيرة شخصية ثرة كتبت بلغة مكثفة وسلسلة، ونقلت لنا ببراعة صوراً واقعيةً، صادقةً، حارةً، ليس فيها من التأليف بمقدار مافيها من التذكر والاستعادة لما لا شبهة في حقيقيته. والأكثر من ذلك فإن المرء بينما هو يسافر مع سطور هذه السيرة يصيبه شعور بأن صاحبها يكتب عن نفسه كمن يكتب عن شخص آخر، فلا يوفر نفسه من تلك الإشارات الناقدة، ولا من الملاحظات الفكهة، التي لا تبقي لك شكاً في "آدمية" الكاتب و"بشريته"!

وقد حازت هذه اليوميات جائزة ابن بطوطة- فرع أدب اليوميات.

 

 

جائزة الرحلة المترجمة:

هدايةُ السبيل وكفايةُ الدليل

من إيران إلى روسيا وتركيا ومصر والحجاز والشام

مراد ميرزا "حسام السلطنة" (1818- 1883)

ترجمها عن الفارسية وقدم لها: د. عبد الكريم جرادات (الأردن)

تعتبر هذه الرحلة واحدة من أهم رحلات الحج المكتوبة باللغة الفارسية، ليس فقط للمكانة التي يتمتع بها صاحبها بوصفه من بين أشهر الأمراء القاجاريين، فهو عم الملك ناصر الدين شاه وشخصية سياسية بارزة وواسعة النفوذ من شخصيات العصر القاجاري، ولكن أيضا لكونها رحلة ذات مسار طويل عبر قارات ثلاث وسفر في البر والبحر وعبر الممالك، من إيران إلى روسيا فتركيا ومصر والحجاز فالشام، واستُقبل خلال رحلته من قبل السلاطين والملوك والحكام ورجالات الدول بحفاوة كبيرة، وأقيمت له المآدب، ومُنح الأوسمة، وجرى استقباله وتوديعه بمراسيم رسمية واحتفاء شعبي. ولا غرو في ذلك فقد كان حسام السلطنة الشخصية الثانية بعد السلطان القاجاري. وقبل قيامه بهذه الرحلة إلى الحج، والتي استمرت أكثر من تسعة شهور ما بين 6 آب (أغسطس) 1880، و23 أيار (مايو) 1881، فإن صاحب هذه اليوميات سبق له أن رافق الملك ناصر الدين شاه في رحلته الأولى إلى أوروبا سنة 1873.

على أن هذه الرحلة هي أكثر من رحلة إلى الحج، فالمحطات التي توقف فيها الرحّالة، واللقاءات التي أجراها مع الملوك والحكام باسم الحكم القاجاري، والصور التي نقلها والسطور التي دونها في وصف المدن والناس والأحوال، إنما تجعل منها صفحات بالغة الأهمية عن زمنها.

من المعروف أن أغلب رجالات البلاط القاجاري ممن كتبوا رحلاتهم في أواخر القرن التاسع عشر لم يكلفوا أنفسهم عناء تدوين وقائع رحلاتهم، وما حفلت به من أخبار ومشاهدات وخواطر فقد "كان كل واحد منهم يصطحب معه كاتباً ليكتب ما يملي عليه صاحب الرحلة"، ولم يشذ صاحب هذه اليوميات عن هذا التقليد فقد استصحب معه الكاتب ميرزا رضا فـ"كان ملازمًا لركاب حسام السلطنة، وكان يخط على عجل ما يمليه عليه سمو الأمير يوماً بيوم".

وإذا كان "الطابع العام لجُلّ الرحلات التي قام بها الشاه ورجالات حاشيته مرتبطة بالمرح، واحتساء القهوة، وتدخين النرجيلة، وتبادل المجاملات مع الآخرين"، فإن يوميات حسام السلطنة احتوت على ما هو أكثر قليلاً من ذلك من حيث أنها حفلت بمعلومات أخرى قيّمة.


من استانبول إلى بكين على دراجة هوائية

رحلة طالبين أمبركيين من تركيا إلى الصين 1894

توماس غاسكل آلن الابن ووليم لويس ساكليبن

ترجمة وتقديم: محمد عبد الغني (المغرب)

هذا كتاب يوميات رحلة على دراجة هوائية من استانبول إلى بكين في العقد الأخير من القرن التاسع عشر، عندما كانت الدراجة الهوائية ما تزال مجهولةً من أغلب المجتمعات في العالم. فبعد يوم من تخرج الطالبين الصديقين من جامعة واشنطن في سانت لويس بولاية ميزوري، قادا دراجتيهما إلى نيويورك، ومن هناك أقلعا بالباخرة إلى ليفربول وحلا فيها في 23 يونيو 1890. ولم يكن في عزمهما أن يطوفا العالم على دراجة هوائية، ولكن الفكرة تبلورت في رأسيهما في المدينة البحرية الإنكليزية، مستلهمين رحلة مغامر إنكليزي يدعى توماس ستيڤنس (1854ـ 1935) قضى في طوافه في العالم قرابة ثلاث سنوات (أبريل 1884ـ ديسمبر 1886). وهكذا انطلق المغامران الأميركيان بعدما اقتنيا دراجتين خفيفتين، من ليڤرپول في يونيو 1890، فنورماندي ومن هناك وصولاً إلى مرسيليا فالريڤييرا الفرنسية فإيطاليا، ثم كورفو وجزر أخرى في اليونان، ثم عبرا خليج كورينثي إلى أثينا، حيث قضيا شتاء سنة 1891، وفي أبريل بلغا استامبول في باخرة. ومن هناك، من على ضفاف البوسفور سوف تبدأ المغامرة الكبرى التي ستحملهما على دخول الصين عبر صحراء منغوليا، على طريق الحرير الذي عبره ماركو بولو في القرون الوسطى، وذلك من دون دليل محلي، ومن ثم العودة من هناك إلى نيويورك وقد أمضيا في ترحالهما ثلاث سنوات وبضعة شهور، وقطعا 15044 ميلًا بالدراجة، وهي أطول رحلة برية متصلة قُطعت يوماً، لا سيما على دراجة هوائية.

تروي هذه اليوميات أخباراً وتسوق وقائع وأحداثاً وقعت للرحّالتين، أو كانا شاهدين عليها في الديار العثمانية واليونان وبلاد فارس وأرض المغول وصولاً حتى سور الصين العظيم. ومن ثم فإن اليوميات حافلة بالمعلومات عن شعوب وقبائل آسيوية شتى، وبصور قلمية بعضها طريف وبعضها الآخر يعكس ما داخل المسافرين من توجس أو خوف جراء تجارب لم يسبق لصاحبي اليوميات الشابين أن اختبرا مثيلاً لها. على أن هذه اليوميات لا تغادر واقعيتها، فهي تحفل بصور من الحياة اليومية، من خلال إقامة الرحّالتين "في الخيام مع القبائل"، والمبيت "في مخازن الغلال، وفي العراء، ومع الكهنة الرحّل"، أما الكلام على الحريم الشرقي، وهي الفكرة الفاتنة التي طالما تطلبتها مخيلات الغربيين، فإن هذه اليوميات تبدو محبطةً لمثل هذا الغرض، فليس ثمة في سطور هذه اليوميات أي ضرب من ضروب الخيال الذي نطالعه عادةً في كتابات رحّالة القرن التاسع عشر الغربين الذين زاروا الشرق وعملوا على فبركة صور لا صلة لها بالواقع، إرضاءً لمخيلات عطشى، لقرّاء ينتظرون أن ينقل لهم المسافر صوراً عجائبيةً عن شرق عجائبي.

وينبهنا المترجم في مقدمته إلى أن الكاتبين لم يهملا تناول شيء من العلاقات السياسية المتفاعلة حيناً، والمتعارضة حيناً آخر، في ما بين "الإمبراطوريات" الأربع التي مرّا في أراضيها فضلاً عما ساقا من أخبار شائعة عن ذلك التنافر الدائم بين السلطان والقيصر، وتلك المهادنة من الشاه للقيصر، وما شهده الماضي من صراعات بين العثمانيين والفرس، والعثمانيين ورعاياهم من الكرد الموصوفين بكونهم شديدي المراس، فضلاً عما كان يدور من صراع بين الصين من جهة وروسيا وإنجلترا واليابان من جهة أخرى.

تجدر الإشارة إلى ان الرحّالتين التقطا خلال سنوات ترحالهما ما يزيد على ألفين وخمسمائة صورة نشرا بعضها في الكتاب.