ميموزا عراوي لـ"المدن": "نوارة" الزئبقية مهداة إلى اللغة العربية

محمد حجيري
الإثنين   2019/04/15
أحب أن أرى كتابي عابراً للأنواع الأدبية
أصدرت الفنانة والكاتبة ميموزا عراوي كتابها "نوارة" عن دار رمال، وهو مزيج من القصة الخيالية والرواية البصرية، يجمع الكتابة مع الفن التشكيلي، الألوان مع الكلمات، الفاتنازيا مع الواقع... وكان لـ"المدن" معها هذا الحوار...
- من هي نوّارة؟

* إنه سؤال تطرحه على ذاتها بطلة الرواية، سؤال بِرَهن اجابة القارىء، وكل له إجابته الخاصة، وربما لا إجابة وافية على الإطلاق. أما بالنسبة إلي، فهي مزيج من شخصيات وأفكار عديدة. هي بداية ومن الناحية المُباشرة الأم، والابنة، والحبيبة والعشيقة الغيورة. وهي أيضاً من الناحية الرمزية أو غير المباشرة، "ابنة الصحراء" و"وريثة الشاطىء"و"سيدة القطن الملون" و"منارة الصحراء" و"أمّ النشيد العربي". وأخيراً وليس آخراً، هي ترمز إلى اللغة العربية، وبالتحديد إلى نجاتها ونجاة الثقافة المنبثقة عنها من تيار العولمة والمعاصرة.

إنها رحلة عاطفية تقوم بها أنثى بعمر المراهقة والنضوج في الآن ذاته. تملك قدرات سحرية وأصدقاء يحيطون بها، أهمهم الجمل "غيّوم"، الذي هو أيضا غيمة، وهو ذاته النورس الذي يرافقها في رحلتها إلى البحر، وهو أيضا قائد الهودج الذي نقلها إلى الواحة "أروى". وهناك أيضاً الهدهد "هادي"، الطائر والعاشق الأرعن، وهو "رسّام الحناء" و"الشاعر المغفورة أكاذيبه" والصبي الذي ينسى، و"صياد الحلم" وهو "رند" بطل الحكاية وسيد القصر الموشى بالصدف وأمير البحر المسحور.

- في أي جنس أدبي تصنفين كتابك؟

* من الصعب تحديد إلى أي جنس ينتسب، فهو شعر ونثر، وهو لليافعين، لكنه أيضاً للراشدين. أما قالبه فينحو إلى السحري/الخرافي غير الساذج، وغير الموجه إلى الأطفال البتة، اذ تُطرح فيه قضايا نفسية واجتماعية وفلسفية وعروبية وسياسية. أحب أن أراه عابراً للأنواع الأدبية، تماماً كما هي نوارة "الزئبقية" التي، لا يمكن الإمساك بها في صفة واحدة من دون أن يرافق تلك الصفة نقيضها أو مُتممها. لذلك لم تظهر نوارة في اللوحات. وقد ارتأت مخرجة الكتاب، ان تُمثَّل نوارة بخط ذهبي يخترق صفحات الرواية كلها. إنه خط نوارة، وهو خط حياتها، والحياة بشكل عام. فهل يمكن أن تُحدد إلى أي شكل وجود تنتمي نوارة؟ لا. لتبقى كذلك مُمتنعة على تصنيف واحد. 

- ما تأثير أدب الأطفال في كتابك؟

* لا أعرف إن كان هناك تأثير، إلا من ناحية بث الحياة في الجماد، وجعل الكائنات كلها ناطقة، وربما هي كذلك في الواقع، لكننا لا نفقه نطقها؟ أما الباقي، فلا علاقة له بأدب الأطفال الذي يتميز بخصائص مختلفة جداً، ومنها محاولة تلقين دروس في الأخلاق، وهي أبعد ما تكون عن عالم نوارة وشخصها. نوارة تحدّت عالمها ومخاوفها وما سمعته من أقوال، كما تحدت أوجاعها من العطش إلى الجراح النازفة، لتنطلق في رحلة لا يحكمها إلا حدس مدموغ بالقدرية.



- كيف كان التوازي في الكتاب بين الخط البصري والخط الكتابي؟

* كان أكثر من توازٍ. انه تداخل. لم يكن سهلاً أبداً. واستغرق العمل على الكتاب، تقنياً وفنياً فقط، وليس كتابياً، حوالى 8 سنوات مُرهقة ورائعة في الوقت نفسه. 
نسيج واحد يحكم قراءة رواية "نوارة" البصرية جداً. حين يتوقف الكلام، تحل مكانه البصريات، من لوحات فنية وصور فوتوغرافية لي، وخطوط غرافيكية من إبداع المخرجة مايدة فريجة مقدسي التي تولت قيادة مجموعة موهوبة وصبورة جداً من الفنانين الناشئين في مسيرة تحويل المشاعر والمحطات الغزيرة في الرواية إلى أشكال بصرية، بعد دراسة حثيثة ومطولة في تاريخ الأشكال والزخارف وانتسابها إلى خمس دول، هي لبنان وفلسطين وسوريا والإردن والعراق. رافق إطلاق الكتاب، فيلم تحريكي قصير، مستوحى من أجواء الرواية التي كُتبت بمنطق بصري ينتمي كثيراً إلى عالم السينما. وربما يُكتب لـ"نوارة" أن تصبح فيلماً فانتازياً يوما ما. لا أحد يعلم ماذا سيحدث مستقبلاً.

- هل كان سياق العمل على الرواية سهلاً؟

* أستطيع الآن أن قول بصراحة إن رواية "نوارة" كلفتني الكثير من الجهد والعمل، واستفزت قوتي حتى اليوم على تحمل المصاعب المادية والوعود الكاذبة وتلكؤ العديد ممن أرادوا تبني العمل، عن المُشاركة في إخراج "نوارة" إلى النور بالشكل الذي يليق بها. لكنها في النهاية ولدت كما شئت، من دون أي مساومة على النوعية، وليس في أي شكل آخر أرادته دور نشر عديدة، والتي لم يكن ما اقترحته عليّ إلا صعلكة العمل، الذي بني على شكل طبقات متراكمة وبزخم وشغف لا تقشف يحكم قوانينه. فمثلاً، طلبت مني إحدى الدور ان تحول "نوارة" إلى اللغة المحكية، ما يتنافى مع رؤية "نوارة". ودار أخرى أرادت أن تجعله كتاباً مصوراً، أي "كوميكس"، ما يحد من انعتاق الآفاق الذي أرادته "نوارة".

أود ان أذكر أيضاً، مع الأسف، أن كثيرين شجعوني على إطلاق الكتاب باللغة الإنكليزية أو الفرنسية، على اعتبار أنه "لا أحد يقرأ بالعربي"، وأن "الجمهور العربي لا يعترف بأي مُنتج إلا اذا جاء من الغرب أولاً". لكني رفضت ذلك، مع علمي أن الرواية قد يُحكم عليها بالإعدام مسبقاً، لأنها باللغة العربية وأصلية وليست مُترجمة. أما الأسباب التي دفعتني إلى الرفض فهي أنها أولاً، كما هو مكتوب في الصفحة الأولى من الرواية "مهداة إلى اللغة العربية"، وأن تظهر في المرة الأولى بلغة غير العربية هو نوع من الخبث الذي أرفضه رفضاً قاطعاً. ثانياً، أن "نوارة"، بطلة الرواية، تتحدث، رغم الأمل الذي يعصف بها، عن الهوان العربي والتقهقر الذي أصابه. فهل أشارك "أعداء" نوارة في حربهم عليها؟ طبعاً لا.


أما بالنسبة إلى الترجمة، فقد تُرجمت الرواية قبل العمل على الجانب البصري لها. وقامت بترجمتها رلى بعلبكي، التي قبضت على روح الرواية المُشبعة بروح عربية. تماماً كما استطاعت مخرجة الكتاب، صاحبة العينين الملتمعتين، مايدة فريجي مقدسي، بالشغف الذي تملكه، أن تخرج الرواية إلى الوجود.

أما كيف ولدت شبكة التعامل مع الأفراد الذين انهمكوا في إنتاج "نوارة"، فذلك له قصص خاصة تستحق أن تُسرد يوماً. كيف لا، وكل ما يحيط بهذه الرواية، من لحظة البدء في كتابتها، سحر بسِحر؟ ورواية "نوارة" هي حصيلة شغف، جمَعَ كل من انهمك في إخراجها إلى عالم عربي معاصر، غير الذي نشهده، ونستحق أن نعيشه ونفتخر به.