شيخ وضابط وحريتنا المهددة

روجيه عوطة
الخميس   2018/08/30
تشييع محمد الدهيبي(عن الانترنت)
إلى الخبر عن توقيف رئيس مكتب مكافحة جرائم الآداب، جوني حداد، جراء إدراته لشبكة إتجار بعاملات الجنس، من الممكن إضافة الخبر الذي سبقه حول قتل الشيخ المعمم خالد الدهيبي للمواطن محمد، وهو يحمل اسم العائلة نفسها، منتزعاً قلبه بالساطور، بسبب قوله "حِلّ عن ربي". ولا تبغي إضافة الخبرين إلى بعضهما البعض الترداد بأن "فضائحنا تتراكم" من يوم إلى ثانٍ، وهذا دقيق، مع أن المتراكم ليس الفضيحة بل سفور القانون. ولا الغاية القول أن "سقوطنا لا يتوقف"، وهذا صحيح، مع أن السقوط هنا ليس نزولاً من عل، بل انقضاضاً في المكان نفسه. فما تبغيه الإضافة هو الإشارة إلى صلة الخبرين من ناحية محددة، ولا بد من التخيل القليل لإيضاحها.

فإذا علم الشيخ الدهيبي، قاتل محمد، أن حداد متهم بجريمته التي كان من المفترض أن يكافحها، سيستغفر الله قبل أن يتحدث في سره أو في العلن عن كون حداد من "أهل الفسق والفجور"، داعياً، وفي سره أو في العلن أيضاً، إلى مقاصصته، ومشدداً على إعتماد طريقة من الطرائق الفيزيقية في مقاصصته. بالتالي، يجد الشيخ في جريمة حداد، برهاناً على أن دعوته في محلها، وأن تحقيقها أمر عاجل. ولهذا، لزام الإستناد إلى تحقيق سريع وموعظ وحاسم، لا يكفله سوى العنف، الذي يبين مصير "الفاسق والفاجر"، والذي يجعل هذا المصير مرادفاً لمصير لكل "مَن لا يخاف الله".

على أن حداد يمثل الدولة. لكنه، بفعلته، يغدو مناقضاً لهذا التمثيل ومطيحاً به. "الفاسق والفاجر"، ولأنه "لا يخاف الله"، إحدى علامات وضعه هذا أنه لا يلتزم بموقعه كسلطةٍ تحاكم مخالفها، بل أنها تتحول إليه. وهكذا أيضاً، فالشيخ، وبدعوته إلى مقاصصة حداد، يعيد الاعتبار إلى تلك السلطة، وقبلها، إلى ناظمتها، أي الدولة، بحيث يحذو حذوها في العقاب، لكن مباشرةً، ومن دون أن يسلك عقابها سبلاً إجرائية. فالشيخ يصون الدولة بالعنف اتجاه حداد، ويصون مثالها الأعلى الذي كان يتوجب على حداد أن يخافه، إلا أنه "فسق وفجر" ولم يفعل.

الناحية التي تصل بين الخبرين، وبالإنطلاق من التخيل المذكور، هي كون الشيخ، وحين يقتل ويقاصص، يريد أن يعالج عطباً، خلَّفه حداد بـ"فسقه وفجوره"، وهو أنه لم يمثل دولته، لم يخَف مثالها. لم يكن سلطتهما، ولهذا يكونهما الشيخ. طبعاً، بعد أن يجعلها جهازاً ينتقم ممن يسيء إلى دولتها ومثالها، بعد أن يكشفها على جهازها هذا. بطريقة أخرى، الشيخ يريد أن يكون الدولة في حين انهيارها. لكنه لا يأخذ محلها إلا باستنتاجها، باستنتاج طقسها العنفي، وإبرامه.

لقد حول حداد الدولة إلى مخالفها. أما الشيخ، ولكي يعيدها إلى أساسها، فقد حولها إلى صميمها. الأول يؤدي إلى الثاني، والثاني يكرس الأول. وبذلك، كلما أضحت الدولة دولة "شي موريس"، ستنتج شيخها، الذي سيعقد النية على إرجاعها إلى مثالها من خلال نفي كل "مَن لا يخافه" و"يكفر" به. الدولة الملوثة تولد الدولة المطهرة، وبينهما ما هو فعلاً خطير للغاية. ثمة حرية، وهي حريتنا جميعاً، المهددة بالإقتلاع، بالقضاء عليها. فبعد كل خبر مثل خبر حداد، هناك من يتمنى، كما كتب أحد نواب الأمة، انشاء "حكم ديكتاتوري" في البلد لكي ينهي "فسادها". وطبعاً، الشيخ الذي قتل محمد الدهيبي، يريد أن يكون هذا الديكتاتور. وبعد كل خبر مثل خبر الشيخ، هناك من يتمنى الحكم نفسه، فيكون حداد إقراراً وحامياً له. وذلك، في حين يمضي ممثلا "الحُكمين" معاً إلى البطش بكل ما يعارضهما، البطش بمن يعارض الإنهيار، والبطش بمن يعارض توهم توقيفه، يعني البطش بمن لا يخضع بالكامل للأمر الواقع. فدولة "شي موريس" مرتع التجارة بالبشر ومرتع إتلافهم!