الإثنين 2016/04/04

آخر تحديث: 15:15 (بيروت)

طبيب معتقل جونيه

الإثنين 2016/04/04
طبيب معتقل جونيه
بكل برودة، كان الطبيب ينزع الأجنة من أجساد المعتقلات
increase حجم الخط decrease
ما أن تجر الفتاة من سوريا الى معتقل جونيه، أي مهاجع مشروع "شي موريس" و"مربع سيلفر"، حتى يجري تعذيبها وإكراهها على تسليم جسدها والاستسلام به للزبون وقبله لرأس استغلالها، عمار ر، وهو واحد من رؤوس شركة إخضاع النساء والإتجار بهن، إلى جانب كل من موريس ج. وعلي ح.ز وإيلي أ. وغيرهم. وكان على الفتاة المسجونة أن تظل في قيد إذلالها من الساعة الثالثة بعد الظهر حتى الساعة السادسة صباحاً، وعندما ينتهي دوامها، تُربط وتُجلد، وفي بعض الأوقات، تُصلب، أو يُقطع لسانها، أو يُحرق جلدها، وذلك، بغاية معاقبتها على عدم التزامها بـ"قوانين" المعتقل "الصارمة".

وبما أن سجنها، والاستثمار في جسدها، يعرضها للحمل، فما كانت تبارح حبسها سوى إلى عيادات الأطباء، وخصوصاً عيادة الدكتور رياض ب.ع، الذي أشارت الأخبار إلى مسؤوليته عن مئتي عملية إجهاض، نفّذها، وعلى طول أربع سنوات، بحق معتقلات جونيه، وذلك، بمساعدة ممرضته. إلا أن هذا الطبيب لا يزال طليق العمل والكلام، مثلما أنه أطل في مقابلة على شاشة "أل.بي.سي" نافياً التهمة عنه.

على أن الاستماع إلى طبيب المعتقل ينبّه إلى أنه عندما يبعد الشبهة عنه سرعان ما يقربها منه ويقع فيها، بحيث أن نبرته حيال استفهامات ندى أندراوس عزيز تنطوي على النكران المرفق بالتصلف. فالطبيب يتحدث كما لو أنه غير مدرك فظاعة ما ارتكبت يداه ومشارطه وآلاته وأدويته، إذ كان، بحسبه، يؤدي مهنته فقط لا غير، وذلك، بدون أي تدخل في شؤون هذه "المريضة" أو تلك، وهذا، على الرغم من كون شؤونهن غالباً ما تظهر بقسوتها وفظاظتها على ملامحن وجلودهن. لكن، الطبيب لا يهمه ما يبدو عليهن من علامات غير العلامات التي تجعله يقوم بدوره حيال أجسادهن وفيها، ومفاده ارجاعهن إلى المعتقل مثلما كنّ، أي إعادة ترويضهن على أساس الأوضاع السابقة على حملهن بخروجهن من حجرات القتل المولج لهن.

بكل برودة، كان الطبيب ينزع الأجنة من أجساد المعتقلات، متعاملاً مع أرحامهن كأنها منشأ "المرض"، الذي يعني، هنا، أي جسم قد ينتج التوقف عن استغلالهن. بكل فتور، كان يوزع على تلك الأجساد حبوبه وعقاقيره كي ينهيها عن رغبتها، ولو كانت مؤلفة من جرح والتهاب ونزيف، في التخلص من شقائها. فعلى الأجساد، بالنسبة إليه وإلى أصحاب المعتقل، أن تكون ملذ الزبائن، ولذلك، لا بد من احكام القبض على أعضائها، استئصال نزوعها الى النجاة من الألم الدائم، لكي تستمر عنوةً في انتاج متع غيرها.

فوّض القيمون على معتقل جونيه الطبيب بالتحكيم في الصراع بين جسد السجينة وقابليته للحياة، بالتالي، فصل بين الجسد من جهة، وميله إلى مغادرة خصوعه التام من جهة أخرى، أعاد ترتيب الأول كموضوع للشهوة، وأهلك الثاني كداء. على هذا النحو، أعطى معنى آخر لمهنته: إجتثاث علة الحياة من الجسد. إلا أن هذا المعنى يتعدى الإجتثاث إلى عملية أخطر بكثير، ففي إثر إجبار الجسد على التحول إلى ملذ ثابت، ونتيجة حبسه في وظيفته الجنسية الخالصة، يصبح ممنوعاً من تصريف حيويته، من مبارحة جموده العنيف، ولهذا السبب، يضحى الموت مفره الوحيد، مخرجه الى قدرته.

كان الطبيب يدخل أدواته في أجساد المعتقلات أو يجرّعها أدويته، لم يكن يعيق هربها إلى الحياة فحسب، بل كان يدفعها إلى الموت كسبيل أخير لها، سبيل، كانت حين تصل بأمراضها اليه، يحرمها منه. معنى آخر لمهنة جعل الموت منفذ الجسد، ثم سدّ هذا المنفذ، فيمتلئ الجسد بموته، بحبسه، وإما، ينتحر، أو يُقتل. لقد حظي الطبيب بموقعه في دورة الاعتقال، موقع يخوله أن يمنع الأجساد عن موتها، لا كي تحيا، بل كي تبقى أسيرة معتقليها، باعتبارها مصدر مالهم، وأسيرة زبائنهم، باعتبارها مصدر لذتهم.

في تصريحه المتسلط بإنكاره لقناة "أل.بي.سي"، قال الطبيب أن شريكه، عماد ر، لم يكن يصطحب المعتقلات إلى عيادته واحدةً واحدة، بل يأتي بهن مجموعات. وهو كان ينظر إليهن على المنوال نفسه، كما لو أنه يطبب قطيعاً من البهائم: "طلعي لشوف، أعطيها دوا، إنتي شو بكي، اعملها صورة، رحم نظيف". فنظرة الطبيب إلى المعتقلات هي نظرة استهانة، ومردها، أنه يحتكر وسائل شفائهن، مثلما أنه لا يجد بين أجسادهن أي إختلاف، بل إنه "يعالجها" جميعها دفعةً واحدة، بالطريقة ذاتها: ينظر إليها، يلغيها، فيحضر فوقها، ويمنعها من مرضها ومن سلامتها، قبل أن يردها إلى سجنها.

يا لعار المهنة التي يمارسها طبيب ينظر إلى الأجساد كي يفحص صحة معتقلها، يا لعار نقابته التي تنظر كي لا ترى، فتنتظر التحقيق معه!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها