الثلاثاء 2016/04/26

آخر تحديث: 20:30 (بيروت)

العفو التلفزيوني عن جلاد معتقل جونيه

الثلاثاء 2016/04/26
العفو التلفزيوني عن جلاد معتقل جونيه
أسقط الريحاوي حجة "المعلومات" التي ارتكز معلوف عليها
increase حجم الخط decrease
هل تذكرون سجّان معتقل جونيه، المدعو عماد الريحاوي؟ ليل الإثنين، ومع أنه "متوارٍ" عن أنظار القضاء، ظهر أمام الكاميرا في برنامج "حكي جالس"، متكلماً عن دوره في شبكة فندقي "شي موريس" و"سيلفر" للإتجار بالنساء، وإجبارهن، عبر الاحتجاز والتعذيب والتنكيل، على ممارسة الجنس. لكن، قبل إطلالة الريحاوي، وتمهيداً لها، قالت "أل.بي.سي" في إعلانها عن ظهوره، وبأسلوب "تشويقي" ماكر، إنه "سيقلب الطاولة على الجميع".

وبالفعل، ما إن أعطاه جو معلوف، حصةً من الهواء، حتى شقلب "الحكي"، الذي لم يعد "جالساً"، بل صار صوت الجلاد وصورته، بحيث وجد في العدسة أمامه باباً لتحويل الوقائع، التي شارك فيها، إلى روايات، لم يحضر داخلها. وحول الحقائق، التي دمغت أجساد النساء وجلودهن، إلى تهم مرمية عليه. تالياً، وعلى طول مقابلته، دحض مسؤوليته عن إستقرار سجن المعاملتين ودوامه، ناطقاً بنبرة المغلوب على أمره، ومؤدياً مشهد الواثق من برائته.

شدد جو معلوف على أنه لم يتح وقته التلفزيوني للريحاوي من أجل "الدفاع عنه"، بل من أجل "الحصول على معلومات منه"، خصوصاً حول أسماء الأمنيين والسياسيين المتورطين في تشغيل المعتقل. فات الإعلامي بأن فقرته "الإستقصائية" تلك لم تزوده بأي معلومة "جديدة"، بل زودته بسردية الجلاد، الذي إدعى خلالها أنه "موظف" نزيه وغير مجرم. مع ذلك، لم يكتفِ معلوف بعرضها، لكنه، صانها باستقبال محامي الريحاوي أيضاً.

على هذا الأساس، بدت الفقرة كأنها جلسة مرافعة عن السجان، الذي لما سألته معدة التقرير: "زبوناتكم كانوا بس عالم عاديين، أو كان في عالم أمنيين؟"، ابتسم ساخراً، وأجابها: "صديقتي، شو كنت بدي آخد هويته للزبون، ما منعرفهم".

أسقط الريحاوي حجة "المعلومات"، التي ارتكز معلوف عليها، بغاية تبرير فقرته، وإخفاء رغبته الـ"سكوبية" المتضخمة. إذ كاد السجان، في كلامه، أن يصير سجين "ظرفه"، ولاسيما حين يتحدث عن راتبه الزهيد مقارنةً بأجر المستغلات، وحين يتكلم عن "نظام" عمله، الذي يصون "حقوقهن" من خلاله.

لوهلة، يظن المُشاهد أن الريحاوي "مظلوم"، لا بل إنه واحد من الناشطين في حقوق "عاملات الجنس"، أو أنه صاحب جمعية تُعنى بمساعدتهن بدون مقابل. غير أنهن، ويا لقلة الوفاء، غدرن به. وما بدأه الريحاوي، وختمه بذرف الدموع تأكيداً لأسرته على كونه "اشتغل بالحرام" مع أنه "مش هيك وهني بيعرفوا"، واصله محامي الدفاع عنه، الذي تمحور كلامه المتأبه، أولاً، حول كونه يعمل منذ سنوات في مهنته، وثانياً، حول حرصه على القضاء. وهذا، قبل أن يتفوه بعبارته الجازمة: "الفتيات كاذبات"، وفي النتيجة، الجلاد ضحيتهم!

كل ذلك، وغيره من التضليل والتلفيق، وجو معلوف يعتقد بأن سردية الجلاد هي بمثابة وجهة نظر، ولا بد له من إبانتها وإرفادها بحمايتها. وفي حال الإحتجاج على عرضها، يتمسك بمقولة الإستماع إلى "الرأي الآخر" ويلوح بها. فهذه المقولة "الديمقراطية" ترفع من نسبة مشاهدي برنامجه، وتجعل من "حكيِّه الجالس" كلاماً أخلاقياً، يتفوه به السجان مثلما تتفوه به السجينات.

ثمة، هنا، مساواة بين الطرفين، بين المسؤول عن المعتقل والمعتقلات، بين المُعذِب والمُعذبات، بين دوره وشأنهن. ولكي، لا يتضح هذا التعادل التلفزيوني يجري إخفاؤه عبر إعلان غاية الإستقصاء والإستعلام فوقه، ومن خلال حجة حمقاء، مفادها الإحاطة بالموضوع من آرائه وجوانبه كلها.

فتح جو معلوف هواء برنامج لجلاد معتقل جونيه، ولمحاميه، على رغبة "سكوبية"، وعلى هدفها، أي "الحصول على معلومات". حقق رغبته، وسيحققها باستمرار، ولو بأشكال مبتذلة، لكنه، وبوضوح، لم يصل إلى هدفه، بل أوصل عماد الريحاوي إلى غايته، إلى الفوز على "حكي جالس" وعلى المعتقلات. ذلك، أنه، عندما ظهر، تكلم بلسان هؤلاء الذين شككوا قبله في رواية السجينات، مستفهمين عن "حقيقة" جرهن إلى مؤسسة احتجازهن، وعن "حقيقة" العنف الذي مورس بحقهن، وواصفين إياهن بـ"المومسات" و"العاهرات"، خصوصاً بعد الوقوف العنصري على هويتهن السورية.

تكلم الريحاوي بلسان مجتمع الزبائن الفعليين والممكنين، بلسان مجتمع التفرج على الاستغلال، والتواطؤ على تدويمه والإستثمار فيه. تكلم موافقاً على الكلام الذي نطق به كثيرون غيره: "إنهن مخادعات، ولا شك في أنهن مستفيدات من وضعهن".

وبهذا، لم يستعرض برنامج "حكي جالس" سردية الجلاد فحسب، بل إنه أصدر عفواً إعلامياً عنه. وفي حال، استمر هذا البرنامج وغيره على نمط إنتاجه، على بغية الـ"ترافيك"، قد يعمد إلى إصطحاب مجرم ما إلى استديواته، ودفعه إلى اقتراف جريمة أخرى، قبل أن يحاكمه ويصدر حكم البراءة ويطلق سراحه أيضاً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها