"غولدن غلوب" عرّافة جوائز "الأوسكار"

محمد صبحي
الثلاثاء   2017/01/10
"لالا لاند" أول فيلم موسيقي يحجز لنفسه مكاناً مميزاً في سباق الأوسكار.. منذ فيلم "جيجي"
قبل أن تبدأ حفلة توزيع جوائز "غولدن غلوب" في لوس أنجليس، فجر الإثنين، كان من من المتوقع أن تسجّل السياسة حضوراً بارزاً في فقراتها نظراً لكونها أول نشاط من نوعها في أعقاب انتخاب دونالد ترامب رئيساً لأميركا، والذي مثّل فوزه صدمه لغالبية نجوم هوليوود الذين صوتوا لصالح المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، بل وبادر بعضهم إلى حملات دعاية مضادة لحث الناخبين الأميركيين على عدم التصويت لترامب. إذاً، كان من المنطقي أن يستغل نجوم هوليوود، المصدومون بفوز ترامب، منصّة بارزة مثل حفلة "غولدن غلوب" للتعليق وإبداء الرأي.. لكن الأمر لم يسر على النحو المتوقع.

بداية الحفلة لم تكن مثيرة بالشكل الكافي لخلق الحدث، إذ اقتصر النصف الأول منها على نكتة بريئة ألقاها المذيع التلفزيوني جيمي فالون، وانتقاد فاتر من الممثل البريطاني هيو لوري. إذ أشار فالون إلى بطلة الفيلم الأخير للمخرج ستيفن فريرز، فلورنس فوستر جينكينز، والذي يدور حول مغنية أوبرا سيئة، مشيراً إلى أنها رفضت الغناء خلال حفلة تنصيب ترامب في العشرين من كانون الثاني الحالي، في إشارة منه إلى الصعوبات التي يواجهها الرئيس الأميركي الجديد في إقناع النجوم الأميركيين بتنصيبه، على عكس ما حدث مع سلفه المنتهية ولايته باراك أوباما الذي شهد تنصيبه حشداً من نجوم الفن.


أما لوري، الفائز بجائزة أفضل ممثل في دور ثانوي في مسلسل تلفزيوني عن أدائه في "ذي نايت ماناجر"، فقد مهّد الطريق للانتقادات الأقسى، حين أعرب عن فخره بأن يكون ضمن الفائزين "بآخر غولدن غلوب في التاريخ"، مضيفاً أنه لا يريد أن يكون متشائماً، لكن الحفلة التي تنظمها جمعية الصحافة الأجنبية في هوليوود (HFPA)، فيها جوائز لممثلي هوليوود وأقرانهم من الأجانب وكذلك الصحافيين، في إشارة من الممثل البريطاني إلى عداء ترامب المعلن تجاه الأجانب والصحافيين واستهزائه بممثلي هوليوود.

لكن الأمور تغيّرت على نحو درامي حين صعدت ميريل ستريب إلى المنصة لاستلام جائزة "سيسيل ب. دوميل" عن مجمل أعمالها، إذ شنّت هجوماً حاداً على ترامب في كلمتها البليغة، وبدأتها بالإشارة إلى أن جميع الحاضرين في القاعة ينتمون إلى "الفئة الأكثر عرضة للتحقير في المجتمع الأميركي"، قائلة: "فكّروا بذلك: هوليوود، أجانب، صحافة"، ما استدعى ضحك الحاضرين. ثم عرضت الممثلة، الحاصلة على ثلاث جوائز أوسكار، الأصول الأجنبية المختلفة لممثلات وممثلين حاضرين في القاعة ممن ولدوا خارج الولايات المتحدة أو نشأوا في ظروف صعبة...

رسمت ستريب (67 عاماً) بورتريه لمجموعة متنوعة من نجوم هوليوود الذين كرّسوا حياتهم لفهم وتصوير حياة الآخرين، فوظيفة الممثل الوحيدة، بحسب ستريب، هي "الدخول في حياة الناس الذين يختلفون عنه وجعل المشاهدين يشعرون بما يعنيه ذلك".


هوليوود تحب "لالا لاند"
بمنحه عدداً قياسياً من جوائز "غولدن غلوب"، وصل إلى سبع جوائز من أصل سبعة ترشيحات، ساعدت رابطة هوليوود للصحافة الأجنبية فيلم "لالا لاند" في محو كل الشكوك من حوله ومهّدت له الطريق ليكون الفائز الأكبر في جوائز الأوسكار لهذا العام. عادة تكون فئة الفيلم الموسيقي/الكوميدي من نصيب متنافسين من الدرجة الثانية، لكن هذه المرة لم يكن هذا هو الحال، فقد سيطر "لا لا لاند" على النسخة الـ74 من "غولدن غلوب" بطريقة مذهلة في تفاصيلها، بدأت منذ المشهد الافتتاحي للفيلم الذي شهد عرضاً راقصاً لمجموعة ضخمة من راكبي السيارات العالقين في زحمة سير، وهو ما اعتبره بعض النقاد "افتتاحاً فريداً من نوعه" لبداية فيلم غير معروفة قصته للمشاهد بعد. الاحتفاء بالحياة والرقص كوقود لهذا النهج، كان المدخل لاجتياح سينمائي ملوَّن أنجزه المخرج وكاتب السيناريو داميان شازيل (1985) ليدخل من الباب العريض كتاب الأرقام القياسية للغولدن غلوب، متفوقاً على فيلم المخرج ميلوش فورمان "أحدهم طار فوق عش الوقواق" (1975) وفيلم "قطار منتصف الليل" (1978) للمخرج آلان باركر، والذي حصل كلاهما ست جوائز.


للتسجيل، فاز "مونلايت" لباري جينكز بجائزة أفضل فيلم درامي، ولا شيء آخر. و"هي" لبول فيرهوفن، حصل على جائزتي أفضل فيلم أجنبي وأفضل ممثلة في فيلم درامي للنجمة الفرنسية إيزابيل أوبير عن جدارة واستحقاق. بينما حصل كيسي أفليك، كما كان متوقعاً، على جائزة أفضل ممثل في فيلم درامي عن دوره في فيلم "مانششتر بي ذي سي" للمخرج كينيث لونرغان. كل هؤلاء الفائزين حصلوا على لحظاتهم المميزة، لكن تلك الجوائز توارت بجوار الظل العالي لـ"لالا لاند" الذي هيمن على الحفلة.


القول بأن "لالا لاند"عبارة عن حفنة من الأشخاص المبتهجين الذين يقضون وقتاً ممتعاً على الشاشة سيبخس الفيلم حقه، لكن من الواضح أنه لم يغب عن طاقم الفيلم أن السبب الأساسي لمجيئهم إلى فندق "بيفرلي هيلتون" يعود إلى اعتقاد عميق لدى كثير من هيئة المصوّتين بأن فيلمهم هو أول فيلم موسيقي باستطاعته أن يحجز لنفسه مكاناً مميزاً في سباق الأوسكار منذ  فيلم "جيجي" لفينسينت مينيللي، وكان ذلك قبل أكثر من نصف قرن. ربما كان المخرج شازيل يدرك ذلك وربما لم يشغل الأمر بال المثلَين غوسلينغ وستون، حين قررا القيام بدوريهما. لكن في الحقيقة، يبدو أنهم جميعاً مضطرون إلى تصديق حدوث ذلك لهم، وكأنه أحد السيناريوهات الخيالية أو أحلام اليقظة الموجودة في هذا الفيلم والذي حصد أيضاً ثماني جوائز من "اختيارات النقاد" ويبدو أنه في طريقه إلى حصد رقم قياسي لعدد ترشيحاته في جوائز الأكاديمية التي ستعلن ترشيحاتها في 24 من كانون الثاني/يناير الجاري.

وليس غريباً أن يجرؤ البعض على تخمين رقم لا يقل عن 13 ترشيحاً للفيلم في سباق الأوسكار، بل وحتى التساوي مع الرقم القياسي لكل من "تيتانيك" و"كل شيء عن إيف" (14 ترشيحاً لكل منهما)، إذا استطاع الفيلم الترشح بأغنيتين بدلاً من أغنية واحدة في فئة أفضل أغنية، وهو احتمال وارد هذا العام الذي يشهد تنافسية حامية في ما يتعلق بالانتاجات الموسيقية.

ثم هناك الاحتمال الذي يعقب التيقّن من حصول "لالا لاند" على نصيبه من الجوائز الأوسكارية وهو المتعلق بعدد تلك الجوائز. "قصة الحي الغربي" يحمل حالياً الرقم القياسي بحصوله على 10 جوائز أوسكار من أصل 11 ترشيحاً، ليكون الفيلم الموسيقي الأكثر تتويجاً في تاريخ الأوسكار. وفي الواقع، فقد حصل الفيلم أيضاً على جائزة خاصة لمصمم الرقصات/المخرج المساعد جيروم روبنز، ما يرفع عدد جوائزه إلى 11 بالفعل. وهذه هي محطة الوصول التي يبتغيها "لالا لاند" الآن، اكتساح أوسكاري لفيلم موسيقي لم يُرَ مثله منذ سنوات.

بالطبع يمكن أن تتغير الأمور، خصوصاً أن جوائز "غولدن غلوب" لا سجل مؤكداً لديها بشأن تحديد المسار الذي ستسلكه جوائز الأوسكار (في العام الماضي فاز "ذي ريفينيانت" بالغولدن غلوب في حين ذهبت الأوسكار إلى "سبوتلايت"). لذلك قد يكون الوضع سائلاً قليلاً، لكن قوة تتويج الفيلم، ليلة الإثنين الماضي، تقول أنه، وللمرة الأولى منذ سنوات، سيكون للغولدن غلوب تأثير كبير وواضح في سباق جوائز الأوسكار، طالما ظلّ باب التصويت مفتوحاً على ترشيحات الجائزة حتى يوم الجمعة المقبل، أي بعد أربعة أيام كاملة على انتهاء هرج ومرج "غولدن غلوب"، وهذه مدة أطول بكثير من الوقت الذي جرت العادة أن ينتهي فيه التصويت على ترشيحات الأوسكار بعد إعلان جوائز "غولدن غلوب".

في فئة التمثيل برزت جائزتان سيدور حولهما كلام كثير، قبل إعلان جوائز الأوسكار. إذ حصل آرون تايلور جونسون، على جائزة أفضل ممثل في دور مساعد، عن دوره في فيلم "نوكتورنال أنيمالز"، وهي المرة الأولى التي يحصل فيها جونسون على جائزة كبيرة. وإذا كان ترشيحه بالأساس مفاجأة لكثيرين، فإن فوزه بالجائزة كان مستحقاً. الحقيقة أن جونسون أوقف قطار الممثل ماهرشالة علي (مونلايت) للوصول إلى مسرح دولبي، وكذلك الأمر مع إيزابيل أوبير التي عرقلت خطوات ناتالي بورتمان (جاكي) للوصول إلى أوسكارها الثاني. وهذا ما دفع البعض إلى التفكير في نوع من المؤامرة أو الحسابات التي حكمت الجائزتين، لكن المؤكد أن الجميع سينتظر ليلة الأوسكار للوقوف على مصير هذا الجدل.

في الجانب الآخر، ليس أمام فيولا ديفيس، الفائزة بجائزة أفضل ممثلة مساعدة، سوى الجلوس والانتظار، حتى يتمّ فتح المظروف في ليلة 26 شباط/فبراير المقبل، لتسمع اسمها كفائزة بجائزة الأوسكار عن دورها في فيلم "فينسيز". كذلك كيسي أفليك، يبدو في مأمن إلى الآن بشأن الحصول على جائزة الاوسكار لأفضل ممثل، رغم ارتفاع حظوظ غوسلينغ (الفائز بجائزة أفضل ممثل في فيلم موسيقي/كوميدي) بعد خطاب قبوله لجائزة "غولدن غلوب" والذي أثار تعاطفاً واحتراماً كبيرين، ما يعيدنا إلى أهمية "غولدن غلوب" في سباق الفوز بالأوسكار.

بالنسبة إلى التلفزيون، قام محكّمو "غولدن غلوب" بواجبهم المعتاد في تكريم المسلسلين الذين شكّلا علامة تجارية جديدة هذا العام في مجال الترفيه التلفزيوني، وهما "أتلانتا" و"ذي كراون". فوز "أتلانتا" في فئة أفضل مسلسل كوميدي/موسيقي كان متوقعاً بدرجة كبيرة، وهو يستحق ذلك بالتأكيد لأن مؤلفه وبطله، دونالد غلوفر، قدّم تجربة ناضجة وشاعرية للحديث عن الكثير من مشكلات المجتمع الأفرو-أميركي. لكن فئة المسلسل الدرامي، هي التي كانت مساحة للجدل. فنظراً إلى خلو قائمة ترشيحات فئة الدراما من مسلسلات جادة أو حادة، مثل "ذي جيرل فريند اكسبيرينس"، أو "ذي أميريكانز"، كان الاتجاه الأضمن من ناحية رابطة هوليوود للصحافة الأجنبية صوب "نيتفليكس" ومسلسلها الجديد "ذي كراون" الذي يدور حول العائلة المالكة في بريطانيا. كما جاءت الجوائز التي نالها ممثلو "ذي نايت مانجر"، توم هيدلستون وأوليفيا كولمان وهيو لوري، لتصحّح الخطأ السابق الذي ارتكبته جوائز إيمي 2016، والتي تجاهلت الممثلين كُلية، رغم تقديمهم أداء رفيعاً في المسلسل القصير الذي أنتجته شبكة "بي بي سي".