"مولانا" جلال الدين الرومي... الصوفي الأفغاني الفارسي التركي الأميركي
بين الخبر الأول والخبر الثاني سياقات مختلفة حول موضوع واحد، أو إشارات الى تحولات في الهوية والعولمة وتوظيف الرموز الثقافية. ففرانزوني، مؤلف فيلم The Gladiator، وستيفين جويل براون، منتج، قالا إنهما يريدان تحدي الصورة النمطية عن الشخصيات المسلمة في السينما الغربية، وذلك من خلال تسليط الضوء على حياة الصوفي. ويقول فرانزوني إن "الرومي مثل شكسبير... ومن الواضح أنه لا يزال يتمتع بصدى واسع حتى اليوم، وهؤلاء هم دائما ممن يستحقون الاكتشاف". لكن فرانزوني واجه موجة واسعة من الانتقادات؛ بعد إعلانه عن رغبته في أن يؤدي ليوناردو دي كابريو شخصية الرومي، اعتراضًا على ترشيح ممثل البشرة البيضاء بالرغم أن "الرومي" من بلاد فارس. وأطلق رواد مواقع التواصل الاجتماعي، هشتاغ umiWasntWhite #اعتراضا. قال النشطاء إن الرومي أفغاني الاصل، ولم تكن بشرته بيضاء، بينما عادة ما يجسد دور المسلم على الشاشات رجال ببشرة سمراء وملامح شرقية خصوصًا إذا ما كان الدور يتعلق بما اطلقوا عليه "الإرهاب". الرسام الإيراني شهاب جعفرنجاد رسم تخطيطا لكابريو بعينيه الزرقاوين يرتدي عمامة وجلباب وعباءة جلال الدين الرومي... من البداية كان النقاش في المكان الخطأ، فهوليوود تبحث عن الجمهور والاستهلاك وأحيانا البروباغندا، والشرقيون يبحثون عن الهوية من خلال جلال الدين الرومي، دون الانتباه أن حضوره خرج عن سياقه المحلي نحو هوية كونية أو معولمة، لم يعد مهما الحديث عن بشرة الشاعر الصوفي بل عن جوهر ما سيقوله الفيلم، وهذا لا يعني ان هوليوود بريئة من لعبة صورة العربي او الشرقي السيئة في أفلامها...
بالطبع اندفاع ديفيد فرانزوني لكتابة فيلم عن الرومي ليس ناتجا عن عبقرية ثقافية أو حب في الثقافة المشرقية بقدر ما هو ثمرة تفكير تجاري قبل كل شيء. فالرومي بات مثل البهارات، توابل أو مقبلات ثقافية أو منشط ثقافي يستعمل اسمه في كل شيء، في معنى من المعاني يشبه استعمال الرومي استعمال اسم "مريم" في الرواية أو حتى اسم "علي"، حيث نجد عشرات المنتجات الثقافية والغنائية تختار هذا الاسم لسهولته ولهويته ولشعبيته. وإن كان الرومي يوحي بالتصوف والحب، فاستعماله تعرض لشطحات من هنا وهناك. في ملفات حاسوبي عشرات الكتب عن الرومي، في مكتبي المنزلية المتواضعة أكثر من اربع أو خمس روايات عنه، اذ يستعمله الروائيون كليشيه لكتابة الرواية، أو يسقطونه على نص أدبي ويكون اسمه جديرا بلفت انتباه القراء، بدءا من رواية "قواعد العشق الاربعون" للتركية أليف شافاك مروراً بـ"الرومي: نار العشق" لنهال تجدد. واللافت أيضاً هنا هو مدى انتشار أشعار الرومي في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، خاصة في صفوف الشباب والمراهقين، وأنّ ترجمات واسعة قدمت للقراء، فصنعت منها بطاقات التعارف والأعياد، وأنّ أشهر مغنّيين أميركيين معاصرين في أغاني الحبّ، وهما ديمي مور وغولدي هون يغنيان أشعار الرومي وانتهاء بما اقتبسته كلمات أحدى أغاني مادونا بعنوان "تعلّم كيف تقول وداعا" والمأخوذة من إحدى قصائد الرومي...
لقد اجتاز العطار مدن الحبِّ السبع، بينما لا أزال أنا في الزاوية من دهليز ضيق.
بعد العودة من مكة، استقرت عائلة الرومي في أرْزَنْجان، وهي مدينة في أرمينيا، احتلِّها علاء الدين السلجوقي، ومنها دعا بهاء الدين وَلَد، والد جلال الدين، إلى قونية. عاصمة الدولة السلجوقية في تركيا اليوم، تتلمذ جلال الدين على يد برهان الدين محقِّق الترمذي، ثم توجَّه إلى حلب للدراسة، ومنها انتقل إلى دمشق، وكان الشيخ محيي الدين بن عربي يمضي بها السنوات الأخيرة من عمره. ويُروى أن ابن عربي رأى الرومي من قبلُ يمشي خلف والده بهاء الدين، فقال: "يا سبحان الله! بحر يمشي خلف بحيرة!"
عاد جلال الدين إلى قونية، فاستقرَّ في مدرسته وتولَّى فيها تعليم الشريعة ومبادئ الدين، حتى عرض له حادثٌ غيَّر مجرى حياته وجعله صوفيًّا محترقًا، كما عبَّر عن حاله بالقول:
كنت نيئًا، ثم أُنضجتُ، والآن أنا محترق.
ترجع بداية ذلك عندما التقى جلال الدين الرومي بشمس الدين التبريزي، الذي وصل قونية سنة 1244م وأقام في أحد خاناتها منقطعًا إلى نفسه....
كان الرومي عالما بالدين الإسلامي وخطيبا مفوها، ويقال انه أول من رقص الرقصة الصوفية الدائرية الشهيرة حاليا برقصة الدراويش، وقد شجع على الإصغاء للموسيقى فيما سماه "سمع" فيما يقوم الشخص بالدوران حول نفسه. فعند المولويين، التنصت للموسيقى هي رحلة روحية تأخذ الإنسان في رحلة تصاعدية من خلال النفس والمحبة للوصول إلى الكمال.
باختصار، جلال الدين الرومي خرج عن سياق انه شاعر التصوف والحب، يمكن ان تخلق الروايات الكثير من الأوهام، هي لعبة الرمز في الميديا التي تكثر التأويلات حولها، سواء في الروايات أو في الأفلام السينمائية او الثقافة الشعبية وحتى الغناء والاستهلاك.