أنقرة تصدم المعارضة السورية:هل اقتربت مبادرة طهران من أهدافها؟

عقيل حسين
الخميس   2022/07/28
© Getty
كانت تصريحات وزير خارجية تركيا مولود تشاووش أوغلو التي أدلى بها الأربعاء، حول امكانية التعاون مع النظام السوري ضد القوات الكردية في شمال سوريا، مفاجئة وصادمة لجمهور المعارضة السورية، الذي لم تُخفِ ردود فعله الغضب وخيبة الأمل، رغم كل التفسيرات التي قُدمت حول هذه التصريحات وحاولت التخفيف من وقعها والتقليل من أهميتها.
أوغلو وفي حديث متلفز على قناة "تي في 100" التركية، قال إن بلاده أجرت سابقاً محادثات مع إيران بخصوص إخراج الإرهابيين من شمال وشمال شرق سوريا، مضيفاً "سنقدّم كل أنواع الدعم السياسي لعمل النظام (السوري) في هذا الصدد".

مناورة تركية؟
وبينما رأى البعض في هذا التصريح ردة فعل تجاه التعزية التي قدمتها الولايات المتحدة ل"قسد"، بعد مقتل قيادية فيها نتيجة غارة جوية تركية السبت، اعتبر مراقبون آخرون أنه يأتي في سياق الوساطة الايرانية لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، وتعبيراً عن تقدم تحققه هذه الوساطة.
ورداً على سؤال حول مصير العملية العسكرية التركية المحتملة في شمال سوريا، تجنب أوغلو الحديث عن إصرار بلاده على شنّ العملية، وهو الموقف الذي دأبت أنقرة على ترديده باستمرار، مكتفياً بانتقاد روسيا والولايات المتحدة بهذا الخصوص، وقال إن "الولايات المتحدة وروسيا لم تفيا بوعودهما بإخراج الإرهابيين من المنطقة، وهذا يدل على عدم إخلاصهما في محاربة الإرهاب".
ويعتبر المحلل السياسي السوري باسل معراوي أن الموقف التركي الجديد يمثل "مناورة" تركية في إطار مواجهة التضييق الذي تُواجَه به من قبل شركائها في الملف السوري، مستبعداً أن يكون بمثابة تغير جوهري في موقفها من المسألة السورية.
ويقول ل"المدن" تعليقاً على ما أدلى به الوزير التركي، إن "جميع الخصوم توحدوا ضد الموقف التركي في سوريا، ومن اللافت أن كلاً من روسيا وإيران والولايات المتحدة ونظام الأسد كانوا متفقين في معارضة العملية العسكرية التي هددت تركيا ولا تزال بشنها ضد قسد، الأمر الذي وضع أنقرة في موقف كان يتطلب منها التحرك بشكل غير تقليدي".
ويضيف أن تركيا ومن خلال هذا الموقف الجديد تقول للنظام في دمشق "تعالَ وتحمل مسؤولياتك في إزالة الإرهاب المتمثل بالتنظيمات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني"، وهو الأمر ذاته الذي طلبه أوغلو من الحكومة العراقية في تصريحاته، وإلا فإن أنقرة لن تقبل باستمرار التهديدات التي يتعرض لها أمنها القومي انطلاقاً من شمال سوريا والعراق، ما يجعل تحركها القادم في حال عدم الاستجابة لها، وهذا ما سيحصل غالباً، مبرراً ومشروعاً.
ويشير معراوي أيضاً إلى المفاوضات الجارية بين دمشق والجانب الكردي من أجل نشر قوات تابعة لجيش النظام في مناطق سيطرة قسد، قائلاً: "تحاول أنقرة قطع الطريق على أي تعاون بين الطرفين ضدها، وسبق للرئيس التركي أن أكد أن تغيير الأعلام والرايات لن يجعل قسد في مأمن، وبالتالي فإما أن يكون وجود قوات النظام حقيقياً وتتحمل دمشق بناء عليه المسؤولية القانونية والسياسية لهذا الوجود، أو لا يجب أن يكون من أصله"، وبهذا السياق "نفهم قول الوزير أوغلو بأن الدعم الذي ستقدمه تركيا لهذه الخطوة هو دعم سياسي وليس غير ذلك ولا يتجاوز هذا السياق".

تغيير جوهري
لكن تقدير السياق الذي تأتي فيه تصريحات تشاووش أوغلو لا يبدو محل اتفاق في أوساط المعارضة السورية، خاصة بعد التأكيدات التركية المستمرة على وجود تعاون أمني مع النظام من جهة، والحديث عن وساطة إيرانية لتطبيع العلاقات السياسية بين دمشق وأنقرة من جهة أخرى.
ويرى الكثيرون أن موقف تركيا يظهر اقتراباً من الموقف الإيراني، ليس فقط لناحية عدم توجيه أوغلو النقد لطهران خلال حديثه الأربعاء عن مواقف الدول الأخرى، حيث اكتفى بمهاجمة موسكو وواشنطن واتهمهما بعدم الايفاء بتعهداتهما الخاصة بمكافحة الإرهاب الذي يهدد أمنها القومي، بل وكذلك من خلال تأكيده على أن بلاده "أجرت سابقاً محادثات مع إيران بخصوص إخراج الإرهابيين من المنطقة".
ويرى المحلل السياسي نصر اليوسف أن "اللهجة الودية" التركية المفاجئة تجاه النظام السوري هي نتيجة قمة الدول الراعية لمسار أستانة التي عُقدت في طهران، وللجهود الإيرانية الحثيثة للتقريب بين دمشق وأنقرة.
ويقول ل"المدن" إن "انتشار قوات النظام في المناطق التي هددت تركيا بشن عملية عسكرية جديدة فيها سيكون بمثابة إرضاء لأنقرة التي ستنظر للأمر كخيار مقبول يغنيها عن الحرب، فهي معنية بالحصول على العنب وليس الانشغال مع الناطور". ويضيف "يجب ألا ننسى هنا أن التواصل الأمني بين الطرفين لم ينقط"ع، وأن "تركيا اعتبرت على الدوام أن وجود النظام على حدودها أفضل بالنسبة لها من وجود قسد، كما أن هذا سيكون من مصلحة روسيا وإيران، لأن قواتهما ستكون موجودة مع قوات النظام في المناطق التي ستخرج منها قسد في حال تم تنفيذ هذا الحل".

لا موقف
لكن ورغم أن الأجواء السياسية كانت تمهد لمثل هذا التطور، إلا أن أوساط المعارضة بدت مصدومة بعد تصريحات أوغلو، حيث عبر الكثير من الثوار والناشطين السوريين عن غضبهم حيالها، بينما لم يصدر أي موقف عن المؤسسات الرسمية أو القوى السياسية الفاعلة.
وكشفت مصادر في الإئتلاف الوطني ل"المدن"، أنه سيتم مناقشة هذه التصريحات خلال اجتماع الهيئة السياسية الذي بدأ صباح الخميس، لكنها استبعدت أن يصدر موقفاً صريحاً منها، خاصة وأن الاجتماع سيكون مغلقاً ومخصصاً لمناقشة انتخابات الهيئة الرئيسية أو التمديد لها.
لكن اليوسف يستبعد أن يكون هناك أي موقف لمؤسسات المعارضة، سواء السياسية أو العسكرية، من هذا التحول التركي "لأنها غير قادرة على مخالفة إرادة أنقرة وتوجهاتها". ويقول: "المعارضة الرسمية تابعة تماماً في موقفها للموقف التركي ولا تملك من أمرها شيئاً، وهي ستسير حسب ما ترسم لها أنقرة، وإذا قررت تركيا أن دخول النظام إلى مناطق سيطرة قسد أمر صحيح فستقر المعارضة السورية بذلك دون تردد".
يبدو أن الديبلوماسية الإيرانية تحقق نتائج سريعة واختراقات غير مسبوقة على صعيد التواصل والتفاهم بين أنقرة ودمشق، وإذا كانت تصريحات وزير خارجية تركيا الأخيرة قد اعتبرت مفاجئة، فإن مجمل التطورات التي شهدتها الساحة مؤخراً تؤكد أن هذه التصريحات لم تكن سوى نتيجة للحراك النشط الذي قامت به إيران في الملف السوري ويبدو أنه بات منتجاً.