روبرت فورد: اخطأنا في فلسطين

حسين عبد الحسين
الإثنين   2016/06/20
بعض الاميركيين، من الخبراء والدبلوماسيين السابقين وحتى الحاليين، أصبحوا أكثر إدراكاً لشؤون المنطقة العربية واسباب مشاكلها (أ ف ب)

انضم دبلوماسيون أميركيون سابقون لزملائهم العاملين في الخارجية الاميركية، ممن وقعوا مذكّرة داخلية، اعترضوا فيها على سياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما تجاه سوريا. وكان في طليعة الدبلوماسيين السابقين فرد هوف، والسفير السابق في سوريا روبرت فورد. الأول في مطالعة كتبها على موقع "مركز رفيق الحريري في مجلس الاطلسي"، الذي يديره، والثاني في مقابلة أجراها مع مجلة "نيويوركر".

على ان ابرز ما جاء في المراجعة النقدية التي قدمها فورد في "نيويوركر" لا يتعلق بسوريا فحسب، بل بعموم السياسة الخارجية الاميركية على مدى العقود الماضية بتحميله الادارات الاميركية المتعاقبة سبب فشل عملية السلام الفلسطينية - الاسرائيلية. وييدو أن فورد يعتقد ان أميركا اخطأت، عموماً، في كل مرة تخلت فيها عن "الوسطيين السنة المعتدلين"، وأنه كلما تراجع هؤلاء، برز المتطرفون على حسابهم.


يقول فورد "الخطر يكمن انه، مثلما انهار المركز الفلسطيني، كذلك سينهار المركز السوري، هذه هي رسالة العريضة، ومفادها ان علينا ان نستعيد المجموعة السنية العربية المعتدلة حتى نهزم (تنظيم الدولة الاسلامية) داعش".


وهذا هو التصريح الاول، وربما الوحيد، من دبلوماسي، ومخضرم في شؤون المنطقة العربية، يحمّل فيه أميركا، لا الفلسطينيين، مسؤولية انهيار عملية السلام. وفورد سبق ان عمل في عواصم شرق اوسطية متعددة قبل تعيينه سفيرا في دمشق في ٢٠١٠، كان آخرها في بغداد حيث ساهم في مواكبة "خطة زيادة القوات"، والتحالف مع عشائر غرب العراق السنية التي عرفت بـ"الصحوات"، والتي هزمت، مع الاميركيين تنظيم "القاعدة" في العراق.


ويبدو ان فورد يعتقد ان انهيار الاعتدال السني حصل بعد قيام أميركا بتسليم العراق إلى حكومة بغداد الشيعية، هو السبب الرئيس خلف قيام "داعش". وبتقديمه الفلسطينيين مثلاً، يبدو ان فورد يعتقد أيضاً أن تخلي أميركا عن السلطة الفلسطينية المعتدلة كان سبباً في صعود تنظيمات فلسطينية متطرفة لمواجهة التطرف الاسرائيلي، فانهارت العملية السلمية، وانهارت آفاق أي تسوية فلسطينية - اسرائيلية حتى اشعار آخر.


تراجع الوسط السني في العراق وفلسطين له تأثير مشابه في سوريا، حيث يتوقع فورد ان ينجح التحالف الدولي في استعادة الرقة والموصل من "داعش"، لكن التنظيم لن ينتهي، بل هو سيتحول الى "تمرد"، ما يعني استمرار عمليات العنف والمواجهات العسكرية.


تصريح فورد الفريد من نوعه يشي بأن بعض الاميركيين، من الخبراء والدبلوماسيين السابقين وحتى الحاليين، أصبحوا أكثر إدراكاً لشؤون المنطقة العربية واسباب مشاكلها. هذه المرة، لا يقول المسؤول الاميركي السابق ان خيبة فلسطين لدى العرب أدت الى احباطهم ودفعتهم الى الثأر في دول اخرى، بل هو يقدم فشل عملية السلام في فلسطين كنموذج مشابه لفشلها في سوريا وحتى في العراق.


هذه المرة يقدم فورد مقاربة جديدة يعتبر فيها أن انحياز الولايات المتحدة لأقلية طاغية، على حساب أكثرية مغلوب على أمرها، هو في صلب صعود الارهاب في بعض ثنايا العالم العربي. وهذه المرة يقدم فورد اكبر تشبيه بين انحياز أميركا لاسرائيل، وتالياً التسبب بانهيار العملية السلام واستمرار العنف في الاراضي الفلسطينية، وسكوت أميركا عن عنف الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يبدو انحيازاً له على حساب خصومه، وهو ما من شأنه كذلك ان يطيل أمد العنف في سوريا ويعرقل التسوية السلمية كما في فلسطين.


وبين فلسطين وسوريا، ساهم الانحياز الاميركي لإيران وحلفائها العراقيين، الذين يحاولون القضاء تماماً على المكونات الاخرى، كالأكراد والسنة، بتجديد المجموعات الإرهابية لنفسها، من "القاعدة عراق"، إلى "القاعدة في بلاد النهرين"، ثم "الدولة الاسلامية في العراق"، وصولاً إلى "الدولة الاسلامية في العراق والشام" (داعش)، وأخيراً "الدولة الاسلامية".


مثل فورد، صار كثيرون من الدبلوماسيين الاميركيين والخبراء يدركون ان هزيمة الارهاب، مثل "داعش"، ليست على ارض المعركة فحسب، بل في تسوية سلمية عادلة تنصف كل المكونات المشكلة للعقد الاجتماعي، ان في فلسطين او في العراق او في سوريا. اما الاستثناءات دفاعا عن اقلية ما — يهودية ام علوية ام مسيحية — فهي في صلب تقويض العدالة، وتالياً استمرار النزاع على دمويته والدمار والمآسي التي يتسبب بها.