القلمون: استيطان جديد لحزب الله بغطاء أميركي؟

ربيع حداد
السبت   2015/05/30
تعلم واشنطن أن إيران لن تتخلى عن حزب الله، وإسرائيل لن ترضى ببقائه قوياً

لا صوت يعلو في واشنطن فوق صوت اتفاق نووي بين الدول الكبرى وإيران، تسعى إليه إدارة الرئيس الأميريكي باراك أوباما، فهي لا ترى غيره إنجازاً للسياسة الخارجية للدولة العظمى بعد كل الأخطاء التي ارتكبها أوباما في الخارج.

كل دوائر القرار الأميركي تصبّ اهتماماتها في إنجاح الإتفاق في وقته المحدد. وبمعزل عن أهميته، فإن الرئيس الأميركي يعتبر الإتفاق بحال حصوله إنجازاً شخصياً له، يحفظ به ماء وجهه بعد كل الإنتكاسات التي منيت بها الولايات المتحدة في الملفات الخارجية، وإلى جانب هذه الجهود تتركز أخرى لمعاينة تداعيات هذا الإتفاق على منطقة الشرق الأوسط، في محاولة لإيجاد حلول تسووية لها، أساس هذه البنود التسووية هي مسألة حزب الله في سوريا.


لم يحمل مؤتمر كامب ديفيد بين أوباما وقادة دول الخليج أي جديد، فقط بعض التطمينات الكلامية حول أن واشنطن لن تتخلّى عن حلفائها، في مقابل التمسّك بالإتفاق النووي مع إيران. في السياسة لا تنفصل النتائج التي سينتجها الإتفاق عن الوضع السياسي في الشرق الأوسط، ونفوذ الدول والقوى المؤثّرة فيه، فإيران الإسلامية جهدت على مدى أكثر من ثلاثين عاماً بتغذية خلاياها، وإنشاء جيوش عربية لها في المنطقة، حقّقت من خلالها تمدداً واسعاً، وسيطرة أساسية على مفاصل دول، وبالتأكيد إن أي اتفاق دولي سيشمل بشكل أو بآخر هذه القوى العسكرية الإيرانية المنتشرة في الإقليم، والتي تمكّنت من خلالها إيران من الوصول إلى ما وصلت إليه، إذ إنه من البداهة اعتبار استثمار إيران بحزب الله في لبنان وسوريا والمنطقة مؤخراً، وحركة حماس في غزة، والقوى التابعة لها في العراق هو الذي فرضها دولة على الساحة الدولية، والآن أتى وقت جني المكاسب بالنسبة إليها.


يؤكد الطرفان أن الإتفاق النووي لن يشمل ترتيب الأمور الإقليمية، لكن ذلك يجافي أي منطق سياسي، وكل ما يشهده العالم في المنطقة العربية من سوريا إلى العراق واليمن ليس إلّا إسهاماً في تكريس أوضاع جديدة في ضوء الإتفاق، وبالتأكيد فإن توقع هذا الإتفاق يعني عودة إيران إلى الشرعية الدولية، ورفع العقوبات عنها، ومنحها مليارات الدولارات المجمّدة، وهذا يفرض على إيران ضبط أجنحتها، أو على الأقل تقليم بعض الأظافر، ومن هنا تبرز التساؤلات الأميركية حول حزب الله ومصيره، فيما تسعى الإدارة الأميركية إلى إيجاد حلّ لهذه المعضلة ليقينها بأن إيران غير مستعدّة أبداً للتخلّي عن الحزب.


وفق ما تشير مصادر أميركية متابعة لـ"المدن" فإن إيران ستقدّم التنازلات في اليمن، وفي غزّة، وسوريا إلى حدّ ما وبشروط معيّنة مع الحفاظ على نفوذها القوي هناك، بالإضافة إلى التمسّك بالنفوذ المطلق في العراق، إلّا أن حصانها الرابح دوماً، وفق ما تعتبر، وهو حزب الله، فمن المستحيل التخلّي عنه، وهذا يشكل العنصر الأساس في معارضة إسرائيل لهذا الإتفاق، إذ تؤكد المصادر أن نتنياهو يشترط على أوباما سحب مفاعيل قوة حزب الله ومنعه من امتلاك أي وسيلة تهدد أمن اسرائيل.


تريد واشنطن التوفيق بين الموقفين، فتعلم أن إيران لن تتخلى عن حزب الله، وإسرائيل لن ترضى ببقائه قوياً، وربما الغارات الإسرائيلية المتتالية على مواقع وشحنات صواريخ متطورة للحزب في القنيطرة والقلمون، تحمل رسالة واضحة بعدم السماح للحزب بامتلاك السلاح النوعي، ورسم حدود معيّنة من غير المسموح له تخطّيها، وفي هذا الإطار، تؤكد مصادر "المدن" أن أحد البارزين في الإدارة الأميركية حاول استمزاج عدد من الشخصيات السورية المعارضة، حول إمكان قبولهم ببقاء حزب الله في سوريا  بعد سقوط الأسد على أن ينسحب من هناك تدريجياً، إلّا أن الجواب السوري كان رفضاً مطلقاً لذلك.


يدلل هذا الحديث على سعي أميركي بالتوافق مع الإيرانيين لإبقاء حزب الله داخل مناطق محددة في سوريا، يستفيد منه الطرفان، فالأميركيون يضمنون أمن إسرائيل وإبعاد حزب الله قدر الإمكان عن حدودها من جنوب لبنان، والقنيطرة في سوريا، وحصر وجوده في القلمون ما يتيح لإسرائيل استهداف أي قافلة للسلاح المتطور والنوعي، فيما إيران تكون قد ضمنت قوتها التأثيرية في سوريا في مرحلة ما بعد الأسد بالإضافة إلى الإبقاء على إمساكها بالورقة اللبنانية. مقدّمة هذا الكلام قد تقرأ من إستماتة إيران في القتال في القلمون ومحيط دمشق، فيما لا تبالي للخسارات المتتالية التي يتلقاها النظام السوري في الشمال، كذلك فإن هذا المنطق قد يفضي إلى ضغط دولي يدفع مسلّحي المعارضة السورية في القلمون إلى الإنسحاب باتجاه الغوطة، ليستوطن الحزب القلمون كما فعل في القصير.