في غياب "مشايخ الكرامة": التجنيد يطال الدروز

حمزة سرايا
الأحد   2015/11/22
منذ أيام، عادت واستلهمت "بيارق" حركة "مشايخ الكرامة" الفعل الرافض للتجنيد الإجباري، وأعلنت في خمس قرى ما يشبه "النفير العام"
اجتاحت حمى التجنيد الإجباري، النظام السوري مجدداً، مع منتصف الشهر الحالي. القلق من الاقتياد القسري إلى جبهات الموت، سرعان ما أفرغ المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشر والأربعين. وامتد الأمر إلى السويداء ذات الغالبية الدرزية، والتي فقدت منذ أشهرٍ، قائد حركة "مشايخ الكرامة" الشيخ وحيد البلعوس.


مجدداً إلى ضفة الموت

انكفأت حركة "مشايخ الكرامة" على ذاتها، منذ اتهام زعيمها الحالي الشيخ رأفت البلعوس، بخطف رئيس اللجنة الأمنية في السويداء، أمين فرع "حزب البعث" شبلي جنوّد. الأمر الذي تسبب بوفاته لاحقاً. غير أنّ القضية لم تخرج بعد من دائرة الاتهام السياسي إلى دائرة الاتهام الجنائي. بقيت الجثة غائبة، وما زال "الشاهد والمتهم" في تلك القضية، الطبيب عاطف ملّاك، محتجزاً لدى "فرع الأمن العسكري". وبحسب مصادر مقربة من المعارضة المحلية، فقد استطاعت زوجة الطبيب المعتقل وشقيقه، رؤيته والتحدث معه لأكثر من ساعة، ولم ترشح معلومات تفيد بتعرّضه لأذى جسدي أثناء استجوابه.

لكن قضية الاتهام لم تتسبب وحدها بنقل حركة "مشايخ الكرامة" من حالة الفاعلية الاجتماعية إلى التراخي والضمور التدريجي. ولعل فقدان مؤسس الحركة الشيخ وحيد البلعوس، بكل ما يمثله من حسٍّ ثوري شعبي، كان له الأثر البالغ في تمترس الحركة حالياً في خطوطٍ دفاعية أقصاها تجنيب زعيمها الحالي مغبّة الاعتقال.


الاختبار مرتين

اختبر "فرع الأمن العسكري" صمت حركة "مشايخ الكرامة" مرتين خلال الأيام الماضية، واجتازت الحركة امتحان الصمت بنجاح، فلم تحرّك ساكناً بعد مداهمة عناصر من "الأمن العسكري" مطلع الأسبوع الماضي، المنطقة الصناعية في مدينة السويداء، واعتقالها مجموعة من المطلوبين إلى الخدمة العسكرية. وبحسب شهود عيان فإن عدد المحتجزين لم يتجاوز الثلاثين، وليسوا كلّهم من الدروز، إذ تم اعتقال عدد من الشباب النازحين ممن يعملون في المنطقة الصناعية والمطلوبين إلى الخدمة العسكريّة. ومرّة ثانية حين تم توقيف عدد من الشباب الدروز خلال الأسبوع الماضي، كانوا يستقلّون إحدى الحافلات المتوجّهة إلى دمشق، واقتيادهم إلى التجنيد، حتى المؤجّلين دراسيّاً منهم، لم تردّ حركة المشايخ بأي فعل.

وحضرت "مشايخ الكرامة" في النسيج الاجتماعي لدروز السويداء منذ تحرير الحركة لمجموعة من المطلوبين لتأدية الخدمة الإلزامية في قوات النظام، في شتاء العام الماضي. حينها تمّ اقتياد العشرات من المطلوبين، إلى ثكنة سد العين ثم جرى تحريرهم من قبل مشايخ الحركة. ثمّ هدمت الحركة حاجزاً لـ"المخابرات الجوية" كان جاثماً على مدخل المحافظة من الجهة الغربية. وجذبت الحركة إلى مدارها عدداً من الشباب الدروز الرافضين للإنخراط في قوات النظام. كانت هيكلة الحركة المتنامية تتسع لجميع حالات الرفض الماثلة، واستوعبت الحركة الشباب الدروز المتيقنين من الموت الذي يستقدمه بالضرورة خيار التجنيد الإجباري.

منذ أيام، عادت واستلهمت "بيارق" حركة "مشايخ الكرامة" الفعل الرافض لممارسات التجنيد الإجباري، وأعلنت في خمس قرى ما يشبه "النفير العام".

حركة "مشايخ الكرامة" تعيش حالياً حالة حصار مؤلم، فأوعزت إلى مجموعاتها القتالية، في صلخد والقريا والجنينة والعفينة والمزرعة وعرمان، أن تعلن التعبئة العامة، بوجه حواجز قوات النظام ومليشياته الهادفة لاقتياد الشباب الى جبهات الموت والتجنيد الاجباري. الحركة كانت قد أصدرت بيانات متوعدة باستئصال حواجز النظام، إن هي قامت باقتياد الشباب الدروز إلى التجنيد الإجباري. الأمر الذي اخذ مسلكاً جدياً في الأيام الماضية، ما أقلق أجهزة النظام الأمنية، فسارعت عبر إحدى الصفحات التي تديرها في موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" إلى طمأنة الموالين للنظام، بأن الاقتياد إلى الخدمة العسكرية لا يطال سوى المطلوبين فعلياً، ويستثني المؤجلين دراسياً وإدارياً. ولازال الكثير من شباب الدروز الرافض للخدمة الإلزامية، يتذكر بحنين مفرط تحرير ذويهم من مقر الشرطة العسكرية مرات عديدة خلال الصيف الماضي، ويأملون عودة الحركة مثلما كانت عليه أيام مؤسسها.

وبحسب شخصيات معارضة محليّة فإن النظام سيسعى منذ مطلع الأسبوع المقبل إلى إعادة هيكلة، وتفعيل الحواجز داخل المحافظة بهدف زيادة عدد المسحوبين إلى الخدمة العسكرية.


خلافات داخل الحركة

تطلُّ حركة "مشايخ الكرامة" بوجهٍ آخر ليس كوجهها الثائر، أيام مؤسسها الشيخ وحيد، إذ لا تزال الحركة تعيش عقدة التفجير، وكأن تاريخها تجمّد على ضفاف تلك اللحظة. مصدر مقرّب من قيادة الحركة أكد مقدار التخبّط الذي يعيشونه، منذ تفجير موكب البلعوس في 4 أيلول/سبتمبر، وكيف أربكهم ظهور وافد أبو ترابي في منزل آل البلعوس، في قرية المزرعة، يحثُّهم على إعلان الثورة ضد نظام دمشق. ووافد عاد وظهر على التلفزيون السوري، يدعي مسؤوليته عن قتل الشيخ البلعوس.

لم يوافق حينها، على دعوة وافد، سوى خُمس قادة المجموعات القتالية في حركة المشايخ، على احتلال المقرّات الأمنية والسياديّة للنظام، في حين رفض بقية قادة المجموعات إعلان الثورة. وهذا يفسّر انسحاب "مشايخ الكرامة" من الحواجز التي سيطروا عليها غداة التفجير. المصدر ذاته، يعود ويؤكد أن ذاك الانشقاق مازال قائماً حتى اللحظة، وأن الشيخ رأفت البلعوس لا يمسك بجميع مراكز القوّة داخل الحركة، بحيث بات لا يجمع حوله سوى ولاء 2500 مقاتل.

بالإضافة إلى أنّ حضور الشيخ رأفت، كقائد، لا يمكن مقارنته على أي حال بحضور الشيخ وحيد، حين كانت حركة "مشايخ الكرامة" معادلاً موضوعيّاً لتغوّل النظام بمؤسساته الأمنية داخل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لدروز السويداء.


الركود

خاضت حركة "مشايخ الكرامة" أيام الشيخ وحيد البلعوس، كفاحاً رمزياً لم يرتقِ إلى درجة الثورة، بمفهومها الراديكالي العميق، لكنهُ كان كافياً لإقلاق النظام. كان صوت الشيخ وحيد البلعوس، ملهماً لأصواتٍ معارضة أخرى رأت فيه ملاذاً لعجزها عن استقطاب الجماهير حول مشروع الثورة السوريّة.

وبنى الشيخ وحيد حركته من تجمّع عدد من "البيارق" -رايات تمثّل أسماء عائلات أو أسماء قرى درزية- راح يشرف على تأسيسها الواحد تلو الآخر. وكان أهمها "بيرق آل نعيم" الذي أسسه الشيخ فادي نعيم، ثاني أهم شخصية في التنظيم بعد الشيخ وحيد، وقد قتلا سوية في التفجير. كذلك فقد استقطب الشيخ وحيد حوله الشباب الدروز الرافضين للانخراط في قوات النظام، بحيث كان يحميهم قولاً وفعلاً، لدرجة أنه كان يستطيع تحريك ما بين 10 آلاف إلى 12 ألف مقاتل ومناصر له، لو شاء. لكن حرصهُ على وحدة الطائفة، جعله ديبلوماسياً مع خصومه المحليين المتمثلين في مشايخ العقل الثلاثة. ولم يطرح الشيخ وحيد، حركته كبديلٍ لأحد. لكن بمقتله، عادت الطائفة إلى دهليز الخوف والتبعية للنظام. فلقد ترك الشيخ وحيد فراغاً يصعب على أحدٍ ملؤه حتى الآن.