الإثنين 2015/01/26

آخر تحديث: 16:40 (بيروت)

التأليف الموسيقي.. تعبير الرجل للمرأة؟

الإثنين 2015/01/26
التأليف الموسيقي.. تعبير الرجل للمرأة؟
انتقلت هذه الميزة مع الذكور عبر الأجيال كونها ليست من أولويّات الذكر عند اختيار الشريكة (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
تسعى المجتمعات اليوم إلى إلغاء الهوّة بين الفرص المتاحة للرجال والنساء في جميع المجالات، مع الإدّعاء بأنّ سبب عدم تكافؤ الفرص يرجع الى عوامل تاريخيّة وبنى اجتماعيّة تجلّت باضطهاد المرأة وحصر عملها في المنزل، الأمر الذي أدّى إلى تهميشها وتغييبها عن الانخراط في جميع مجالات العمل. فلم تستطع المرأة ترك أثر في بعض الفنون، ولا سيّما في التأليف الموسيقي. فالمؤلّفون الذين كانت أفكارهم وإنتاجاتهم مؤثّرةً في التأليف الموسيقي وملهمةً لمؤلّفين آخرين كثر، هم في أغلب الأحيان من الرجال. وتكاد تكون المرأة غائبةً في مجال التأليف الموسيقي الكلاسيكي كما في الجاز، إلى حدّ أنّه لا يوجد إسم امرأةٍ يُتداول على ألسنة من يملكون معرفة محدودة في هذا المجال، على عكس أسماء المؤلّفين من الرجال الذين ترتبط أسماؤهم بالموسيقى وتُذكر بشكلٍ تلقائي على غرار بيتهوفن، موتسارت، لوي آرمسترونغ ومايلز دايفس، على سبيل المثال لا الحصر.

حاول العديد من المفكّرين تبرير غياب المرأة في هذا المجال من وجهة نظر ذكورية ركّزت على الفكرة القائلة بأنّ المرأة كائنٌ مكمّلٌ للرجل من الناحية الفكرية كما البيولوجية. وأبرز المدافعين عن هذه الفكرة الفلاسفة روسّو وكانت وشوبنهاور. اذ يرون أنّ طبيعة المرأة المكمّلة للرجل تمنعها من امتلاك القدرة على فصل مشاعرها بالدرجة اللازمة من الموضوعية للإنتاج الفنّي. وقد دعت هذه الأفكار المرأة دائماً إلى التزام العمل المنزلي، كما كان متوقّعاً منها أن تكون، لمنعها من الجنوح عن دورها الطبيعي. وترسّخت هذه النظرة في العقود اللاحقة لتمنع المرأة من التعمّق في العلم الموسيقي النظري على عكس الرجل، إلّا أنّ هذا التمييز يكاد يختفي اليوم مع انصهار المرأة في جميع مجالات العلم إثر تطوّر الفكر الاجتماعيّ، خصوصاً في الدول المتقدّمة.

ولكن بعيداً عن التحليلات التاريخية والاجتماعية، هناك سببٌ طبيعيٌّ قد يعطي الرجل أفضليّةً على المرأة في المجالات الإبداعية، وهو بالطبع ليس عدم قدرتها على فصل المشاعر عن الخلق الموضوعيّ، كما سبق وذُكر، بل إنّ السبب متعلّقٌ بطريقة تطوّر الإنسان بيولوجيّاً، ومن الناحية الجنسية على وجه الخصوص. ففي كتابه "أصل الإنسان"، يطرح تشارلز داروين مثالاً هو غناء ذكور العصافير لجذب الإناث أثناء موسم التزاوج، وعلى الرغم من أنّ هذه المقارنة لا تعني أنّ الإنسان والطير مرتبطان بشكلٍ مباشر، إلّا أنّها توضّح الفكرة المطروحة. فبما أنّ الإناث لهم الكفّة في اختيار الشريك الجنسي حسب خصائص معيّنة، يُتوقّع أنّ قدرة الرجل على التعبير كانت من الخصائص المحبّبة لدى الإناث ممّا جعل الرجل، المتمتع بهذه الصفة، يُنتقى أكثر من غيره للزاوج، وبالتالي انتقلت هذه الميزة مع الذكور عبر الأجيال أكثر من انتقالها عبر الإناث، كونها ليست من أولويّات الذكر عند اختيار الشريكة.

وقد طُرحت فكرةٌ مشابهةٌ من قبل الفيلسوف كريسوفر هيتشنز (Christopher Hitchens) في العام 2007 حين حاول درس سبب تمتّع الرجال بالقدرة على الإضحاك أكثر من النساء. فقال أنّ الرجل يكتفي بالمرأة كما هي، أي أنّه يبحث عن الخصائص الفيزيائية أكثر من غيرها، بينما المرأة تبحث عمّا هو أكثر من ذلك. ويمكن مقارنة هذه النظرية بنظرية داروين كونها تستعيد فكرة تطوّر أساليب الإنتقاء الجنسي حسب خصائص معيّنة، إذ أنّ القدرة على الإضحاك لها أوجه شبه بالقدرة على التعبير الموسيقي، من ناحية ربط الأمور وإنتاج ما يلقى استحسان المتلقّي. فنستنتج أنّ حاجة الرجل الى التعبير للمرأة لينال إعجابها أعطاه الأفضلية في الإبداع. كما أنّه أعطى الأفضلية للمرأة في تصنيف الإبداع إن أردنا تحليل الإشكالية من ناحيةٍ بيولوجيةٍ بحتة، وقد انعكس ذلك على التأليف الموسيقي كونه وسيلة تعبيرٍ معقّدة.

جميع هذه الأسباب يمكن أن تكون تفسيراً لغياب المرأة عن ساحة التأليف الموسيقي الجدّي. فمع أنّ السبب الأقوى لغيابها في القرون الماضية هو تهميشها اجتماعياً ومنعها من التعلّم، إلّا أنّ المقاربة من الناحية البيولوجية-الجنسيّة يجب أن تُدرس بتعمّقٍ أكثر بعيداً من حساسيات المطالبة بالمساواة الفكرية بين الجنسين، إذ أنّ هذه الفكرة لا تقلّل من المستوى الفكري لأيٍّ منهما، بل تطرح تساؤلاتٍ حول علاقة تطوّر الموسيقى بالإنسان والجنس.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها