الإثنين 2015/01/26

آخر تحديث: 16:46 (بيروت)

ملاحظات حول جمهور خالد الهبر

الإثنين 2015/01/26
ملاحظات حول جمهور خالد الهبر
على أن طقوس الجمهور، في حفلاته هذه، لا تكون بالضرورة مشاركة في الغناء (مروان عساف)
increase حجم الخط decrease
التفكير في تجربة خالد الهبر، على الأقل في سنواته الأخيرة، قليلة الانتاج الفني، تفكير في الجمهور نفسه، لا في المغني وموسيقاه. وهذا ما يفترض أن الهبر نفسه، في اعتلائه المسرح، لا يغني، بل يحفز جمهوره على الاحتفاء أو الطقوسية. انه مجرد وسيط بينهم وبين تمثُّل معين لوجودهم، جمعاً واحداً، في هذا المسرح. يُعزَزُ هذا الإفتراض بتواضع صوته، والذي يشكل أساس تجربته "الملتزمة"، وقلة حركته المسرحية وثباته الشكلي (الشعر والثياب مثلاً). هكذا، تبدو اشكالية مداومة ناس، أصحاب ذوق فني ما، على مشاهدته، هو نفسه.


ويبدو الهبر، في شكل ما، متسقاً مع حدود دوره، وهو دور غير فني عملياً، بل عاطفي. "تأليف القلوب بين الرفاق"، على ما يمكن أن يقال، في تأويل حصيلة حفلاته. اذ أن الهبر لم يقدم ما يطور اشتغاله الفني، وقليلة هي الأغاني التي أنتجت في سنواته الأخيرة (وفي الغالب كانت أغاني لمناسبات: حرب أو وفاة)، بينما تحمّل ابنه، وهو موسيقي، مسؤولية "تجديد" التوزيع الموسيقي. وهذا ما يعطل، إلى حد ما، الرؤية التقليدية لتفاعل المؤدي مع جمهوره. فهو في حضوره بينهم، على المسرح، لا يؤثر في سياق تفاعلهم معه أو في ما بينهم. إذ انهم طقوسيون، أكثر من كونهم مستمعين. وما يحركهم تصورهم الخاص، والمُعمم بينهم في الغالب، عن معنى حضورهم في المسرح، وفي "الحدث"، لا "حركة" المغني وموسيقاه. هكذا، يبدو مفهوماً، كما في حفلته الأخيرة في قصر الأونيسكو (4 كانون الأول 2014)، أن يرفع واحد من الجمهور قبضته، مراراً، على بعض الأغاني "شديدة الالتزام"، من دون أن يقوم عن مقعده، وكأنه يهتف، فيما لا يبدو أن شيئاً في هذه الأغاني يدعو للهتاف. أو أن يرقص آخرون على أغان، معناها لا يُرقِّص بالضرورة، بل يفيض حدة كـ"أصنام العرب" أو "أبانا الذي في السما".

على أن طقوس الجمهور، في حفلاته هذه، لا تكون بالضرورة مشاركة في الغناء. اذ يمكن تخيل ذهابهم في سرديتهم عنه، وفي حضورهم معاً، الى انتمائية عضوية ما. اذ يستحيل المسرح فضاءاً للاتحاد، أو لزمن غير زمانهم، أو خيالاً يُقصي فوات وجودهم، عملياً ونظرياً، خارج المسرح. انها لحظة اعادة تأسيس الذات، أو تجميعها، بأساليب متكررة أو مكثفة. هكذا، ليس قليل الدلالة ما تحوزه أغنية "سنديانة حمراء" من طقوسية، كأنها الحفل نفسه. أو كأنهم، في صبرهم على صوت المغني "الصعب" وغيابه عنهم، يعدون أنفسهم بهذه الأغنية، وحدها، وهي تعليل وجودهم، مثلاً.

هذا ليس حفلاً، في آخر الأمر، طالما أن المغني "غائب"، والجمهور يشاهد، أو يعيش، نفسه تقريباً. وهذه الأغنية، تحديداً، تقوم بنفسها. ذكره لها، من دون غنائها، يكفي، على ما يمكن أن يتخيل واحدنا، وهو معهم في المسرح. يرفعون هواتفهم أو القداحات ويزيدون الضوء، ويلوحون بها. وفي الغالب، ينتظر الجمهور رفيقاً لهم -لا يأتي دائماً- يحمل علم الحزب الشيوعي اللبناني، ويركض به الى جانب المسرح. أو أن يصرخ أحد بصوت ما، تعبيراً عن انضمامه الفجائي لـ"اللحظة" هذه. ونحن، القلة القليلة، باعتبارنا جمهوراً مضاداً، أو لسنا جمهوره "الأصلي"، نروح ننتظر طلبهم منه اعادة الأغنية، في إصرار والحاح لا يفوقهما غير تمسك واحدنا بالحياة. وهو، بصفته منظماً للحفل، لا مغنياً فيه، يكررها لهم، كأنه يتذكر طقوسهم، لا الأغنية، ويشبعهم. أو في تأويل أقصى، يمدد لهم جدوى وجودهم في هذا العالم، قبل أن يخرجوا إلى عالم غيرهم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها