الإثنين 2015/01/26

آخر تحديث: 16:39 (بيروت)

الموسيقى: صوت، نبض ونداء

الإثنين 2015/01/26
الموسيقى: صوت، نبض ونداء
فرقة The Staples Singers في العام 1970 (Getty)
increase حجم الخط decrease
على وقعها نمت المجتمعات، حتى أصبحت منها ولها. هي صوتهم في بعض الأماكن، محركتهم ومولّدة ثوراتهم، وهي جزء من البروباغندا التي استولت على عقولهم في أماكن أخرى. هي الموسيقى، التي رافقت تطور الشعوب، وأثرت فيهم مقابل تلونها بقضاياهم، لحناً وكتابة، حتى غدت تأخذ في كتب التاريخ مكانة. ولا يزال تأثيرها على المجتمعات جدلياً، فمن كوّن من؟ 


في حين يعتبر الكثير من المؤرخين أنّ الموسيقى تشكل أرشفة حية لأفكار حملتها المجتمعات، يبرز الى الواجهة رأي آخر يساويهما في علاقتهما ببعضهما. أي ان الموسيقى والفنانين هم أيضاً مهدوا لمفاهيم لم تكن موجودة، ونحتوا جمالياً أسس بناء حركات مطلبية في العالم. من هنا يغدو الحديث عن تمازج الموسيقى مع السياسة ودورها في المجتمع مثيراً للاهتمام، ان كان بالنظر للحوادث التاريخية التي وسمت الأغاني بطابعها، أو عبر تمدد السياسة الى النغمات الموسيقية.

يستعرض الكاتب Dorian Lynskey (دوريان لينسكي) 33 أغنية نضال مرت على التاريخ في كتابه "33 ثورة في الدقيقة" Revolutions Per Minute 33، فيتكلم عن تأثير الأغاني على اليوميات، عوضاً عن المغنين، في ظل الصراعات السياسية. وهو يشير مثلاً الى أغنية Two Tribes التي أصدرتها فرقة Frankie Goes to Hollywood في العام 1984، والتي حولت، بكلمات لينسكي، "ساحة الحرب الى ساحة رقص وبالعكس" في اطار اعلانها مناهضة الحرب النووية بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية. 

بالاضافة الى ذلك، لا يمكن الحديث عن الأغاني السياسية من دون الاستفاضة بذكر الأغنية الأشهر، ربما، في مناهضة الظلم والفاشية. حتى مع استحالة معرفة كاتبها، فإن أغنية بيلا تشاو Bella ciao الايطالية، لا تزال متداولة على ألسنة الثائرين، المتظاهرين أو حتى الحالمين بالثورة، فمنذ سطوعها الأول في زمن الديكتاتور الايطالي موسوليني سنة 1943، نقلت الأغنية صدحات الايطاليين الى مختلف دول العالم. من ناحية أخرى، تحولت بعض الأغنيات، وبالرغم من عدم سعي أصحابها لذلك، رمزا للثورات. ولعل من أهمها أغنية Establishment Blues للمغني الأميركي – المكسيكي Sixto Rodriguez، فرغم عدم نجاحها في أميركا في سبعينيات القرن الماضي، الا أنها ألهمت مناهضي الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. وهذا ما يؤكد، ربما، ان الموسيقى أصبحت لغة تواصل بين الشعوب أكثر من كونها ترفيها.

في مكان آخر، أوجد التضييق على الحريات والعوائق المخابراتية استعمالاً متمايزاً للموسيقى، كمثل ابداع الشاعر المصري محمد يونس القاضي في نقل رسائل سياسية عبر أغانيه إبان الاستعمار البريطاني لبلاده، مثل الأغنية المسرحية "شال الحمام"، التي روت قصة نفي سعد زغلول من مصر في العام 1919 بطريقة مبهمة لم يستطع البريطانيون الانتباه اليها، فتناقلتها الألسن حتى أصبحت من التراث الثوري المصري.

من ناحية أخرى، لا يخفى أثر الموسيقى على الحكام، فأستعملت كأداة في حملاتهم للسيطرة أحياناً، ولجذب الجمهور أحياناً أخرى. ويرجع ذلك الى قدرة اللحن على مغازلة الأفكار والعقل بطريقة تلامس الاقناع. هتلر، مخترع "فن" البروباغندا الاعلامي استعمل في بداية سنوات حكمه معزوفات الألماني Richard Wagner لترسيخ الحقد على اليهود في الأدبيات الألمانية.

يراهن الكثيرون على غلبة الموسيقى في نقل المفاهيم، مقارنة بالخطابات والمنشورات، خصوصاً في زمن كثير التطورات. في الوقت نفسه يرى البعض ان العديد من أغنيات السبعينات، وبالتحديد تلك المليئة بكلمات تشجع على السلام، هي استجابة لاتجاه الناس ناحية هذا الخط. وهذا بديهي بالطبع، لكن بنظرة أخرى، تظهر ملامح تساوٍ في التأثير بين الموسيقى والناس، بوب ديلان وجون لينون، على سبيل المثال، شكلا تغييرا في الخط السياسي للأغنية من خلال اطلاق حمامة السلام لتغرد بين كلماتهم في كل من Blowin’ in the wind وImagine. غير أن اللافت في هذا الصراع الدائم بين تأقلم الموسيقى مع المجتمع من جهة والتأثير عليه من جهة أخرى، هو منح الأغنية قيمة نضالية تحررية من خلال اعتمادها رسمياً في مهرجانات، فمارتن لوثر كينغ كان يمضي سويا مع فرقة The Staples Singers في نشر رسالته، وأغنيتهم Respect Yourself شكلت نقطة تحول في المطالبة بالحقوق المدنية في حملته. في السياق نفسه يتذكر العالم حفل اطلاق جميعة Green Peace البيئية من خلال حفل Amchitka الموسيقي والاصدار الذي تلاه في العام 1970.

قد لا ينتهي الحديث عن الأغنيات التي تحولت من مجرد لحن مجبول بكلمات الى صدى لملايين الناس وعناوين عريضة في كتب التاريخ، غير ان تجربة موسيقى Jazz الأفرو-اميركية تلخص الكثير، لكونها صنعت لتكون "صوت الحرية الصامت" في ظل الاستبداد والظلم في القرنين التاسع عشر والعشرين. كذلك، فـ"الربيع العربي" حملته الموسيقى والأغنيات بعيداً، إن كان مع أهزوجة القاشوش في سوريا أو أغنية "ارحل" في مصر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها