الإثنين 2015/01/26

آخر تحديث: 16:40 (بيروت)

تعلّم الموسيقى.. زمن الإرساليات أفضل

الإثنين 2015/01/26
تعلّم الموسيقى.. زمن الإرساليات أفضل
يبقى الإنتساب الى الكونسرفتوار أمراً صعباً بسبب الشروط التي تحرم الكثيرين من الهواة من تعلّم منهجي للموسيقى (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
ما يزال حب الموسيقى في لبنان مفصولاً عن دراستها أو التّخصص فيها. وعلى الرغم من توجيه بعض العائلات أبناءها نحو تعلّم العزف على آلةٍ موسيقيّة، فإن هذا النشاط يأتي من ضمن النشاطات اللامنهجيّة التي يمارسها الطلاب. كما أن الشبّان الذين يبرعون في هذا المجال لا يتوجّهون، في معظمهم، نحو دراستها دراسة أكاديمية، لقلّة الجامعات التي توفّر هذا الإختصاص. 


تقول أستاذة الموسيقى السابقة في "الجامعة اللبنانيّة الأميركية"، ومديرة الكورال في الجامعة، ليلى دباغي أن المدارس كانت في أربعينات القرن الماضي تدرّس بمعظمها الموسيقى كمادّةٍ أساسيّة. بيد أن وعي أهمية الموسيقى في ذلك الوقت يصبح مفهوماً عندما نتذكّر أن معظم المدارس في حينها كانت تابعة لإرساليّاتٍ أجنبية. لكن في مرحلةٍ لاحقة، عمدت وزارة الشباب إلى حذف هذه المادة وغيرها من المواد "الكمالية" بهدف تقصير ساعات الدّوام المدرسي.

وتذكر دباغي أن معلمات من دار المعلمين يُعرفن من لباسهنّ الموحّد كنّ يذهبن إلى "المعهد العالي للموسيقى" (الكونسرفتوار) لدراسة الموسيقى من أجل تدريسها في الصّفوف المدرسية، وتروي أن خوارنة أيضاً كانوا يدرسون الموسيقى في المعهد لأنهم يحتاجون إليها لتلاوة الترانيم.

"في ذلك الوقت كان اللبنانيون على اختلاف قدراتهم وظروفهم قادرين على تحقيق أحلامهم. أما اليوم فأصبح تحقيق أحلام غير المقتدرين حالة استثنائية"، تقول دباغي. ويبدو أن الكونسرفتوار في لبنان "القديم" كان مختلفاً أيضاً، "اذ كان الإلتحاق به مجانياً. وفي عهد وديع صبرا كان الكونسرفتوار بسيطاً لكن متكاملاً"، تضيف دباغي.


الكونسرفتوار
يعتبر أستاذ الموسيقى السّابق في الكونسرفتوار وأستاذ الدروس الخصوصيّة في صيدا ناصر الأسير أن "تدريس الموسيقى في المعهد لم يعد مفيداً". وهو يرد ذلك إلى أسبابٍ عديدة أولها المنهاج "الذي يقوم على برنامج كلاسيكي بحت وهذا طبيعي إذ أن المنهاج لم يعدّل منذ العام 1932، أي السّنة التي وضع فيها". وهذا ما تؤكده كلوي أنجلوبولوس، التي درست الموسيقى في مدرستي غسان يمين وموزارت شاهين، حيث تعلّم الموسيقى اليوم، اذ أنها لم تدرس في الكونسرفتوار لأن "الموسيقى التي تدرّس فيه موسيقى كلاسيكيّة، بينما أردت تعلّم الموسيقى الحديثة". وتذكر دباغي أيضاَ أن "المركز التربوي للبحوث والإنماء" كان قبل بدء الحرب الأهلية يعمل على تطوير المناهج وتأليف كتب للمواد الدراسية المختلفة ومن ضمنها مادة الموسيقى، إلا أن هذا لم يتحقق.

وعلى الرّغم من انخفاض رسم التّسجيل في الكونسرفتوار، وهو يبلغ 400 ألف ليرة لبنانية في السّنة، يبقى الإنتساب إليه أمراً صعباً بسبب الشروط التي تحرم الكثيرين من الهواة من تعلّم منهجي للموسيقى. ويشرح الأسير ذلك قائلاً إنه "من غير المنطقي أن يتوقّف المعهد عن استقبال طلاب تجاوزوا الثانية عشر من عمرهم، إذ أن الإنسان يبدأ في هذه السّن باكتشاف ميوله، وبالتالي فمعظم المنتسبين إلى المعهد هم أشخاص دفعهم أهلهم والبيئة المحيطة إلى تعلّم الموسيقى ولم يفعلوا ذلك بناءاً على رغبتهم الشخصيّة".

ومن الواضح أن المعهد لا يمنح الطلاب حقّهم من الوقت والإهتمام، وهذا ما يصفه الأسير بـ"عمليّة التدريس البطيئة جداً، بسبب هدر الوقت". ذلك أن عدد الطلاب الكبير "يقابله قصر وقت الحصّة، الذي لا يتعدى الـ20 دقيقة، وبالتالي فالتمرين الذي يستهلك ساعةً في الدرس الخصوصي يحتاج الى 6 حصص أو أكثر من التدريس في المعهد".


الموسيقى المدرسية
يُجمع الأسير ودباغي على أن تعلّم الموسيقى يجب أن يبدأ في المدرسة. على أن الأسير يرى أن تعليم الموسيقى في المدارس اللبنانيّة "شبه معدوم". ويشرح أنه "بعد أن فرضت وزارة التّربية والتّعليم على المدارس تدريس الموسيقى ساعة واحدة في الأسبوع، تكتفي المدارس بتعليمها نظرياً فقط، ممّا جعل تعلّم الموسيقى أمراً مزعجاً بالنّسبة للطلاب، خصوصاً أن معظم المدارس لا تمتلك آلات موسيقيّة".

وإذا كان مسعى الوزارة هذا لم ينجح، فإن دباغي تقترح أن تكمل الوزارة ما بدأت بإنجازه قبل الحرب الأهلية من وضع برامج مدروسة وثابتة وموحّدة تضمن فيها تعليم الأساسيات، وأن "تصبح هذه المادّة جزءاً من برنامجي البريفيه والبكالوريا كي يتمتّع جميع الطلاب اللبنانيين بفرص متساوية لتعلّم الموسيقى".

ويترافق غياب تعليم الموسيقى في المدارس مع غيابه في الجامعات أيضاً، فلا يتوفّر هذا الإختصاص سوى في جامعة الكسليك التي توجد فيها كليّة للموسيقى، وجامعة سيّدة اللويزة التي تمنح 4 شهادات بكالوريوس في هذا التخصص. فعلى الرّغم من شغف أنجلوبولوس بالموسيقى ونجاحها في هذا المجال الا انها درست العلوم السياسيّة، والسبب هو أن "هذا التخصص غير موجود في كثير من الجامعات في لبنان".


الدروس الخصوصية
في سياقٍ متّصل بدأت نقابة المحترفين في المهن الموسيقية والغنائية في لبنان بتنظيم دروس الموسيقى الخصوصيّة عبر تحديد أسعارها التي تختلف باختلاف الآلة الموسيقيّة. بيد أن النقابة لم تكمل دورها بمراقبة تطبيق الأساتذة لهذه الشروط. ويقول الأسير أن النقابة بهذا القرار: "لا تهتم بنوعيّة الدروس وإنتاجيّة الأستاذ بل بعدد الساعات والتكلفة فحسب".

أما الأساتذة غير المنتسبين إلى النقابة فيحددون تكلفة الدروس بأنفسهم لذلك تتفاوت حصّة الموسيقى بين 10.000 ل.ل. و200$ لبعض الآلات الموسيقيّة، ويقول الأسير: "يهمني أن أتقاضى نصف تسعيرة النقابة إذ أن معظم سكان صيدا لا يستطيعون دفع هذه التكلفة للتعلم".

لكن لا يمكننا أن ننكر ما للموهبة والذكاء الموسيقي من دور في تعلّم الإنسان للموسيقى ونجاحه في هذا المجال بغض النظر عن بيئته والطبقة الاجتماعيّة أو الإقتصاديّة التي ينتمي إليها. وتقول أنجلوبولوس أنه "هناك العديد من الموسيقيين الذين تعلموا الموسيقى بأنفسهم، فثمّة أشخاص يتمتعون بأذن موسيقيّة وذكاء موسيقي عال وهم عادةً ما يكتشفون آلة موسيقيّة بأنفسهم وبالتالي يدفعهم شغفهم الموسيقي إلى تأليف قطعهم الموسيقيّة أيضاً".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها