الثلاثاء 2015/01/06

آخر تحديث: 13:34 (بيروت)

الميلاد..في المؤلفات الموسيقية الخالدة

الثلاثاء 2015/01/06
الميلاد..في المؤلفات الموسيقية الخالدة
هاندل..مؤلّف "أوراتوريو المسيح" لا تزال من أشهر ما يغنّى في الكنائس حتّى يومنا هذا
increase حجم الخط decrease


خلال شهري كانون الأول والثاني يتم الاحتفال بعيد الميلاد لدى الطوائف الشرقية والغربية، وفي هذا الوقت، تجلس العائلة في دفء المنزل لتبادل الهدايا، وغالباً ما يتذكّر البعض أغاني العيد الشهيرة التي ترتكز على إبراز شخصية "بابا نويل" وترغيب الأطفال بالهدايا أو ترهيبهم بعدم الحصول عليها حسب سلوكهم. ولكن بعيداً عمّا إذا كان ذلك تصرّفاً يليق بعظمة المناسبة من الناحية الدينية، يجدر بنا أن نسأل ما إذا المناسبة تنال حقها من الناحية الفنيّة والثقافية، أي إذا ما كان المحتفلون بالعيد يعلمون بوجود مؤلّفاتٍ موسيقيّة للعيد ذي قيمةٍ فنّيةٍ كبرى.

فبين القرنين السابع عشر والثامن عشر، أي ما يسمّى بحقبة الـ"Baroque"، ألّف بعض أشهر المؤلّفين معزوفاتٍ للعيد تتحدّث عن قصة العيد، أي عن ولادة المسيح وما حصل بعدها. وما يميّز تلك المعزوفات هو أسلوبها المعقّد في سرد قصة المسيح، فبالإضافة إلى مؤلّفات الكورال، ركّز المؤلّفون على أسلوبيّ الـ”cantata“ والـ”oratorio“ اللذين كانا أسلوبيّ تأليفٍ شائعين آنذاك. فالـ”cantata“ هي غنائيّةٌ مع موسيقى مرافقة، أمّا الـ”oratorio“ فهي معزوفةٌ ضخمةٌ تتضمّن عزفاً أوركيستراليّاً بالإضافة إلى غناء كورال وغناءٍ فرديّ، مع التركيز على وجود شخصيّاتٍ ضمن المعزوفة كلٌّ من المغنّين المنفردين يؤدّي دوراً منها.

فعلى سبيل المثال، المؤلّف هاينريك شوتز ألّف غنائيةً لكورال بعنوان "تاريخ ولادة السيد المسيح" التي اقتبس نصّها من إنجيليّ لوقا ومتّى، مع وجود شخصيّاتٍ في الغنائيّة كالملائكة، والرعيان، والملك هيرودوس الأوّل. لكنّ المعزوفات الضخمة كانت لباخ وهاندل. فبالإضافة إلى تأليف عدّة مؤلّفات عن الميلاد من نوع ”cantata“، تبقى الـ”oratorio“ الخاصّة بالميلاد هي أهمّ وأضخم عملٍ عن الميلاد لباخ كونها تحتوي على تفسيرٍ مفصّلٍ لأحداث الميلاد منذ ولادة المسيح إلى زيارة الحكماء الثلاثة، مع العلم بأنّ موسيقاها مأخوذةٌ من مؤلّفاتٍ سبقتها كانت قد أُلِّفت تمجيداً لبعض الحكّام. وقد أُلِّفت للإلقاء خلال ستة أيام، إذ أنّ كلّ مقطعٍ من مقاطعها الستة يسرد ما جرى في اليوم الذي تُلقى فيه. أمّا من ناحية هاندل، فمؤلّفته "أوراتوريو المسيح" لا تزال من أشهر ما يغنّى في الكنائس حتّى يومنا هذا، فهي تروي قصّة المسيح كاملةً من الولادة حتّى البعث والنبوءة. ولعلّ أشهر مقطعٍ فيها هو مقطع "هالّيلويا" الشهير الذي يُستخدم في العديد من الأعمال الفنّية اليوم. والجدير بالذكر هو أنّ نصّ "أوراتوريو المسيح" مأخوذٌ من إنجيل الملك جايمس ومن مقطع مزامير داوود من كتاب الصلوات العامة. 

أمّا خارج تلك الحقبة، فقد بقي المؤلّفون يبتكرون موسيقى ميلاديّة ذات روحٍ كلاسيكيّ وإن كان الإنتاج ليس بذات الكثافة. نأتي هنا على ذكر أوراتوريو الميلاد لـ"كاميل سان سانس" في الحقبة الرومانسية، أي في أوائل القرن التاسع عشر، الذي صُمّم على نحو الأوراتوريو لكنّه يشبه الكانتاتا من الناحية الموسيقية. وبالنسبة للنصّ، فقد أُخذ من عدّة نصوصٍ دينيّةٍ لشرح قصة العيد التقليدية بالإضافة إلى شرح معنى المناسبة. وفي الحقبة نفسها أيضاً، ألّف هيكتور بيرليوز أوراتوريو بعنوان "طفولة المسيح" التي تتحدّث عن حادثة هروب المسيح وعائلته إلى مصر. وفي القرنين العشرين والحادي والعشرين، فضّل المؤلّفون الكانتاتا على الأوراتوريو بشكلٍ عام لمؤلّفات الميلاد، لكنّها لا زالت تفتقد الشهرة والإنتشار.

ومع أنّ التعقيد الموسيقيّ الذي يتخلّل هذه المؤلفات وصعوبة تقبّل جيل اليوم لمثل هذا النوع من الفنّ يجعلها صعبة الإنتشار، إلّا أنّه من الضروريّ تحفيز الجهات المختصّة كالكنائس والمعاهد الفنّية وفرق الأوركيسترا والكورال على إقامة عروضٍ لتلك الأعمال ليس لأغراضٍ دينيّة، بل لأنّ تلك المؤلّفات تحمل عِبراً ومعانٍ فلسفيّةٍ قد تملك القدرة على أن ترتقي بالعيد مجدّداً من دوّامة الإستهلاكية إلى غرضه الأساسيّ، إضافةً إلى أنّ الموسيقى المستخدمة قد تكون باباً لتعريف الشباب على الموسيقى الكلاسيكية في وقتٍ بات مجتمعنا في أمسّ الحاجة إليها من الناحية الثقافية.

كتب هذه المقالة بمناسبة اعياد الميلاد الشرقية والغربية اذ يحتفل الأرمن بعيدهم في 6 كانون الثاني.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها