الأربعاء 2015/02/11

آخر تحديث: 13:13 (بيروت)

"سيتيزن فور": الشبح الإلكتروني الذي أخاف الإدارة الأميركية

الأربعاء 2015/02/11
increase حجم الخط decrease
من منا لم يسمع بإدوارد سنودن؟ ذلك الشاب الأميركي والموظف السابق في وكالة الأمن القوميّ الأميركي. فبعدما كُشف النقاب عن برنامج التجسس السري للإدارة الأميركية وحربها المزعومة على الإرهاب، كاشفاً برنامجاً يدعى "بريسم"، استعانت به الإدارة لتدخل الى صلب المجتمع الأميركي من خلال إتصالات الهواتف والإنترنت، متجسسة على مواطنيها عبر وسائل التواصل الإجتماعي، ومتعاونة مع كل من "مايكروسوفتط وشركة "اي.تي.اند.تي" لجمع كل تلك المعلومات، ومثبتة اجهزة تنصت في مصابيح الطرق العامة. لتضرب بذلك الخصوصية وحرية التعبير في الصميم، في بلد كان يتغنى شعبه بحريته المطلقة وسرعان ما شعر أنه طعن في الظهر.

التحق سنودن بالجيش الاميركيّ وكان ينوي المشاركة في القتال في العراق. بدأ مشواره كموظف أمن لإحدى المُنشآت التابعة لوكالة "ان.اس.أي." في جامعة ميريلاند. هو الذي لم يتخرج في المدرسة الثانوية، كان مولعاً بالإنترنت وبرمجة الكمبيوتر، فتقدم في وظيفته سريعاً وانتقل إلى العمل في وكالة الإستخبارات المركزية في قسم الأمن الإلكتروني.

يوماً بعد يوم، بدأت الغيوم بالإنقشاع امامه، والوضع السياسيّ والإجتماعيّ في الولايات المتحدة يتدهور خصوصاً بعد هجمات 11 ايلول. ورأى سنودن أن إدارة الرئيس باراك أوباما لم تشهد اي تطوّر يُذكر، وأنها لم تبتعد عن سياسة بوش الإبن. سنودن كان خائفاً من هذه الخطوة، فهو قد يُزجّ في السجن او يُقتل. والحكومة الأميركية قادرة ان تفعل أي شيء بمن يُعصي أوامرها، لكنه في الوقت عينه، لم يأبه لتداعيات ما ستفعله. اعتبر أن أمنه وأمن المواطنين الأميركيين على المِحك، فلم يكن امامه سوى ان يُطلق العنان لضميره ويقلب الطاولة.

فبعدما اختلط بعملاء وكالة الإستخبارات وعرف الكمّ الهائل من المعلومات، قرر سنودن فضح المستور. لم يشأ أن يكشف معلوماته بطريقة عادية. طلب إجازة مرضية من عمله، ليبعث بتفاصيل برامج المراقبة السرية إلى جريدة "الغارديان" البريطانية و"واشنطن بوست" الأميركية، ليطلب بعدها اللجوء السياسي الى روسيا. هو المتابع النهم للمخرجة الأميركية لورا بويتراس وافلامها الوثائقية، تأثر بفيلمها "بلادي ... بلادي " (2006) الذي تناول الإحتلال الأميركي للعراق. وبدأ بالتراسل مع المخرجة عبر البريد الإلكتروني تحت اسم "سيتيزن فور". واتفقا ان يتواصلا على هذا الشكل.

في الفيلم الوثائقي بعنوان "سيتيزن فور" (المواطن رقم 4)، سنتعرف على إدوارد سنودن. الشاب الثلاثينيّ الجديّ بنظرات ثاقبة. تحدّث امام كاميرا بويتراس بكل شفافية في غرفة بيضاء في احد فنادق هونغ كونغ من شهر حزيران 2013..

فيلم سنودن مثير، ركزت المخرجة فيه على البناء الدرامي المتماسك، بشريط وثائقي إخباري بامتياز. لقد ادخلتنا المخرجة الى عالم التجسس، فأصبحنا في جوّ من التآمر والخداع، وبرغم أن الفيلم يصنف وثائقياً، لكن أحداثه بمنأى من الرتابة والنمطية وهو ليس بروباغندا إعلامية. إنه لحظات من الإثارة والتشويق. سنودن يبدو انيقاً ومهذباً لكنه عصبي بعض الشيء.

بحسب الفيلم، لم تكن لسنودن أي دوافع وراء ما فعله في إفشاء ذلك النظام والأنشطة التي تقوم بها وكالة الامن القومي الأميركية، ولم يجد حلاً سوى ان يفضح كل شيء. معتبراً ان اميركا ستتحول الى دولة ديكتاتورية استبدادية وستبطش بمواطنيها.

لم يرد سنودن ان يجعل من نفسه بطلاً قومياً ومنقذاً للبلاد، كما يقول. كل ما أراده هو فضح عمليات التجسس والمراقبة. من ناحية أخرى، وبعد كل المعلوملت الخطيرة التي يقدمها الفيلم، تسلّط المخرجة الضوء على سنودن وعلى شخصيته العنيدة والصارمة. ففي مرحلة ما من سياق الفيلم، ضاعت الدفة ما بين إظهاره كبطل وإظهار أهمية ما فعله كمواطن اميركي صاحب ضمير. هو الآن مشهور حول العالم ومطلوب في واشنطن. هل نصفه بالجاسوس أم البطل القومي؟ في الواقع، انقسم الرأي العام الأميركي حول هذا الموضوع. فالبعض يعتبره عبقرياً شجاعاً والبعض الآخر يعتبر جاسوساً حقيراً وخسيساً.

"سيتيزن فور" مرشح هذه السنة كأفضل فيلم وثائقي، تاركاً الكثير من التسؤلات: لماذا سنودن بالذات التي دبّت فيه روح المواطنية؟ وكيف لم تستطع قوة عالمية مثل الولايات المتحدة إلقاء القبض، حتى الآن، على هذا البطل المطلوب؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها