الثلاثاء 2015/01/27

آخر تحديث: 13:06 (بيروت)

"القطّ" في صالات مصر أخيراً.. وواكد مرتاب في سرقته

الثلاثاء 2015/01/27
increase حجم الخط decrease

ثمة موضة كانت رائجة بقوة في الوسط المصري، وهي أنه مع بِدء كل عام، يستعدّ الكثير من المُخرجين المصريين لتصوير أفلامهم وإطلاقها في عيديّ الفطر والأضحى. فهم على عِلم بالهدف المقصود، أن يجمعوا شمل العائلة حول فيلم خفيف ومسلٍّ، ليس له معنى في مُعظم الأوقات، لكن الجمهور بدأ يفهم هذا الأسلوب الفاشل، وبدأت هذه الموضة بالانحسار.

ولأن الجمهور أصبح مُتعطشاً لأفلام "لها معنى"، تُشبع تطلعاته ولا تعتمد على الإبتذال والقفشات السخيفة، مرّت الصناعة السينمائية في مصر بفترة ركود. على أن الأحداث والظروف التي عاشتها مصر بعد ثورة يناير، كان لها تأثيرها في إحداث بعض التغيير، ومن أبرز المُتأثرين بها، المُخرج المصري إبراهيم البطوط، الذي حوّل المأساة الى مادة فنية أكثر إفادة من إراقة الدماء وحقد السياسيين والمتخلّفين. ففي فيلمه "القطّ"، يتناول المخرج التداعيات الإجتماعية لهذه الثورة، بعكس فيلمه السّابق "الِشتا إلي الفات" الذي حاكى الشارع المصريّ في عزّ ثورته. إنها سينما الواقع او سينما القضايا الإجتماعية التي لطالما حصدتها كاميرا البطوط.

في فيلم "القط" يعود فاروق الفيشاوي بعد غياب دام ثمانية أعوام منذ فيلم "ألوان السما السبعة"، وذلك في دور الرجل الغامض، والى جانبه في البطولة المُختلف عمرو واكد. والمادّة المعروضة في الفيلم ليست بهدف التوعية والوقاية، بل هي للمُشاهدة بتمعَن.

المكان: الشَارع المصريّ. الزمان: مصر ما بعد الثورة. هنا، يكشف المُخرج عن العالم السفليّ للقاهرة، يصورها كمدينة للجشع والفساد والتجارة بالأعضاء البشرية وخطف الأطفال والعذارى، هذه السلوكيات الجشعة والوحشية يُمارسها بعض الفاسدين على الفقراء المعدمين.

أرضية العنف المميت تكوّن أساس حبكة الفيلم غير الاعتيادية الى جانب التاريخ والواقع والأساطير. فاروق الفيشاوي هو الرجل الغامض، الذي يخترق الآخرين فكرياً. شخصية مخيفة وغريبة تحرّض على العنف بمختلف أشكاله. في المشهد الأول، يصوّر البطوط الفيشاوي متنقلاً بين أروقة المعابد الفرعونية. هذا المشهد يُعطي الإنطباع الغامض لمشاهد اكثر غرابة لاحقاً. ملابس الفيشاوي السوداء، أخفت وراءها شخصية وكأنها ماورائية، شخصية قادرة على استشراف المستقبل. قُدرة مطلقة يستطيع من خلالها معرفة اي حركة في أيّ مكان وكأنه "فاوست" الذي باع نفسه للشيطان. رجل من العالم السفليّ، بلطجيّ، يحرّك الأفراد والزمن كما يريد. 

أمّا عمرو واكد، هو زعيم العِصابة الذي تعرّض في السابق لخطف ابنته الصغيرة. هذه الحادثة، جعلته رجلاً يتظاهر بالقساوة لكنه يمتلك قلباً طيباً ولكن الأسى والفقر يُجبرانه على التعاون مع الرجل الغامض ليحقق له امنيته بالإمساك بالمعلّم فتحي الذي سبب مأساته. ولطالما تابع البطوط المشاهد الحياتية لبلده مصر وعاصر تقلّباتها. وهو الذي صوّر المُجتمعات العربية في افلامه الوثائقية والسينمائية: "بغداد" ( 2004) و"انا لاجئ في القاهرة" (2007).
وفي "القط" غاص ابراهيم البطوط في دهاليز المُجتمع المصريّ وواقعه الإجتماعيّ والمعيشيّ. ولم يُخف تأثره الواضح بالحضارة المصرية القديمة ورمزية الخير والشر، تلك المواجهة الأزلية. هنا، ربط البطوط خيوط الأساطير بخيوط الواقع. "أوزوريس" يمثل "القط" عمرو واكد، وإله الشرّ يتمثّل بالقوى العليا فاروق الفيشاوي.

إخراجياً، أبدع المخرج المصري بتوظيفاته البصرية، لتلاحق كاميرته الأحياء المصرية، معتمداً على الإضاءة النهارية، متفادياً الاضواء الإصطناعية. كما اعطى اهمية لحركات الكاميرا "الترافلينغ" الطويلة، مصوراً الأحياء الجبلية في القاهرة والمناطق العشوائية.

بدا البناء الدرامي في الفيلم كلُعبة شطرنج تسعى فيها الخيوط بين الواقعية والرمزية التي تعتمد على السرد السلس، فتنتقل المشاهد بين الواقعية والخيالية. خصوصاً من حيث تطوّر الشخصيات التي بدأت تتطوّر وتتوضح حقيقتها تدريجياً، لتجعل المتفرج في حالة ضياع. ليختار بين الصراع القائم بين الخير والشرّ ورمزيته التي لا تنتهي وواقع الشارع المصري ودهاليزه.

فيلم "القط" سيجعل المُشاهد يطرح العديد من الأسئلة. من هو هذا الرجل الغامض؟ ومن أين له هذه القدرة بتحريك كل شيء؟

أحسن المخرج في انتقاء ممثليه وإدارتهم، فأتى بفاروق الفيشاوي وعمرو واكد اللذين اتسما بقوة وجاذبية راسخة امام الكاميرا.

الفيلم حصد جدلاً كثيراً، وكاد يمنع من العرض في صالات مصرية بسبب المَشاهد القوية، ليتيسّر عرضه أخيراً في مصر تحت تصنيف تنويه رقابي: "للكبار فقط". في حين عبّر الفنان عمرو واكد عن استيائه الشديد من قرصنة الفيلم في الانترنت بعد ثلاثة أيام فقط من بدء عرضه في صالات السينما المصرية. واستغرب واكد عرض الفيلم في إحدى القنوات الفضائية تزامناً مع عرضه في السينما، متسائلاً عبر حسابه في "تويتر": "فيلم القط تمت سرقته بعد ثالث يوم عرض له. وهو الوحيد اللي تمت سرقته في وسط الأفلام المعروضة. هل دي صدفة؟". ولمّح واكد إلى التضييق الذي أحاط بالفيلم قائلاً: "بعد التضييق اللي عانينا منه، بلغني إن فيلم القط سُرق وطُرح على الإنترنت، ولم يكفيهم هذا بل وعُرضت النسخة المسروقة على قناة فضائية".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها