الثلاثاء 2014/12/23

آخر تحديث: 13:51 (بيروت)

"نظرية كلّ شيء": فيزياء الحبّ

الثلاثاء 2014/12/23
increase حجم الخط decrease
يبدو أن التنافس على جوائز الأوسكار والغولدن غلوب، سيبدأ باكراً هذا العام. فترشيحات الأخيرة للعام 2015 اصبحت جاهزة والتكهّنات حول الفائزين في الموسم الـ72 في كاليفورنيا، أصبحت المادة الدّسمة للصحف والمجلات المتابعة للحدث. اما ترشيحات الأوسكار فلا تزال غير مؤكدة. لكن بوادر ومؤشرات الأفلام الناجحة لا تنتظر الحفلات الضخمة والسجادة الحمراء والفساتين الباذخة. فهي أفلام تسطع بلا وسائط. ولعلّ أبرز الأفلام التي ستترك بصمة جميلة في عالم السينما، قصّة حياة النابغة ستيفن هوكينغ، "نظرية كل شيء" (2014) للمخرج جورج مارتش - تمثيل إيدي ردماين وفيليسيتي جونز.

يتناول الفيلم سيرة حياة ستيفن هوكينغ، أبرز علماء الفيزياء النظرية عالمياً، والمأخوذ عن كتاب ألّفته زوجته جين وايلد في العام 2007: "السفر اللامتناهي، حياتي مع ستيفن". إنها سيرة حياة صاحب الأبحاث في علم الكون والعلاقة بين الثقوب السوداء. علاقة حبّ وشغف بدأت في الصفوف الجامعية في جامعة كامبريدج بإنكلترا، فهذا الشعور القوي والقدرة العقلية النابغة لفكر ستيفن هوكينغ، سيصطدم بالقدر، ليجابه هذا العالِم الكبير حالته المرضية وهو التصلّب الجانبي الذي لا شفاء منه وهو في الحادية والعشرين من عمره، ليُعلمه الأطباء بأنه لن يعيش أكثر من سنتين. تحدّى الشابان هذا المرض المميت وتزوجا رغم كلّ الصِعاب. فهذا المرض لن يقف حاجزاً أمام حبّ متين، وأنجبا ثلاثة اطفال.



من على الكرسي المتحرّك بدأت رحلة هوكينغ النضالية نحو العلم والمعرفة. لكن مخرج الفيلم لم يذهب إلى الإضاءة على شرح نظريات العالِم الفيزيائي المعقّدة. فقد سبق الفيلم هذا، فيلماً وثائقياً خاصاَ: "تاريخ موجز للوقت"، يشرح نظريات هوكينغ.

تمحورت قصة "نظرية كل شيء" حول حياة الزوجين، الزوجة جين وايلد والزوج العبقري وذلك الحب اللامتناهي البعيد من الشفقة. بالرغم من ان تمثيلها وشخصيتها كانا أشبه بالقديسين البعيدين بعض الشيء عن الواقعية، أتت شخصية "جين" كصورة للشجاعة المتواصلة وحرصها على الإهتمام بالزوج المريض وثلاثة أطفال من دون مساعدة احد. هي المتدينة والمؤمنة وهو رجل العلم بإمتياز والمُلحِد. نقل الفيلم عذاب هوكينغ مع المرض، لكنه كان مرآة لأحلامه، تاركاً لنا ألف سؤال وسؤال من الصعب الإيجابة عليه. عالج المخرج جايمس مارش هذا الزواج، وهو الزوج المريض بكرسيه المدولب وغير القادر على الحراك أو تلبية حاجاته بنفسه سوى بمساعدة زوجته. كان المرض بالنسبة إلى جين إمتحاناً للصّبر والحبّ وأبعدها عن دراستها وعملها ليصيبها بالكثير من الحزن والقلق. فيلم مؤثر وصادق، صوّر الحياة الزوجية والكثير من الأمنيات التي لم ولن تتحقق.

كان الفيلم بمثابة تحدٍ للمخرج ولم يقترب من السياق التوثيقي، لكنه نجح في إيصال قصّة الحبّ وجمع العديد من الأحداث الدرامية في فيلم واحد، مستعيناً باللقطات القريبة لهوكينغ وحركات وجهه خصوصاً عند فقدان صوته نهائياً وقبل تركيب الآلة الصوتية. وأضاف مدير التصوير بنوا ديلوم أفضل ما عنده، خصوصاً في المشاهد الداخلية في منزل هوكينغ الزوجي، كما مشاهد الألعاب النارية ومشهد العرض الضوئي في بوردو... كما صُوّر الفيلم في أنحاء عديدة من منطقة كامبريدج وفي غالبية جامعات المنطقة، ما شكّل لوحات زيتية متنقّلة. 

قدّم ردماين أفضل ادواره فكان بارعاً وكأننا نشاهد هوكينغ نفسه على الشاشة، فكان حاضراً بالصوت والصورة، خصوصاً في حركات وجهه، مستعيناً بأسنان وأذنين إصطناعيتين لإثبات شخصية هذا العالِم العظيم. كما كانت الممثلة فيليسيتي جونز الأكثر مُطابقة لهذا الدور بصدقها وشفافية أدائها. تلك المرأة الحديدية التي لم تتخلّ عن الزوج الذي أحبّته رغم محاولاته المتكررة ونصحه لها بأن تتركه لمعاناته. إنها الكيمياء الساحرة بين الممثلين اللذين أعطيا الحياة للفيلم، واستطاعا سوياً ان يخلقا علاقة متينة بينهما وبين المُشاهد.

"نظرية كل شيء" ليس فيلماً عادياً في الشكل والمضمون. إنه قصّة حبّ قد يبدو للبعض أنها تزخر بكليشيهات السينما الأميركية وذلك الحب الإلهي المقدّس... لكنه فيلم وليد معاناة شخص عُرِف بكونه الأذكى في العالم. هو الفيزيائي الذي كان حلمه الكبير اسير جسده الضعيف. لكن شغفه بالمعرفة كان أقوى من تكاسل الجسد وضعف حيلته. فيلم سيكون مفتاح نجاح لكلا الممثلين، ومن المؤكد أننا أمام فيلم ستكون جوائزه لا تُعدّ ولا تُحصى.


"نظرية كل شيء".. يعرض الشهر المقبل في الصّالات اللبنانية
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها