الثلاثاء 2015/01/20

آخر تحديث: 13:54 (بيروت)

"لُعبة المحاكاة": الفرد إن أنهى حرباً عالمية.. او انتحر

الثلاثاء 2015/01/20
increase حجم الخط decrease
لطالما كانت هوليوود الرّائدة في صناعة افلام تطبع في ذاكرة المشاهدين، معتمدة في الأعوام الأخيرة على أفلام الخيال العلمي والآكشن الضخمة والوسائل التقنية المبهرة، لتصنع أفلاماً ناجحة وتستقطب اكبر عدد من المشاهدين على شباك التذاكر.

لكن هذه السنة، قررت هوليوود ان تغيّر هذا التكتيك الفاضح والهروب من موجة افلام البطل الاميركي الذي ينقذ العالم، الى افلام "حقيقية" تُحاكي الفرد وتكون على حجم توقعاته. فكثّفت في العام 2014 الإنتاجات التابعة للِسيَر الذّاتية لتدخل المهرجانات من بابها العريض وتحصُد نجاحاً وتأييداً من النقاد. فأخرجت أنجلينا جولي فيلم "انبروكن"، وفيلم "نظرية كل شيء" جاء بتوقيع المخرج جايمس مارش، ليأتي الفيلم الثالث المُقتبس عن قصّة حقيقية بعنوان "لُعبة المحاكاة" (The Imitation Game) من إخراج النرويجي مرتين تيلدوم، ومن إنتاج بريطاني أميركي، وسيناريو الكاتب السينمائي غراهام مور، وهو مستوحى من كتاب بعنوان "آلان تورينغ: اللّغز" من تأليف الكاتب أندرو هودجز.

فيلم درامي جديد يصور حياة وإنجازات العالم والمفكر والفيلسوف البريطاني آلان تورينغ،
وينسب له نجاحه المشهود في اختراق نظام الشيفرة الألماني خلال الحرب العالمية الثانية، وهو النظام المعروف بنظام إنيغما Enigma والذي لعب اكتشاف كل ما كان ينقله من رسائل دوراً حاسماً في تفوق الحلفاء في الحرب وانزال الهزيمة بالألمان.

تقع أحداث فيلم "لعبة المحاكاة" في بليتشلي بارك، في باكينغهام شاير بالمملكة المتحدة، ويعرض محاولة تورينغ وفريقه فك شفرات الرسائل الألمانية وإنهاء الحرب العالمية الثانية. ويقوم النابغة البريطاني كمبرباتش، بدور ألان تورينغ وهي شخصية رائدة في مجال الكومبيوتر، وصفه كامبرباتش بأنه "رجل خارق للعادة". وفي الفيلم نحن امام شيفرتين، الأولى هي الشيفرة "أنيغما" والثانية شيفرة هذا الرجل الغامض، المُتخفي وراء تأتأة لسانه ورمشات عيونه ولمحات وجهه التي توحي بالغباء، لكنه صاحب الذكاء العقلي الذي عندما فكّ شيفرة، انتهت الحرب العالمية الثانية.
 
بدا الفيلم كلعبة الكلمات المتقاطعة التي لا تنتهي لتجعل اللعبة الدرامية اكثر تشويقا. فعلى مدى ساعتين لن يشعر المشاهد بالملل، يبقى أمام حكاية مُشوقة ومليئة بالأسرار، غامضة بخفايا شخصية تورينغ المثليّ الذي ظلّت مثليته سراً لا يعرفه إلا أحد زملائه الذي هو بدوره كان جاسوساً سوفياتياً.

البناء الدرامي للفيلم متماسك، والمونتاج وتأليفه الموسيقي مؤثران عاطفياً. وأتى الإخراج الفني بديعاً من حيث الديكور والملابس والآكسسوار، واصفاً بدقّة فترة الأربعينات والخمسينات. كما احسن المخرج في اختيار ممثليه وقادهم ببراعة. فساقنا بنديكت كامبرباتش الى خفايا شخصيته، فهو الممثل الذي الفناه في شخصية شرلوك هولمز في قناة "بي بي سي". وصوته الإذاعيّ الرخيم في أهم الأفلام الوثائقية في قناة "ديسكفري". دخل الممثل البريطاني ثنايا شخصية عالِم الرياضيات، فهو الهادىء والغامض والساخر والمُداعب في آن. ليفوق تمثيله في هذا الدور، ادوار ممثلين بريطانيين آخرين في ادوار مُقتبسة، مثل كولين فيرث في "خطاب الملك"( 2010) والممثل بن كينغزلي في غاندي" (1982).

اما كيرا نايتلي، في دور جوان كلارك - إحدى زميلات تورينغ والتي تغدو في مرحلة ما خطيبته، فكانت لامعة، في شخصية المرأة الساذجة الطموحة الساعية وراء احلامها. لتُعطي افضل ما عندها خصوصاً في المشهد الأخير من الفيلم، حين تقوم بزيارة تورينغ وحيدآً في منزله، محاولةً إلهائه عن حزنه ومرضه، هو الذي تعهد بالسرية حتى الموت، وحاول جاهداً ان يبقي ميوله سراً. هنا سيحاكم عى ممارسته "جرم اللواط" ويضعه القاضي امام أمرين: اما الدخول الى السجن أو الخضوع لإخصاء كيماوي عن طريق الحقن. فاختار تورينخ الحل الثاني، لينهي حياته منتحراً في العام 1954، بعد عامين من محاكمته بتهمة مخالفة القوانين المناهضة للمثلية الجنسية في ذلك الوقت. وصدر عفو ملكي بحق تورينغ في ديسمبر/كانون الأول 2013، وقال وزير العدل البريطاني، كريس غرايلينغ، إن تورينغ قصر أمد الصراع وأنقذ آلاف الأرواح.


(*) يعرض الفيلم حالياً في جميع دور العرض اللبنانية
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها