الأربعاء 2014/12/10

آخر تحديث: 12:18 (بيروت)

"جنينة الأسماك" في "المترو": حوض لتعايش الأفراد

الأربعاء 2014/12/10
"جنينة الأسماك" في "المترو": حوض لتعايش الأفراد
المخرج يسري نصرالله خلال التصوير
increase حجم الخط decrease
يُقدّم "مترو المدينة" بالتعاون مع "نادي لكل الناس"، فيلم "جنينة الأسماك" (2008) للمخرج المصري يسري نصرالله، الذي يقارب في فيلمه، المجتمع المصري الارستقراطي، يغوص في البُعد السيكولوجي لشخصياته، هو المتأثر بالمخرج يوسف شاهين وصاحب "مرسيدس"(1993) و"باب الشمس"(2004) و"إحكي يا شهرزاد"(2009)، في "جنينة الأسماك" يختلف عن أفلامه الأخرى. لن يتوقع المشاهد أن تأتيه المعلومة على طبق من فضّة أو أن تلقيناً. فعلى المشاهد ان يبذل مجهوداً لاستعاب هذا الفيلم ببعده الدرامي وصورته الدرامية. عليه ان يفكر ويتأمّل ويغوص في معانيه المُبهمة ويتكلّ على مُخيلته فقط، فهي الوحيدة التي ستقوده الى يقين معاني هذا الفيلم.


يُركز يسري نصرالله على شريحة معينة من المُجتمع المصري، في حيّ الزمالك القاهري أو غرب العاصمة المصرية، وتفتتح شارة الفيلم بأغنية أسمهان "يا حبيبي تعالى"، كرسالة غير مباشرة للمتلقي عما سيحدث لاحقاً في الفيلم. في هذا الحيّ الارستقراطي، وقع اختيار المخرج على إثنين من أبناء الحي، الأوّل شخصية "الدكتور يوسف" وهو دور جريء لعمرو واكد. هو طبيب تخدير، مولع بالإستماع لمرضاه في مرحلة هذيانهم تحت تأثير المخدّر. يعمل نهاراً في مستشفى حكومي ليكون هذا العمل هو الوجه الأول له، الوجه الخالي من الأسرار، لكننا لا نلبث أن نكتشف أنه يعمل ليلاً في عيادة مشبوهة لإجهاض وترقيع المغتصبات والمغرر بهن. ندخل معه هذا العالم السري المليء بالأخطاء والضحايا. والدكتور يوسف يفضّل العيش في سيّارته. وليست له علاقات عاطفية عابرة، سوى علاقته الحميمة والغير مُستقرّة مع عشيقته "مروى" (النجمة درّة).

الشخصية الثانية هي المذيعة "ليلى"(هند صبري)، لها برنامجها الخاصّ "أسرار الليل" في الإذاعة، تستمع إلى قضايا الناس ومشاكلهم العائلية والعاطفية ساعيةً لإيجاد الحلول لها. "ليلى" لا تزال تعيش مع والدتها ولا توضح خيوط الفيلم أنها تعيش علاقة حب.

هاتان الشخصيتان متقاربتان ببنيتيهما النفسية، وكل واحد منهما يعبّر عن مخاوفه وهذيانه في هذه الحياة، بطرق متقاربة جداً.

تفوّق عمرو واكد بمشاهده المنفردة، شاكياً هُمومه أمام الكاميرا. مونولوغ رفيع المستوى، أدّاه بحِرفية عالية. هو المتلصصّ على مرضاه وعلى أحاديث العُشّاق في حديقة الأسماك وعلى الكورنيش. أمّا هند صبري فهي مشابهة نفسياً وحياتياً لشخصية الدكتور يوسف. هي التي تستمع الى حالات الحزن والكآبة، تراقب من بعيد مشاكل الناس كأنها منسحبة من الحياة.

إخراجياً، لم يفرض يُسري نصرالله تعاطف المشاهد مع أبطال فيلمه. فشخصياته دائمة الخوف من المجهول، وتخفي همومها الشخصية وراء ستار مخاوف الناس، وفي مرات تبدو معقدة يَصعب الدخول الى ما يدور في خوالِجها.

"جنينة الأسماك" فيلم روائي مبني على سياق درامي واحد، لا يبلُغ الذُروة أبداً، وقد يَشعر المُشاهد غير المتابع لهذا النمط من الأفلام الدرامية ببعض الملل. فليس هناك من حدث قد يقلب المقاييس. إنها الخطوط الدرامية المتكاملة لتجسيد الخوف الذي يُسيطر على كلّ الممثلين. فالشّخصيات في الفيلم، كالأسماك المحبوسة في حوض الماء، قد تتعايش مع بعضها البعض، لكنها مضطربة، محصورة في الخوف ويُضنيها انتظار المجهول... ولا أحد من أبطال الفيلم أو شخصياته يبوح بما يُخفيه. إنها فوبيا درامية بإمتياز.

سعى نصر الله إلى جعل كل مشهد في فيلمه جديراً بالمُتابعة من خلال لُغته السينمائية العابقة بالرمزية والإشارات التي أغنت الفيلم. فحوض الأسماك هو المجتمع الهائم الضائع، وأفراد المجتمع هم الأسماك بذاكرة شبه معدومة وقلق مُستدام.

يتميز فيلم نصرالله بصورة أوروبية وأداء خيالي للممثلين وبتصوير جماليّ وتوليفة متوازية، برزت في أكثر من مشهد، مثل مشهد الأوتوستراد والمُظاهرات في الشوارع، وقد شكّلت صورة موازية للضجيج والضياع الذي يعانيه المُجتمع وشخصيات الفيلم تحديداً، فهي شخصيات ضعيفة وأي شيء قادر على كسرها وعلى أن يُرديها أرضاً.

السرد ليس تقليدياً في الفيلم، فهو متميّز ومختلف. لكل صورة دلالتها وكلماتها السينمائية البليغة. نحن أمام سينما أشبه بسينما جان لوك غودار وتزيغا فرتوف.


"جنينة الأسماك" يعرض الإثنين 15 كانون الأول/ديسمبر، 6:30 مساءً، في "مترو المدينة" – الحمرا - بيروت.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها