الخميس 2014/11/13

آخر تحديث: 12:31 (بيروت)

فيلم "وينن" عن مخطوفي الحرب... حقاً وينن؟!

الخميس 2014/11/13
increase حجم الخط decrease
إنهم 17000 مفقود ومخطوف، بانتظارهم 17000 عائلة: أمهات، زوجات وأخوات فقدن أغلى ما عندهن. لقد فقدوا ربَ العائلة والابن، الظهر والسَند. 30 عاماً مرَت على الاختفاء القسري، أيام وليالٍ من الانتظار المضني. اين هم هؤلاء؟ أحياء أم أموات؟ نساء شبِعن الانتظار في بيوتهنَ وفي خيِم الاعتصامات والتَجمعات والمُظاهرات. "وينن"؟ مَن طال انتظارهم بمرارةٍ وحسرة واشتياق؟ هل سئِمن الانتظار؟ لا علم و لا خبر. انها الدرب الطويلة في مشوار المجهول. للأسف يا أحبة، لقد خُطفتم مفي أرضِ بلدٍ لا يهمُه أمركم. إنه وطن اُمراء الحرب.. قتلوا وذبحوا عائلاتِكم بقسوة الانتظار. من يُحاسب او يُعاتب؟ هل ما زالوا على قيد الحياة؟ أين الدولة؟ أين لجان حقوق الإنسان؟ أين القوانين التشريعية؟ أين تحركات مجتمعنا المدنيَ في ما خلا جمعيات الأهالي المنتظرين؟ شريعة الغاب هي الحاكمة، للأسف.

هذه الصرخات التي علت، ولم تلق جواباً، تُرجم صداها أخيراً بنصَ سينمائي، في فيلم "وينن"ـ من كتابة جورج خباز. مشروع طلاب متفوقين من "جامعة سيدة اللويزة"، بسام لحود ونقولا خباز، وبالتعاون مع "مؤسسة إميل شاهين"، 7 طلاب و7 قصص في فيلم واحد. سابقة سينمائية لم تشهدها الشاشة الكبيرة اللبنانية من قبل، لكننا ألفناها في السينما العالمية، مثل فيلم: "نيويورك أحبَك" (2008). هي الأفلام المقسَمة الى أقسام، لكن هنا القصة اختلفت شكلاً ومضموناً. هنا القضية قضية أهل وبلد ورأي عام. إنها صرخة أهالي المخطوفين والمفقودين خلال الحرب الاهلية اللبنانية.

جورج خباز المعروف بأدواره المسرحيَة والتلفزيونيَة، وكتاباته المختلفة، جمع 7 مواهب إخراجية في فيلم واحد. 7 قصص و7 حالات قام بإخراجها كل من: ناجي بشارة، جاد بيروتي، زينة مكي، طارق قرقماز، كريستال اغنيادس، سليم الهبر وماريا عبد الكريم. متعاونين مع ممثلين محترفين: أنطوان ولطيفة ملتقى، تقلا شمعون، كارمن لبس، كارول عبود، ديامان بو عبود وندى ابوفرحات. وإطلالات خاصة لطلال الجردي، ليليان نمري، رودريغ سليمان وإيلي متري. 7 فصول و7 نساء عانيَن الامرَين وذقن مرارة الانتظار. 7 نساء بانفعالاتهنَ وحزنهنَ، جمعن القلق والخوف بآلاف الاسئلة التي لم تلق أجوبة إلى الان.


صوَب نصّ الفيلم سهامه الى قلوب الزوجات والأمهات والأبناء والأحفاد. فالسينما اللبنانية لطالما عاصرت الحرب، من المخرج مارون بغدادي الى نادين لبكي، لكن "وينن" حمل شكلاً ومضموناً مختلفين. أتى القسم الأول منه بعنوان: "كارول" من إخراج ناجي بشارة، بطولة كارول عبود، مشاركاً إياها رودريغ سليمان. هي كارول التي فقدت والدها في الحرب ولا تعلم عنه أي شيء حتى اليوم، هي الآن مديرة جمعية تُعنى بشؤون مخطوفي الحرب، وتجنَد طاقاتها بكل ما لديها من قدرة.

أخرج جاد بيروتي القسم الثاني من الفيلم بعنوان "لطيفة"، تمثله لطيفة ملتقى، ويمكن القول أنه من أفضل أقسام الفيلم. تؤدي لطيفة ملتقى دور الأم الطاعنة في السن، التي أكل الهمّ تفاصيل وجهها مع زوجها الكبير أنطوان ملتقى. سوياً يتنظران عودة ابنهما المختفي منذ 20 عاماً. هي الأم المُناجية للسيَدة العذراء، لتعيد لها ابنها. نراها تُخاطب ابنها وكأنه لم يفارقها يوماً. هي التي كادت ان تختنق بدموعها، لم تمنعنا من ذرف دموعنا.

القسم الثالث أخرجته زينة مكي وهو بعنوان: "تقلا". مثلته تقلا شمعون الآسرة بحضورها. فهي، رغم فُكاهة النص الذي اضافته ليليان نمري، فقدت أخاها وتشبَثت بقرار عدم الارتباط. احتدام داخلي نقلته تقلا شمعون زارِعةً الحُزن في القلوب.

طارق قرقماز عالج جيداً القسم الرابع وهو بعنوان "ديامان"، وتناول قصَة ديامان بوعبود، الفتاة المعاصرة بحياتها الصَاخبة. هي الابنة التي فقدت والدها. هي التي عصفت بها رياح الفقدان، لتحمل الينا معاناتها النفسية وتخبَطها الاجتماعيَ وعلاقاتها العاطفية العابرة.

أما في الجزء الخامس، الذي أخرجته كريستال اغنيادس بعنوان "كارمن"، فيروي قصة المرأة، كارمن لبس، التي فقدت زوجها وهي الآن على علاقة عاطفية مع الممثل الشاب جوليان فرحات. هي الزوجة التي قد ربما سئمت الانتظار فكان لا بد لها من الاستمرار بحياتها ولو على مضض.

" ندى"، الجزء السادس الذي أخرجته ماريا عبد الكريم، وأدت بطولته ندى بوفرحات إلى جانب طلال الجردي في دور زوجها السياسيَ المعروف والمستفيد الأكبر لتحركات زوجته المناضلة لقضية المخطوفين اللبنانيين، هي التي فقدت استاذها وحبيبها السابق.

اما الجزء السابع بعنوان "ساحة الاعتصام"، فهو الجزء الأخير الذي جمع كلَ الممثلين، من اخراج سليم الهبر. النساء اجتمعن حاملين قضيتهن الانسانية السامية. في هذه الساحة اجتمعت الأوجاع وحالات الأسى والانتظار والقلوب التي أضناها الحُزن والاشتياق.

جورج خباز الذي عوَدنا على تناول المواضيع الإنسانية في التلفزيون والسينما، أعاد الكرّة في "وينن". لغة سينمائية شيقَة، بعيدة من التكلَف والمشاهد الطويلة المملَةن رَغم أن الفيلم ذو سرد دراميَ جديد على المُشاهد، فالسَيناريو كان متماسكاً والحوار يتسم بالرقي، بتوليفة محبوكة جيداً ومتناغمة مع أداء الممثلين. إنها إزدواجية الحاضر بالماضي. الماضي الذي أخذ وأبعد من يُحبَهم قلبنا وجال بهم بعيداً. وحاضرنا الذي أغفل عنا مآسينا المتراكمة عاماً بعد عام، والمترافِقة بسؤالٍ واحدٍ لم نلق له جواباً... فحقاً: "وينن"؟


(*) يعرض الفيلم في الصَالات اللبنانية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها