الخميس 2016/12/29

آخر تحديث: 14:04 (بيروت)

ريف حمص الشمالي:مستقبل الجيش الحرّ.. والفصائل الإسلامية

الخميس 2016/12/29
ريف حمص الشمالي:مستقبل الجيش الحرّ.. والفصائل الإسلامية
ثبتت الحادثة "فيلقَ حمص" الناشئ كتشكيل أساسي في الريف، وأسست لسلام بارد مع "جيش التوحيد" (شام)
increase حجم الخط decrease
منذ أسابيع عُقدت في ريف حمص الشمالي المُحاصر ندوة بعنوان "مفصلية الجيش الحر"، حضرها لفيف من قادة عسكريين وشرعيين وإعلاميين وغيرهم من نشطاء ومدنيين. المحاضران كانا عضو "هيئة علماء حمص" الشيخ أحمد المحمد، والشيخ فراس غالي من المحكمة الشرعية العليا، وهو شرعي أيضاً في حركة أحرار الشام الإسلامية. المحمد انتقد بشدة سلوك بعض التيارات والمجموعات الإسلامية في تشويه الجيش الحر وفنّد الافتراءات عليه، في حين انتقد غالي، الخروج عن الهدف الأولي الذي قامت الثورة من أجله، وهو الحرية والتخلص من الظالم.

السجالات التي أعقبت مداخلات الجمهور، كانت قوية بما يكفي للدلالة على شدة الجدل داخل دائرة رجال الدين أنفسهم الذين بات قسم كبير منهم غير راض عن النتائج التي انتهت الثورة إليها بسبب سياسات بعض التشكيلات الإسلامية.

الندوة كحوار، وإن لم تكن الأولى، وبصرف النظر عن ضعف إدارتها، مؤشر مهم على تطور ولو كان متواضعاً، على مستوى الخطاب السياسي في المنطقة، والتركيز على إعادة الاعتبار للجيش الحرّ والتلميح إلى وجوب إعادته كبديل وحيد. هذا الطرح من قبل رجال دين يدل على قوته، لكنه لا يسدّ الهوة العميقة التي سبَّبها تغييب سؤال ابتدائي عملاني في "تحديد الماهية قبل الخوض في أعراض الهوية".

في ظل غياب التنظيم الهرمي لمؤسسة ما وانعدام أية مرجعية إدارية، فإن كافة الاستقراءات لواقع تشكيلات الثورة المسلحة، منذ خمس سنوات وحتى تاريخه، لا تحيل إلا إلى العامل الأيديولوجي والحزبي الإسلاموي كمعيار سلبي للتحديد. فالجيش الحرّ هو كل الفصائل التي لا تتقيد أو لا تتبنى أهدافاً من صلب الإسلام السياسي، من قبيل إقامة دول أو إمارات إسلامية. أما من حيث المعيار الإيجابي فلا يتجاوز تعريفه الجانب الوظيفي، بأنه يضم كافة الفصائل التي تلتزم فقط بهدف إسقاط النظام وحماية الشعب السوري. وهو هدف مرحلي لا يقوم وحده كركيزة لبرنامج ما. لذا فالإشكالية الأولى في المفهوم، هي غيابُ المشروع أو الرؤية متوسطة المدى ناهيك عن البعيدة. وهذا بخلاف مشاريع التشكيلات الإسلاموية بصرف النظر عن مضمونها وما يمكن أن يثور بشأنها من نقد.

لكن هل يكفي هذا المعيار وحده لتحديد الجيش الحرّ بفصائله وتشكيلاته وطبيعة تحالفاتها؟ في ريف حمص الشمالي يمكن تحديد التشكيلات الكبرى من حيث مجهودها الحربي وعدد نقاط رباطها وتعدادها وعتادها بالآتي: "جيش التوحيد" و"فيلق حمص" و"حركة أحرار الشام" و"جبهة فتح الشام". وبحسب معيار الأيديولوجيا، يعتبر كل من "التوحيد" و"الفيلق" من تشكيلات الحرّ، بينما "الأحرار" و"فتح الشام" من التشكيلات الإسلامية. ويمكن إضافة كل من "فيلق الشام" و"حركة تحرير وطن" وغيرهما إلى تصنيف الحرّ، وكذلك إضافة "لواء 313" و"أهل السنة" وغيرهما إلى الفصائل الإسلامية.

التصنيف السابق دقيق تماماً في تطبيقه على كافة التشكيلات وفصائل الثورة السورية على المستوى النظري. فهل هو كذلك على المستوى العملي؟

في أعقاب سقوط حمص في مايو/أيار 2014، ودخول فصائلها مع فصائل بابا عمرو القادمة من القلمون إلى ريف حمص الشمالي، طرأت تغيرات على موازين القوى، وبالتالي كان لابد من هزات عنيفة أحياناً تعكس تأثر البيئة الاجتماعية بالدرجة الأولى وانعكاساتها، وعلى شكل العلاقات بين التشكيلات المحلية القديمة والجديدة الوافدة.

في أغسطس/آب 2014 وقع الصدام الأول الذي لم يتجاوز استعراضاً للقوة بالسلاح الثقيل ضد "جبهة النصرة" من قبل "لواء الإيمان" وهو أكبر تشكيلات تلبيسة والأساس لتشكيل "جيش التوحيد" لاحقاً. وجاء الصدام على خلفية تذمر الأهالي من تحكم "النصرة" وتدخلها في شؤون المدنيين وفرضها فهمها وتأويلها الخاصين بالشرع والدين. وهو ما استخدمه "لواء الإيمان" على نحو ترتب عنه إخراج "النصرة" من تلبيسة، من دون إراقة دماء. قد يُفهم هذا ضمن تفسير الصراع مع منهج السلفية الجهادية الغريب على بلدة تلبيسة.

لكن ما إن أطلت سنة 2015 حتى كان الريف يغلي إثر واقعة خطيرة تمثلت في اعتراض سيارة قائد "فيلق حمص" ناصر النهار، وخطفه وقتل أحد مرافقيه، من قبل عناصر يرتدون زي "داعش" ويحملون راياتها، ليتبين في ما بعد أنهم من "لواء أسود الإسلام"، أحد تشكيلات تلبيسة، ويقوده رافد طه. ردّ "فيلق حمص" كان قاسياً، إذ قامت مجموعة منه باعتقال قائد "لواء الإيمان" منهل الضحيك، على خلفية الروابط العائلية والمناطقية بين "الإيمان" و"أسود الإسلام"، المنتميين إلى بلدة تلبيسة، في حين أن "فيلق حمص" يُعود في جزء كبير منه إلى مقاتلي حمص وبابا عمرو. ومن حسن الحظ أن تدارك البعض الأمر وتم احتواؤه بالاحتكام إلى الشرع.

وإذ ثبتت هذه الحادثة "فيلقَ حمص" الناشئ كتشكيل أساسي في الريف، فإنها في الوقت نفسه أسست لسلام بارد طبع علاقته مع "جيش التوحيد"، وهما الفصيلان الكبيران غير المتخلفين في البنية والهدف. وهو برود سيتفعل أكثر مع اندلاع معارك "الدواعش" في الزعفرانة وتلبيسة في صيف العام 2015، وسيدفع "فيلق حمص" نحو التنسيق مع "أحرار الشام" و"جبهة النصرة". بينما سيكون "جيش التوحيد" في عزلة في بلدة تلبيسة. وسيكون الخاسر الأكبر من كل ذلك، هو الجيش الحرّ.

التباين الشديد بين البنيوي والتاريخي، بين النظري والعملي، يعود إلى عامل المناطقية. فتشكيلات الجيش الحرّ عموماً، كانت وما تزال، تعتمد على تجميع عناصرها وقادتها على أساس الانتماء للحارة أو المدينة أو القرية والمنطقة. بخلاف عامل التجميع العقائدي والمنهجي عند التشكيلات الإسلامية الأكثر شمولاً وتجاوزاً للمناطقية التي تأخذ في أبرز تجلياتها، كما في حالة "فيلق حمص" و"جيش التوحيد"، مظهراً حاداً لمشكلة ثنائية ريف/مدينة المزمنة. هذه الإشكالية الثانية تنسل من التاريخي لتصير أزمة بنيوية في مفهوم وقوام الجيش السوري الحرّ.

إذا وازنا بين التنظيم والإدارة في كل من "فيلق حمص" و"جيش التوحيد" وغيرهما من فصائل الحرّ، وبين "أحرار الشام" و"فتح الشام"، فإنا سنجد الميزان مختلاً بشكل كبير لصالح المجموعة الإسلامية عموماً. وهنا لا يكفي التفسير بسلطة العقيدة والمنهج، بل لا بد من الانتباه إلى توافر الكفاءات العلمية والوعي المجتمعي لدى الأخيرة على نحو لا يمكن مقارنته بما لدى تشكيلات الحرّ التي لا تزال تقاتل بالعقلية والآليات نفسها منذ سنوات خمس. ومع أن إشكالية التنظيم والإدارة هذه قد تنبه إليها مؤخراً عدد من قادة الحرّ، وعملوا على تدارك حلها، فإن المردود كان أدنى بكثير من اللازم بسبب الوعي الفردي والمحدود، وضآلة الموارد البشرية والكوادر المؤهلة، وأيضاً ضعف الإمكانيات المادية مع سوء استخدامها في الوقت نفسه.

لا يبدو نموذج الجيش الحرّ قابلاً للتطبيق والتعميم طالما لم تُعالج إشكاليات انعدام الرؤية وهشاشة التنظيم وضعف الإدارة، التي ترتقي إلى مرتبة أزمات يزيد في إوارها غياب أية إدارة منذ انهيار "أركان الجيش الحر" الهشّة بعد حادثة سلب مستودعاتها في أواخر العام 2013. ورغم الصعوبات الهائلة التي تكتنف معالجتها، فإن ضراوة الظروف الميدانية والعسكرية والسياسية التي تنذر باقتلاع الثورة برمتها، وكذلك ما ظهر مؤخراً في أعقاب سقوط حلب من مشاريع متأرجحة بين أقصى الإسلاموية وأدنى الوطنية، لتوحيد التشكيلات المسلحة، كل ذلك يجعل الحل، ولو بالحد الاسعافي أمراً داهماً وعاجلاً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها