الأحد 2016/11/27

آخر تحديث: 09:17 (بيروت)

ماذا وراء التصعيد العسكري ضد حي الوعر الحمصي؟

الأحد 2016/11/27
ماذا وراء التصعيد العسكري ضد حي الوعر الحمصي؟
النظام لجأ إلى التصعيد المتزايد مستفيداً من تراجع "الأمم المتحدة" (انترنت)
increase حجم الخط decrease
في كانون الأول/ديسمبر 2015، توصلت "لجنة مفاوضات حي الوعر" مع ممثلي النظام، وبرعاية دولية، إلى اتفاق هدنة عُرف بـ"اتفاق المراحل الثلاث". وملخص الاتفاق هو وقف إطلاق النار، والسماح بدخول المواد الغذائية والإغاثية، ثم إطلاق سراح المعتقلين الذين تقدم "لجنة مفاوضات الوعر" لائحة بأسمائهم، وإعادة تشغيل الدوائر الحكومية والمؤسسات العامة في الحي كـ"القصر العدلي" وإدارة البيئة ومخفر شرطة الوعر، وثم تسوية أوضاع الطلاب وكفّ البحث عن المطلوبين من أهالي الحي وإخراج كل من يرفض الاتفاق من مدنيين أو مسلحين، وصولاً إلى "تطبيع الحياة" في الحي ورفع الحواجز العسكرية من محيطه.

حي الوعر الحمصي انضم إلى الثورة منذ أسابيعها الأولى، وعاش نتائج تدمير أحياء حمص الثائرة، مستقبلاً مئات آلاف النازحين الهاربين من المعارك الدموية والحصار والتجويع، حتى تجاوز تعداده السكاني 250 ألف نسمة 80 في المئة منهم من النازحين، أواخر العام 2013. وكان الحي قد خضع لتطويق كامل من قبل قوات النظام، التي وبسبب استغراقها في معارك أحياء حمص المحاصرة وريفي حمص الغربي والجنوبي، آثرت تأجيل تصفية المعارضة في الوعر، وأبقت على معبر واحد فقط هو دوار المهندسين الذي يصل الحي بالخارج، تحت سلطة حواجز النظام الأمنية.

إلا أنه ومع إخلاء تشكيلات المعارضة، من أحياء حمص المحاصرة، بموجب اتفاق أيار/مايو 2014، تفرّغ النظام تماماً لإخضاع حي الوعر مستخدماً أسلوب الحصار والتجويع. وبسبب  الكثافة السكانية الهائلة لحي الوعر، وهي نقطة الاختلاف الجوهرية عن بقية أحياء حمص، فقد لجأ النظام إلى أسلوب التصعيد المفاجئ بالقصف العنيف وبالطيران أحياناً، مع إحكام الحصار بإغلاق المعبر حتى توشك الأوضاع في الحي على بلوغ الكارثة. ثم يعود النظام إلى فتح المعبر لأيام، يدخل خلالها النزر اليسير، ويسمح بمغادرة الهاربين من الأهالي، ثم يعود إلى التصعيد وهكذا. تلك السياسة خفضت تعداد سكان الحي ليبلغ اليوم نحو 50 ألف نسمة.
اتفاق كانون أول 2015 تميز برعايته الدولية، ووقع عليه كل من سفير "الأمم المتحدة" يعقوب حلو، وسكرتيرة "المكتب السياسي" للمبعوث الدولي، خولة مطر.

ولمدة قصيرة بدت الأمور وكأنها تسير بشكل مقبول، إذ دخلت المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية، لأول مرة منذ شهور إلى الحي، وإن كانت ضمن تحكم النظام في منع بعض اللوازم كالأدوية والمعدات الطبية وفي تقنين المواد الغذائية. والتزمت "لجنة مفاوضات الوعر" بإخراج دفعة من 250 من مقاتلين وجرحى وبعض المدنيين بعد أيام من توقيعه. لكن الخروق وأعمال القنص والقصف كانت تتجدد، ما دفع "لجنة التفاوض" في نهاية كانون أول 2015، إلى إصدار بيان حول حقيقة تصرفات النظام واستغلاله للأدوات التي يملكها وعدم جديته في تنفيذ البنود ورغبة الحي الشديدة في العيش الكريم.

بند إطلاق سراح المعتقلين كان نقطة التفجير، كلما أُثير الانتقال إلى مرحلة جديدة من الاتفاق؛ ففي البند الرابع من التعريفات الايضاحية، يرد بشكل صريح عدم جواز الانتقال في التنفيذ إلى مرحلة متقدمة قبل إتمام المرحلة السابقة وإجراء جلسة تقييم لها بين الأطراف. وقدمت "لجنة مفاوضات الوعر" كشفاً بأسماء 7365 معتقلاً منذ الشهر الأول من الاتفاق، لكن النظام لم يكشف سوى عن 1108 معتقلين في سجونه وفروعه الأمنية. ولم يفرج لاحقاً سوى عن 194 معتقلاً، بينهم 17 امرأة. وكان رد النظام المعتاد عند تمسك "لجنة المفاوضات" بضرورة إتمام تنفيذ الاتفاق، هو التصعيد بالقصف وبإغلاق المعبر للتجويع بقصد الضغط لتجاوز هذا البند برمته. لكن هل يمكن فعلاً حصر أزمة الوعر المستمرة منذ توقيع الاتفاق في كانون 2015 في قضية المعتقلين؟

محافظ حمص طلال البرازي، اعتبر الاتفاق "مصالحة وبدء عودة حي الوعر إلى حضن الوطن" بإخراج جميع المقاتلين من الحي على دفعات، مشيراً إلى إفراغ الحي تماماً من الثوار، فيما اعتبرت المعارضة الاتفاق ضرورة لرفع المأساة عن الحي الذي أرهقه الجوع والقصف، ورفضت أن يكون من ضمن الاتفاق أية فقرة أو إشارة إلى إخلاء الحي من الثوار إلا من بعض رافضيه. أما الأمم المتحدة، فلم يكن لها اهتمام أكثر من تطبيق نموذج ناجح، ولو شكلياً، لحل قد يُعتمد في كافة مناطق سوريا الثائرة. الأمم المتحدة عادت وتملصت من الاتفاق في أيلول/سبتمبر 2016.

تناقض في أهداف الاتفاق وأغراضه، كما يراه الطرفان. يُضاف إلى ذلك، عدم وحدة ممثلي النظام وعدم اتفاقهم على سبيل واحد في التعامل مع حي الوعر. فبحسب شهادات من أعضاء "لجنة المفاوضات" ثمة جناحان أو أكثر داخل "لجنة ممثلي النظام": هناك من يريد خياراً أمنياً، ومن يُفضّلُ حلاً شبيهاً بالذي اتبع لإخلاء حمص المحاصرة في مايو/أيار 2014.

ومع أن الدفعة الثانية من المسلحين، غادرت حي الوعر إلى ريف حمص الشمالي في أيلول/سبتمبر 2016، فالنظام لجأ منذ ذلك الحين إلى التصعيد المتزايد مستفيداً من تراجع "الأمم المتحدة" وغياب أي إشراف دولي. ولعل ما حققه النظام من إجلاء مقاتلي وسكان داريا، والهامة وقدسيا، من دون شروط، دفعه إلى مزيد من التصلب والتنصل من التزاماته تجاه حي الوعر.

القصف والحصار مستمران اليوم وإن توقفا فإلى حين. وكلمات عضو "اللجنة الأمنية" رئيس فرع "أمن الدولة" في حمص عقاب صقر، عن "هدم الوعر على رؤوس ساكنيه، إن لم يقم مسلحوه بتسليم سلاحهم وتسوية أوضاعهم"، ما تزال تتردد أصداؤها كاشفة كغيرها من تصريحات المسؤولين عن تصميم النظام على تصفية آخر معاقل المعارضة الباقية في مدينة حمص، التي كانت ذات يوم عاصمة الثورة السورية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها