الإثنين 2016/12/19

آخر تحديث: 13:44 (بيروت)

أجراس حلب تُقرع في ريف حمص الشمالي

الإثنين 2016/12/19
أجراس حلب تُقرع في ريف حمص الشمالي
سُجلت مداخلات غاضبة يعلن فيها بعض القادة تنازلهم عن أية صفة قيادية لصالح أي مشروع اتحادي جامع (المدن)
increase حجم الخط decrease

شوارع سوريا قبل التطورات الأخيرة في حلب غير ما بعدها. ففي مدينة الرستن، كبرى حواضر ريف حمص الشمالي الخاضع لسيطرة المعارضة منذ العام 2013، استمرت حركة الناس المعتادة وشعور اللامبالاة السائد في المدينة المستهدفة يومياً بقصف من مدفعية وطيران النظام، لكن يكفي ذكر حلب على المسامع لتنقلب لامبالاة الناس إلى هياج يُظهر النقمة والغضب والخوف، وربما يُخفي مكونات أخرى.

في ظهيرة 16 كانون الأول/ديسمبر، تجمّع المئات بكثير من التلقائية والعفوية، ورغم تعالي أصوات المارة محذرة من القصف ازدادت الأعداد. غضب عارم غزا كل المشهد من حركة المتظاهرين إلى أصواتهم إلى نظراتهم. حينها اندلعت مشادات كلامية حادة بين المتظاهرين، بسبب رفع بعضهم لرايات سوداء وأخرى بيضاء. حسم الأمر بسرعة. لا رايات أبداً. وتعالت هتافات أليمة لحلب، وأخرى ناقمة ضد قادة التشكيلات والفصائل الذين فشلوا في الاتحاد في كيان سوري واحد، بينما الثورة توشك على إتمام عامها السادس.

أحد الشباب المنظمين، مهند، قال إن سبب رفض الرايات لأنها لا تمثل غير فصائل وتشكيلات "لم تأتِ بما وعدت"، وأضاف أن "الدين شيء والرايات وأصحابها شيء آخر". تحلق المتظاهرون حولنا حين صاح أحدهم: "لكننا مسلمون!"، فأجاب مهند: "إننا مسلمون ومتمسكون بديننا الذي لا يمثله ولا يختصره فصيل ولا راية". ورغم التحذيرات المتواصلة من القصف، استمر الحديث وأردف مهند: "لو بيننا اليوم سوري علوي أو من أي طائفة يغضب معنا من أجل حلب ويستنكر معنا وضد تراخي قيادات الثورة لكنا معه كما كل منا مع الآخر". أثار ذلك تأييد المتظاهرين. فصوت مهند العفوي، كان نبض الناس الذين سُرقت ثورتهم، وتحالف عليها القاصي والداني.

لم تمضِ نصف ساعة، إلا وانفضّ الجميع على موعد جديد للتظاهر مساءً. لكن المحذّر منه قد وقع بعد أقل من ساعة؛ فاستهدفت قذائف مدفعية قوات النظام المكان لتقتل ثلاثة من المارة.
ومن الرستن شمالاً حيث تتواجد كافة الفصائل، والإسلامية منها، إلى قرية الدار الكبيرة في أقصى جنوب الريف الشمالي لم تهدأ التظاهرات الغاضبة لحلب، والداعية إلى اتحاد كل التشكيلات في جيش واحد للثورة. الرايات التي رفعها المتظاهرون في الدار الكبيرة كانت حصراً علم الاستقلال السوري، علم الثورة السورية. والأمر مفهوم طبعاً لأن لا وجود في المنطقة لتشكيلات غير الجيش السوري الحر.

في كل الأحوال، تُظهر التظاهرات حالة الغضب العارم الذي قد ينذر بعواقب ليس أقلها ما حدث في الشمال السوري من حالات دهم مقرات لبعض الفصائل، أو رفع شعارات مؤيدة ومطالبة بعودة تنظيم "الدولة الإسلامية". وكل هذا يجب أن يكون في الحسبان طالما أن الحالة السائدة الآن هي الفوران الانفعالي الذي يشكل بيئة خصبة لعمل الأجهزة الاستخباراتية وغيرها من جهات مناوئة على اختلافها.

ليس بعيداً عن تظاهرات الرستن كان ثمة ردّات فعل مختلفة في شكلها وفي مستوى نخبويتها. ففي ظهر 15 كانون الأول/ديسمبر انعقد المؤتمر الأول لنقابة إعلاميي حمص. ورغم عدم الإعلان عن استثنائيته، فقد طغى عليه الحدث الحلبي، وحالة الهيجان الشعبي في ريف حمص الشمالي وفي عموم سوريا. حتى الأسئلة والتعليقات والمداخلات كلها كانت مطبوعة بالأحداث الجسيمة. ماذا عن العمل الإعلامي الثوري بعد حلب؟ ما طبيعة عمل الإعلام كفرد وعمل النقابة كتجمع إعلاميين بعد حلب؟ ما واجبات النقابة والأعباء الواقعة على كاهلها تجاه الشارع وتجاه المؤسسات والهيئات المدنية الثورية وتجاه قيادات التشكيلات والفصائل العسكرية الثورية؟ كلها كانت عناوين الهموم التي أرخت بظلالها الثقيلة على الإعلاميين ونقابتهم ليكون مؤتمرهم الذي طال التحضير له أقرب إلى اجتماع طوارئ.



نقيب الإعلاميين باسل عزالدين، تحدث لـ"المدن" عن طبيعة المرحلة الصعبة، فقال: "العمل الإعلامي الثوري لم يعد ممكناً بشكله ومضمونه السابقين. ثمة أحداث مصيرية ومنعطفات حادة جداً، منها أحداث حلب، تفرض علينا كإعلاميين العمل بفكر وأسلوب مختلفين. علينا دوماً أن نكون في صف شارع الثورة لكن علينا أيضاً الحذر واليقظة من أي تداخلات مشبوهة تستغل حالة الهيجان الشعبي لضرب الثورة باسم الثورة".

أما في الركن الأكثر سرية فثمة اجتماعات قادة ومندوبي التشكيلات والفصائل المسلحة، والتي تضم أيضاً عدداً من الثوار المدنيين من أصحاب الاختصاصات في الإدارة والتنظيم والقانون، إضافة إلى بعض المشايخ من "هيئة علماء حمص". ولئن كانت هذه الاجتماعات دورية منذ شهور طويلة، فإنها في جلساتها الأخيرة وعلى وقع أحداث حلب قد أصبحت أكثر سخونة وإلحاحاً باتجاه إنجاز توحيد شامل لكل التشكيلات والفصائل تحت قيادة موحدة. لا بل سُجلت مداخلات غاضبة يعلن فيها بعض القادة، وهم يطالبون بتوثيقه في محضر الاجتماع، تنازلهم عن أية صفة قيادية لصالح أي مشروع اتحادي جامع. والحق أنه برغم جدية بعضهم وتلكؤ بعضهم الآخر فإن الحالة السائدة هي السعي الحثيث نحو مشروع اتحادي ناجح في ظل ظروف موضوعية لا تضمن النجاح لكثير من أشكال ذلك الاتحاد.

هكذا يبدو المشهد في ريف حمص الشمالي اليوم وهو لا يختلف عنه في الشمال السوري إلا بمقدار وطأة الحصار والقصف اليومي المعتاد. النقمة والغضب يكشفان عن الشعور بالإحباط الناتج عن الانتكاسات والنكبات التي أصابت الثورة لا سيما في حلب، كما يكشف عن الخوف من تمدد ما حدث في حلب إلى مناطق أخرى كإدلب وريف حمص.

قد يكون صحيحاً أن النظام وحلفاؤه، بعد كل مكاسبهم الأخيرة، لا يسيطرون على أكثر من 33 في المئة من الأراضي السورية، لكنه من الصحيح أيضاً أن استمرار العمل والأداء الثوري بذات الأساليب والتنظيمات السابقة سيؤدي إلى وأد الثورة وخسارة كافة مناطقها. هذا هو ما يجول في الوعي الشعبي كما في وعي النخبة الثورية من قادة وإعلاميين ونشطاء. قد يكون ذلك أول التغيير وبداية ثورة تصحيح مسارات. لكن لا يمكن التفاؤل كثيراً طالما الحيز ضيق والأفق الدولي مسدود وإمكانيات التداخل المخابراتي الخارجي ممكنة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها