السبت 2016/10/29

آخر تحديث: 13:10 (بيروت)

ضربة موجعة للمعارضة في ريف حمص الشمالي

السبت 2016/10/29
ضربة موجعة للمعارضة في ريف حمص الشمالي
دور الضباط وقدراتهم على ضبط العمل العسكري والارتقاء به من العفوية إلى الحرفية (انترنت)
increase حجم الخط decrease
قُتلَ اثنان من كبار الضباط المنشقين عن النظام، من القادة في الجيش الحر، قبل يومين، في ريف حمص الشمالي المُحاصر، برصاص قناصة من مليشيا "الدفاع الوطني"، أثناء قيامهما بمهمة استطلاعية لمواقع المليشيات وتحصيناتها. والضابطان هما رئيس "المكتب العسكري" في "فيلق حمص" العقيد الركن شوقي أيوب، ورئيس "قسم الإشارة" في "الفيلق" المقدم المهندس فيصل العوض.

وبعد ساعات قليلة من انتشار الخبر، كانت مدينة الرستن، مسقط رأس العقيد شوقي أيوب، في حالة غليان، بعدما أمتّها أعداد غفيرة من المشيعين. ولم ينته الأمر عند هذا الحد، إذ أغار طيران النظام الحربي على الجنازة، ما تسبب في مقتل المستشار العسكري العام لـ"فيلق حمص" العميد محمود أيوب، والملازم أول حازم الأشتر، من "حركة تحرير وطن".

مقتل أربعة ضباط في يوم واحد، ثلاثة منهم من كبار الضباط الأحرار، سواء من جهة الرتبة أو الخبرة أو الدور القيادي والإسهام في أغلب المعارك التي شهدتها المنطقة ضد قوات النظام خلال السنتين الأخيرتين، كان ضربة موجعة لريف حمص الشمالي.

كثيرون من الضباط الأحرار كانوا قد لاقوا حتفهم، في المعارك أو القصف وعمليات القنص، إلا أن ردة الفعل هذه المرة على المستويين الشعبي والرسمي في مناطق المعارضة، قد تدل على استثنائية الحدث بوقعه ودلالاته، وربما الاستشعار بنتائجه المحتملة.

أعداد المُشيعين الحاشدة في جنازة العقيد شوقي أيوب، وبيانات التعزية الرسمية الصادرة عن تشكيلات وفصائل كافة المناطق المحررة، من درعا جنوباً وحتى حلب وإدلب شمالاً، قد تقطع الطريق أمام التفسيرات القائمة على أساس عامل القربى والجوار. فالضباط الأربعة هم من أبناء ريف حمص الشمالي، ثلاثة منهم من مدينة الرستن. وإذا كان من الممكن أن يفسر ذلك ردة الفعل الشعبية، فإن تجاوب فصائل الجيش الحر في مختلف المناطق يدفع إلى تجاوز التعليلات القائمة على البعد الشخصي والاجتماعي، لصالح إعادة النظر في ظاهرة الضباط الأحرار، وتوضيح ما طرأ عليها من تغييرات خلال الفترة الماضية.

ضابط المدرعات العقيد الركن شوقي أيوب، كان قد انشق عن قوات النظام منذ شهور الثورة الأولى، لكنه تعرض للاعتقال وقضى في سجن صيدنايا أكثر من سنتين. وبعد إطلاق سراحه نجح في الإفلات من رقابة أجهزة النظام الأمنية والوصول إلى ريف حمص الشمالي المحرر.

في ذلك الوقت، كانت تجربة الضباط الأحرار في تشكيل "مجالس عسكرية" تتبع لـ"رئاسة الأركان العامة" التابعة بدورها لوزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة، قد انتهت إلى فشل كامل. وكضابط منشق متحمس للثورة السورية، قام العقيد شوقي بتقديم المساعدة من مشورة للفصائل الثورية ومشاركة في أعمالها. واستمر ذلك حتى التقى بقائد "فوج الفاتحين" ناصر النهار، أثناء حركة إعادة تشكيل فصائل الجيش الحر. و"فوج الفاتحين" ضمّ مقاتلي بابا عمرو القادمين من القلمون، وسيصبح "اللواء الأول" بعد اتحاده مع تشكيلات وفصائل ثوار حمص تحت مسمى "فيلق حمص". العقيد شوقي أيوب، كان من أوائل الضباط الذين انضموا إلى "الفيلق"، والأعلى رتبة فيه، حتى انضمام العميد محمود أيوب لاحقاً.

وكانت سياسة ضم الضباط المنشقين، قد ظهرت على مستوى قيادة "فيلق حمص"، للاستفادة من علمهم العسكري وخبراتهم، وهو الأمر الذي انعكس إيجاباً على أداء "الفيلق" وجهده الحربي، خصوصاً في معارك جوالك في العام 2015 ومعارك حربنفسه والزارة في العام 2016.

يقول قائد "فيلق حمص" ناصر النهار، لـ"المدن": "حين دُفعنا عن السلمية دفعاً إلى العسكرة وحمل السلاح، كنا شباباً في الأغلب من مواليد عقد الثمانينيات. وكما سيطرت على تفكير الجميع فكرة أن النظام ساقط لا محالة خلال بضعة شهور. فلم نلتفت كثيراً إلى التنظيم الاحترافي، ولا إلى الإدارة. ببساطة لم نكن غير مقاتلين عفويين تحركنا العاطفة". لكن مع مرور السنين، و"دخولنا في معارك مختلفة عما خضنا في البدايات، ومع دخولنا إلى مناطق آهلة بالمدنيين، بدأنا منذ فترة غير قصيرة نشعر بالحاجة الماسة للمختصين المدنيين والعسكريين على السواء. وقد كان العقيد شوقي أيوب، رحمه الله، من أوائل الضباط الذين انضموا للفيلق".

حديث ناصر النهار، يعكس في حقيقته وعياً جديداً انعكس على سياسة التشكل التنظيمية والإدارية، بل حتى العسكرية والسياسية، فهل بلغت مساعي القيادة أهدافها؟

المقارنة بين حال "فيلق حمص" قبل سنة أو سنتين، تنظيمياً وعسكرياً، وحاله اليوم، تُظهر الاختلاف الكبير واللافت؛ فهو اليوم تشكيل من أكبر تشكيلات ريف حمص الشمالي. ولعل هذا ما جعل "فيلق حمص"، الذي يضم في ألويته نحواً من عشرين ضابطاً، في مركز الاستهداف بالمراقبة والاغتيال.

دور الضباط وقدراتهم على ضبط العمل العسكري والارتقاء به من العفوية إلى الحرفية، انعكس بشكل مؤثر على مجرى الصراع مع قوات النظام، كما تزايدت فعالية هذا الدور مؤخراً، من بعد فترة خمول.

في الشهور الأولى من الثورة، عارض رئيس أركان قوات النظام العماد علي حبيب، الزج بالجيش في مواجهة المدنيين، بداعي حماية مؤسسة الجيش من الانهيار. ورغم غياب الوثائق التي تثبت تلك الرواية، فالجهود التي بذلتها إيران لدعم النظام، ترافقت مع توجه لديها لتدمير الجيش السوري وتصفية كبار ضباطه، لإحلال الميليشيات الطائفية الأكثر ولاءً وخضوعاً وعقائدية دينية محله.

واليوم يميل كثير من الفصائل المعارضة إلى الاستعانة بالضباط العسكريين المنشقين، إن بسبب الوعي بالحاجة الجذرية، أو بسبب الإدراك بأن الدول المهتمة والمتدخلة في الشأن السوري تفضل التعامل مع ضباط عسكريين في الثورة أكثر من التعامل مع مدنيين يحملون السلاح.

ومقتل الضباط في ريف حمص الشمالي، حادث صادم يثير العديد من التساؤلات، لا عن هشاشة النظام الأمني للفصائل والتشكيلات وللمنطقة ككل فحسب، بل عن اهتمام النظام وأجهزته الأمنية ومتابعتها لعمل الضباط في صفوف المعارضة المُسلحة، بالتركيز على الفاعلين النشطين واستبعاد المنعزلين منهم من دائرة المتابعة الاستخباراتية. وكأنما هو استشعار من النظام بخطر مقبل، قد يتضمن بعد "الحل السياسي" إعادة هيكلة "الجيش السوري" واستعادة الضباط المنشقين فيه.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها