الخميس 2014/08/21

آخر تحديث: 13:31 (بيروت)

أساتذة المدارس

الخميس 2014/08/21
أساتذة المدارس
هيئة التنسيق النقابية أمام وزارة التربية (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

يلتبس خطاب "هيئة التنسيق النقابية" حين تطرح "النظام اللبناني" عدواً لها. وهذا النظام الطائفي، على ما يشيع في وصفه، مما لا يحتاج إلى شرح. ذلك أن تداوله، من دون تعريفات أو استطرادات أو نقد، تعريف آخير له في سياق ضعف المجال العام عندنا، وخطابه التعميمي غير المركب. وهذا التوصيف، المُذم كما يريد قائلوه أن يكون، ليس إلا جزءاً آخر من خطاب نقدي مساير لـ"السيستم" الداخلي، وآلية من آليات إعادة إنتاجه. وتراثه اليساري، في احتراب الـ1975 الأهلي مثلاً، لا آخر له. والحال أن النظر إلى "الهيئة" بما يتجاوز كونها جماعة عضوية مصلحية، تدافع عن حقها الفعلي، وحقوق فئات أخرى، في داخل "تقسيم العمل" النظامي، لا خارجه، يُحمّلها ما لا تحتمل، وما لا تريد ربما، تحمله. لكنها، في سياق آخر، فرصة للتفكير في الأساتذة وشغلهم.

والحال أن التفكير بتجاوز النظام ونفوذه يبدأ بالتفكير في مهنة المُدرس نفسها، وما يُراد لها أن تكون. ولسنا في حاجة للإستناد مثلاً إلى بيير بورديو لنتعرف إلى الدور "الموكل" إلى المدارس وأساتذتها، في إعادة إنتاج الهيمنة والتمييز، ضمن النظام العام وإتجاهه الرسمي. وهذا ما لا يمكن نفيه، كإحتمال، في لبنان. على أن الأساتذة عندنا، وتصريحات "هيئة التنسيق" عينة خطابية وافية، لا يتساهلون في إبراز دورهم الرسالي، كأنه تبرير، هكذا وحده، لمطالبهم. وهذه مشكلة، إذا راجع كل منا سيرته الذاتية وتاريخه المدرسي. وهذا ما لا تُستثنى منه أي مهنة ذات حضور عام، على ما يمكن أن يُقال أيضاً في تعبير الصحافيين، المبالغ فيه، عن أنفسهم. وهذا جزء آخر من "السيستم". وتجاوزه يفترض، أقله، تجاوز هذه التمثلات اليوتوبية لمهنة تؤدي دوراً اجتماعياً ورمزياً في تمتين نسق ثقافي سائد.

قياس هذا الأمر ليس صعباً. ولا يستلزم الركون إلى حدث آخر. اذ يكفي أن قرار منح الافادات حفز انتشار وصف مَن لا يستحقون النجاح، وسيحصّلونه طالما أن الامتحانات الرسمية لن تصحح، بأنهم "حمير". وهذا ما يقصد به، في لغة أخرى، الراسبون المتوقعون. لا يمكن نفي احتمال استفادة طلاب من الإفادات. لكن النظام التعليمي نفسه يعاني من مشكلة في فهمه لضعف قدرات بعض طلابه، وفي تعامله معهم. وهذا التوصيف، "الحمير"، مما لا ينتج عفوياً، بل هو تعبير الاقصاء الذي يمارسه "النظام" ضد غير القادرين، لسبب ما، على تجاوزه. والنظام وفاعلوه، غير مؤهلين، في الغالب، لتقبل تعدد قدرات الطلاب. وهم لا يملكون، في تصفيتهم لهم، غير العنفين المادي والرمزي. وهذا عُطب في "النظام" نفسه، لا في طلاب قد يحققون، في إحتمال آخر، حضوراً مختلفاً. لا يتحمل الأساتذة وحدهم، طبعاً، مسؤولية هذا التنميط والدونية. لكنهم، في حد أدنى، مؤدوه الرئيسيون في الاجتماع، والأكثر نفوذاً ومكانة في "التقييم الذكائي".

الاستمرار في توصيف الدور لا آخر له. وهذه مهمة تلزمها شهادات توثيقية لطلاب في حق أساتذتهم، وتقييما لهم، بعكس ما هو معتمد. على أن هذا المأزق يُحل دائماً، أو يُبرر، بإتجاه هذه المهنة إلى إستيعاب كل القادرين على العمل مِن حملة الشهادات. وهذا مُخرَج "سلبي" آخر للنظام التعليمي. وهذه المهنة، توصيفاً داخل "تقسيم العمل"، هي مهنة استيعاب، لإحتمالات البطالة، قليلة الانتاج والانتاجية، مع تحفظ دائم على التعميم. وهذه وظيفة "رسمية" لها أيضاً. مثلُ ما يمكن أن يُرى "التطوع" في الجيش. وليس بلا معنى أن معركة عرسال حفزت على تصدير العسكريين، في تصريحات الأساتذة، كأحد المستفيدين من اقرار مطالب "هيئة التنسيق"، "كي لا يموتوا فقراء". ويمكن أيضاً تسجيل تحفظ فردي، أخير، ذوقي وجمالي، على لغة الأساتذة وتعابيرهم.

increase حجم الخط decrease