الثلاثاء 2024/03/19

آخر تحديث: 11:53 (بيروت)

سيمون كشر و"مرصد الحوكمة الرشيدة والمواطنة": الإيمان بالعلم والديموقراطية

الثلاثاء 2024/03/19
سيمون كشر و"مرصد الحوكمة الرشيدة والمواطنة": الإيمان بالعلم والديموقراطية
كشر: مفهوم المواطنة مُشوه لدى شعوب المنطقة، وتحديدًا في لبنان (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease

عددٌ لامتناهٍ من البراهين قد نُحاجج بها بكل أريحيّةٍ وثقة، لتأكيد ما هو فعلًا مؤكد: ما نعيشه اليوم، هو ضريبة انزلاق المنظومة السّياسيّة الحاكمة في مستنقع الفساد الآسن، الذي أفرز بدوره الشلّل المؤسساتيّ المُستنزف، وفاقم هشاشة السكّان وفاقتهم، حيث صار التعويل على شفقة الخارج وإحسانه، هو الطموح العموميّ لدى هؤلاء، ومطلبًا أساسيًّا على لائحة الحلّول المتأصلة من القالب الترقيعيّ والمُتعثر نفسه.

قد يسهل علينا، ترديد هذه السّرديّة، وإرفاقها بمزيجٍ من البدائل التّي أثبتت فشلها تباعًا؛ لكن نادرًا ما نلتقي بطروحاتٍ جديّة، تستدعي التوقف عندها، وتفحص سياقها التاريخيّ، وبالتالي العودة إلى أصل المأزق، جوهره، إلى اللحظات الأوليّة التّي انهارت فيها المداميك المؤسسة لبناء الدولة والمقدرة على حوكمتها بتبصُّر، وفقدنا معها مفهوم "المواطنة"، والثقة به للتصرف على أساسه.

وانطلاقًا من الحاجة الملّحة إلى مثل هذا الطرح، تمّ تأسيس مرصد "الحوكمة الرشيدة والمواطنة" في الجامعة الأميركيّة في بيروت (AUB). هذه المبادرة الأكاديميّة، التّي تلقفت العطب في سائر الطروحات، وأخذت على عاتقها مهمة إنتاج ونشر المعرفة حول المواطنة والحوكمة الرشيدة في منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، للبحث في السُّبل المتاحة لتحسينها، وتعزيز المواطَنة النشطة والمسؤولة، ودعم أواصر التعاون بين المواطنين وصنّاع السّياسات. كما واشتمل الغرض الرئيسيّ للمرصد، على النيّة إلى توفير رؤيّة جوهريّة حول المواطنة والحوكمة الرشيدة، ووضع الركائز لمجتمع أكثر اشتمالًا وإنصافًا.

مرصد الحوكمة الرشيدة والمواطنة
ومرصد الحوكمة الرشيدة والمواطنة (The Good Governance and Citizenship Observatory)، هو خليّة أكاديميّة- كما أشار مديرها المؤسس الدكتور سيمون كشر- مقرّها معهد الأصفريّ للمجتمع المدني والمواطنة في الجامعة الأميركيّة في بيروت، انطلقت أواخر العام الفائت. وإلى جانب مهمتها، كما أسلفنا، يهدف المرصد إلى دراسة الأُسس التّي تصيغ المواطنة في المنطقة، وفهم دينامياتها ونشر النتائج. وسيتركز عمل المرصد على ثلاثة أسس رئيسيّة: الحكم الصالح (بما في ذلك إصلاحات القطاع العام والتعليم)، الهجرة، وكذلك القوانين وضمنًا الدساتير والأنظمة.  

وللخوض أكثر، في مجالات المرصد، والتعرف إلى المسارات التّي سيخوضها، أكان في إطار البحث، أو حتّى تحديد المفاهيم التّي سيتناولها، التقت "المدن" بالمحاضر بالعلوم السّياسيّة في الجامعة الأميركيّة، والمدير المؤسس للمرصد، الدكتور سيمون كشر، في حرم الجامعة، وطرحت عليه مجموعة من الأسئلة. وهنا وقائع المقابلة:

الغاية من إنشاء المرصد والتعاون الأكاديميّ

* بوصفه مرصدًا أكاديميًّا يتناول موضوعات وعناوين مهمة، تغيب جزئيًّا عن النقاشات المتعلقة بمفهوم الحكم وإدراته، أكان لدى صنّاع القرار، أو في دراسات المؤسسات الأكاديميّة في لبنان.. من أين انبثقت الغاية من هذا المرصد؟ وهل سيتعاون المرصد مع جهات أكاديميّة -تحديدًا الجامعة اللّبنانيّة- أو رسميّة أو مدنيّة، لطرح هذه العناوين وشغل غيابها؟

- أولًا فكرة المرصد، بدأت تتجلى، بطلبٍ من رئيس الجامعة الدكتور فضلو خوري، الذي أعتبر أنّه وفي ظلّ العجز الذي ينوء بحمله سكّان لبنان وسائر البلدان العربيّة والشرق أوسطيّة، وانتفاء الإيمان بأهميّة الدولة الحديثة وفقدان الثقّة بمفهوم "المواطنة"، لم يعد بإمكان الجامعة الأميركيّة في بيروت أن تكون محايدة، هي المؤسسة النخبويّة العريقة التّي لم تعهد أن تكون محايدة أو قاصرة عن تقديم العون وتحديدًا الفكريّ والثقافيّ والأكاديميّ. وعليه استغرقت حوالى الشهر ونصف الشهر، في بلورة رؤية للقيام بمثل هذه المبادرة، والتّي كان مقرّها معهد الأصفري، بالتعاون مع الزميلة لينا أبو حبيب وعدد كبير من الزملاء. وطبعًا، انطلاقًا من إيماننا بدور التعليم في اجتراح التغيير.

المرصد هو في صدّد التعاون مع عددٍ من الزملاء في الجامعة، وهم جزء لا يتجزأ من المرصد، ذلك فضلًا عن مؤسسة فؤاد شهاب، ويُضاف إلى ذلك تعاوننا مع الجامعة اليسوعيّة والمرصد الذي أقاموه، وهنا الفضل للبروفيسور باسكال مونان وفريق عمله، ذلك بحكم مذكرة التفاهم الأكاديميّة الاستراتيجيّة بين الجامعتين. أما بما يختص بالجامعة اللّبنانيّة فإن الدكتور خوري، ونحن كفريق عمل، متمسكون بدور الجامعة الوطنيّة، ونعتبر أن إصلاحها وترميم الخلّل، هو جزء أساسيّ من عمليّة الحوكمة، ونعمل على التعاون معها في أعمال المرصد.

ونحن نعمل على تشكيل بوتقة من الخبراء والممارسين وصنّاع السّياسات، وناهيك بمنظمات المجتمع المدنيّ للتعاون معها، مع التذكير أن أعمالنا أكاديميّة وسيكون التعاون على هذا الأساس.

* هل سيكون هناك انخراط للعنصر الشبابيّ في أعمال المرصد؟

- طبعًا، العنصر الشبابيّ هو عصب العمل البحثيّ في المرصد، ونحن ممتنون لهذا الإقبال الشبابيّ، أكان في أعمال المرصد ونشاطاته، أو حتّى في عمليّة التغيير.

مفهوم المواطَنة في لبنان والعالم العربيّ
* عادةً ما نتعلم في كليات العلوم السّياسيّة والقانون، أن المواطنة بمفهومها الاختزاليّ والأشمل (رغم عدم وجود تعريف جامع لها)، هي الرابط القانونيّ بين الفرد ودولته (الحقوق والواجبات)، فكيف يُقيم المرصد مفهوم المواطنة وأهميّة التمسك بالقيم الديمقراطيّة في لبنان والشرق الأوسط، لدى الشعوب وعند صنّاع القرار؟

- في البداية يجب فهم معنى المواطنة، وهي بإيجاز تعني العضويّة الرسميّة في الدولة والوطن وهي مصدر الحقوق والواجبات، وتنبثق من نظام الحقوق المدنيّة والتكامل الاجتماعيّ والهويّة. نحن بالطبع مدركون أن مفهوم المواطنة مُشوه لدى شعوب المنطقة، وتحديدًا في لبنان، حيث فقدان الثقة بها وبالسلطات السّياسيّة الحاكمة، وهذا سببه غياب الحوكمة الرشيدة التّي هي إدارة المرافق العامة والموارد الطبيعية، استنادًا لأحكام القانون، بما يضمن نموها المستدام ويراعي المصلحة العامة وحقوق المواطنين.

وممكن التعريج في هذا السّياق على نظريّة فصل السّياسة عن الإدارة (The politics-administration dichotomy)، التّي توصل إليها الرئيس الأميركيّ وودرو ويلسون، مشيرًا إلى أن السّياسة والإدارة مختلفتان بطبيعتهما ويجب التعامل معهما على هذا الأساس.

المواطنة والتعليم
* في منطقةٍ تموج بالصراعات المسلّحة والأزمات والنكبات الإنسانيّة، هل هو واقعيّ الحديث عن فكرة تعزيز المواطنة وما يليها من حوكمة رشيدة؟ وأين تقع أهميّة التعليم في هذه الأهداف التّي حددتموها؟

- نحن ببساطة نلتمس الأمل في هذه الأهداف، لولا شعورنا بالأمل ويقيننا أن عمليّة التغيير تستوجب إعادة لإحياء مفهوم المواطنة والتأكيد أنها السبيل للدفع نحو حوكمة رشيدة، لم نكن لنخطو هذه الخطوة.

وهنا تقع أهمية التعليم التّي تتداخل مع مفهوم المواطنة حيث تشكلان ركيزتين أساسيتين في العلاقة بين التعليم والحوكمة الرشيدة. ويلعب التعليم دورًا حيويًا في تنمية مواطنين مسؤولين ومشاركين، كما يوفر المعرفة والمهارات والقيم الضرورية للمشاركة الفعّالة في الحياة المدنية، وتعزيز الوعي بالحقوق والمسؤوليات، والمساهمة في تطوير المجتمع. يعزز نظام تعليمي متوازن التفكير النقدي والوعي الاجتماعي والتعاطف، مما يساعد الأفراد على المشاركة الفعّالة في العملية الديمقراطية.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للتعليم أن يعزز التماسك الاجتماعي من خلال تعزيز الهوية الوطنية والقيم المشتركة، بما يسهم في تعزيز التفاهم واحترام التنوع الثقافي. يركز المرصد على واقع تعليمي يعزز الانتماء المدني ويعزز المشاركة الفعّالة للطلاب، مما يمكّنهم من المساهمة الإيجابية في تطوير مجتمعاتهم. كذلك، يهدف المرصد، من خلال الدعوة إلى التعليم الشامل والقائم على الحقوق، إلى تشكيل جيل مستقبلي من المواطنين النشطين والمسؤولين، الذين يساهمون بقوة في بناء مجتمع عادل ومنصف وديمقراطي. أيضاً، يسعى المرصد من خلال أنشطته إلى تحديد أفضل الممارسات والمقاربات المبتكرة التي تعزز القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والشمولية في بيئات التعليم.

المواطنة والهجرة
* لاحظنا أن المرصد تطرق إلى موضوعات تختص بالهجرة والمهاجرين (ضمنًا اللاجئين)، والتركيز على إدماج هؤلاء في عمليّة تعزيز المواطنة. اليوم في لبنان يعيش المهاجرون واللاجئون والنازحون، ظروفًا سيئة وخطيرة، هل يمكن تفسير كيف يتقاطع مفهوم الهجرة والمواطنة؟ وما هي غاية المرصد من هذه النظريّة؟

إن مفهومَي المواطَنة والهجرة متشابكان، إذ ينتميان إلى  نظام مشترك مثل الحقوق المدنيّة والتكامل الاجتماعيّ والهويّة. المواطَنة تعني العضوية الرسميّة في الدولة الوطن، وهي مصدر الحقوق والواجبات. والهجرة تعني تنقّل الناس عبر الحدود. وقد تؤدي الهجرة إلى أن يسعى الأفراد للحصول على الجنسية في بلد استضافتهم، ويتيح السماح بالجنسية المزدوجة أن يكون المرء مواطنًا في عدة بلدان. وتوفّر المواطَنة الحماية والحقوق القانونية، وتعزيز التكامل الاجتماعي، في حين أن المهاجرين الذين لا يحملون جنسية قد يواجهون تحديات وتضييقاً على حقوقهم. وتؤثر العلاقة بين المواطَنة والهجرة على تجارب الأفراد ومساهماتهم في المجتمع وتُقولب شعورهم بالانتماء.

ويسعى المرصد إلى أن يكون قوة دافعة في بناء مجتمع اشتمالي ومتماسك يقدّر ويحترم حقوق ومسؤوليات ومساهمات المهاجرين، داعماً لمستقبل حيث المواطَنة والهجرة عنصران متبادلان يرسّخان مجتمعاً مزدهراً وعادلاً. ويهدف المرصد إلى تعميق فهم التفاعل بين المواطَنة والهجرة، واستكشاف التحديات والفرص التي تنشأ في سياقات مختلفة، لينتج رؤى وتوصياتٍ قائمة على الأدلة وترفد صنع السياسات وتعزيز المسارات الإشتمالية من الهجرة إلى المواطَنة، للمهاجرين. ويسعى المرصد أيضاً إلى دعم المجتمعات المهاجرة من خلال إشراكها في عملية البحث وإعلاء صوتها لضمان تمثيل وجهات نظرها وخبراتها بشكل ملائم في مناقشات السّياسات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها