السبت 2024/04/20

آخر تحديث: 18:03 (بيروت)

مداهمات واعتقالات وتكسير خيم: إجراءات ميدانيّة لتطبيق الخطط الحكوميّة؟

السبت 2024/04/20
مداهمات واعتقالات وتكسير خيم: إجراءات ميدانيّة لتطبيق الخطط الحكوميّة؟
عادت المداهمات الأمنيّة لمخيمات ومساكن اللاجئين بصورة يوميّة (Getty)
increase حجم الخط decrease

مساء الأمس، الجمعة 19 نيسان الجاري ومن العاصمة الفرنسيّة باريس، أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، أنّه اقترح على الرئيس الفرنسيّ، إيمانويل ماكرون، نفس الطرح الذي انشغلت الحكومة اللّبنانيّة مؤخرًا في بلورته، والقاضي بالطلب من الاتحاد الأوروبيّ إعادة تقييم الوضع في سوريا، وبالتالي اعتبار بعض المناطق فيها "آمنة" ويُمكن للاجئين العودة إليها. وبالرغم من استقبالها الطرح، بتقديمها وعود لتأمين ضمانات عودتهم، فإن طرح تقييم الوضع الأمنيّ السّوريّ لم يحظَ بالترحيب نفسه، وفق ما صرّحت المصادر الفرنسيّة.

أما المسار الذي سلّكه ملف اللاجئين السّوريّين في الأسابيع القليلة الفائتة، حتمًا لا يتوقف عند معضلةٍ سياسيّة ودبلوماسيّة وقانونيّة عسيرة، بل يفوق ذلك ليتدرج ضمن أزمةٍ حقوقيّة ستعلق طويلًا في الوعيّ والضمير اللّبنانيّ، بوصفها كبوة ونكبة إنسانيّة تقصّد أصحاب القرار والسّاسة على مفاقمتها.

اليوم، وبينما يتدافع المعنيون، لإيجاد معبرٍ مُختصر يُفضي إلى "حلٍّ" لملف اللجوء السّوريّ، بطروحاتٍ تبسيطيّة لا تأخذ بعين الاعتبار العثرات في القرارات والإجراءات المأخوذة  سابقًا، ولا تتوخى التنظيم والعمليّة، فضلًا عن البُعد الإنسانيّ للقضيّة، يستفحل وضع اللاجئين في لبنان، الذين وجدوا أنفسهم في موضعٍ مُلتبس، ولا خيارات مطروحة أمامهم، سوى الفرار مجدّدًا بحثًا عن بلادٍ تستقبلهم، أو الموت لدى هذه المحاولة.


مداهمات واعتقالات
بعد جريمة مقتل منسق حزب "القوّات اللّبنانيّة" في جبيل باسكال سليمان وما تبعها من حراكٍ شعبيّ اتسم بالعاطفيّة والعنصريّة، راجت المداهمات الأمنيّة لمخيمات ومساكن اللاجئين وبصورة يوميّة، مجدّدًا، بعد أن كانت مستقرة على وتيرة دوريّة. فمنذ أيامٍ قليلة، داهمت دوريّة لمخابرات الجيش اللّبنانيّ، مخيم رجب "003" في منطقة المرج – البقاع الأوسط. وقد أشارت المعلومات الّتي نقلتها عدّة تقارير حقوقيّة، أن غاية المداهمة كانت للبحث عن مطلوبين، لكنها انتهت على خراب أجزاء من المخيم الذي يضم ما يفوق 90 خيمة، ولحقها طلب شرطة البلديّة من أهالي المخيم بضرورة إخلائه فورًا.

 وقد تزامنت هذه المداهمة مع عملية دهم أخرى لمخيم "026" في برّ إلياس – البقاع الأوسط ـ والذي يضمّ حوالي 30 خيمة. وتمّ اعتقال عدد من اللاجئين وتخريب المخيم وجرف خيمه بالآلات الثقيلة. بالإضافة إلى عمليات أخرى في سعدنايل وتعنايل وغيرها من البلدات البقاعيّة. فيما أبلغ لاجئون عن اعتقال العشرات من اللاجئين السوريين على حاجز المدفون في شمالي لبنان وترحيلهم إلى سوريا، بسبب انتهاء مدّة الاقامة، كان من بين المرحلين لاجئ قاصر عمره 13 عامًا اعتقل مع أقاربه وتم تسليمه للفرقة الرابعة على الحدود السوريّة من جهة وادي خالد.

وعمليات الدهم، جاءت في سياق الحملة الرسميّة لتضييق الخناق أكثر على السّوريّين، وتحديدًا الّتي تطبقها البلديات تنفيذًا لتوجيهات وزارة الداخليّة والبلديات (خصوصًا في المتن، كسروان، البقاع الأوسط والشمالي، بيروت)، وأهم هذه الإجراءات تتمثّل في: حظر التجول على اللاجئين في أوقاتٍ مُحدّدة، طرد من المنازل المستأجرة، منع توقيع عقود إيجار للاجئين، منع انتشار أكشاك البيع، وزيارات للمحال التجاريّة، منع اللاجئين مغادرة البلديات أو دخولها (هذه الظاهرة الملاحظة من قبل الحملة الأخيرة).. وغيرها.

في 13 من الشهر الجاري، وُثّق تعرض عددٍ من الطلاب اللاجئين للطرد والضرب من قبل بعض العصابات العنصريّة، في كل من قضاء المتن وكسروان، وأفاد عدد من الأهالي عن تعرض أبنائهم للطرد من المدارس الرسميّة بدوام بعد الظهر. وبالتوازي، نظمت لجنة شباب جبيل في التيار الوطنيّ الحرّ وقفة احتجاجيّة أمام مدرسة تعليم اللاجئين السّوريّين في عمشيت للمطالبة بتنظيم موضوع النازحين في القضاء. وشارك في الوقفة منسق القضاء سبع حبيب، وواكبتها الأجهزة العسكريّة والأمنيّة.


إجراءات رسميّة
صاحبت الحملة الأمنيّة تدابير وقرارات رسميّة، مأخوذة بحالة الغضب الشعبيّ والمطالبات الحزبيّة والسّياسيّة بالتشدّد في تطبيق القوانين اللّبنانيّة على اللاجئين السّوريّين. ومن جملتها كان منع توقيع عقود إيجار اللاجئين المطرودين من خيمهم في البقاع الأوسط، الأمر الذي جعلهم يضطرون للمكوث في الشارع العموميّ من دون أي مكانٍ يبيتون فيه. هذا وأعلنت المديريّة العامة للأمن العام عن تعديلات جديدة على رسوم عدد من المعاملات الرسميّة المرتبطة بإقامة اللاجئين في لبنان ونقل الكفيل. ووفقًا للتعديلات المستحدثة، ارتفعت تكلفة الإقامة المؤقتة لمدّة سنة واحدة (من 300 ألف ليرة لبنانيّة إلى 13 مليون ليرة)، ونقل الكفيل إلى 2 مليون ليرة. هذا الإجراء الذي من شأنه أن يدفع اللاجئين المُسجلين في لبنان أو أصحاب الإقامات المؤقتة، للإحجام عن هذا الإجراء القانونيّ، ويزيد من أعداد المقيمين غير الشرعيين، بسبب تدهور أحوال اللاجئين السّوريّين الماديّة في لبنان (ما يفوق الـ 90 بالمئة منهم تحت خطّ الفقر).


هرباً من العنصرية
تفاعلًا مع هذا الواقع، ولضيق الأفق والخيارات المتاحة أمامهم، علمت "المدن" أن عدداً من العائلات والشبّان السّوريين غادروا من لبنان نحو الداخل السّوريّ، طمعًا بالوصول إلى الشمال السّوريّ الذي تحكمه الإدارة الذاتيّة – قوات سوريا الديمقراطيّة (حكم ذاتي بحكم الأمر الواقع)، رغم استحالة ذلك بالظروف العاديّة. ويجازف هؤلاء بحياتهم وأرواحهم، هربًا من العنصريّة اللّبنانيّة، رغم ما قد يطرحه ذلك من سيناريوهات الاعتقال لدى نظام الأسد. وهذه المحاولة يتخللها بالطبع مخاوف حقوقيّة وإنسانيّة من وقوع الهاربين تحت رحمة المهربين والميليشيات الّتي قد تتاجر بهم أو تستغلهم، أو تقوم بإختطافهم في بعض الأحيان.  بالإضافة، للهرب برًّا، تفاقمت وتيرة الفرار عبر البحر، وفي مراكب الهجرة غير الشرعيّة (قوارب الموت)، من الشواطئ اللّبنانيّة، إلى قبرص فأوروبا، هذا الطريق الوعر والذي يشوبه العراقيل الأمنيّة الّتي فرضتها قبرص مؤخرًا (راجع "المدن").


تحذير المفوضيّة 
وتعليقاً على الطروحات الحكوميّة الأخيرة، والإجراءات الرسميّة والحملات الأمنيّة الّتي تستهدف اللاجئين السّوريّين وما يُحكى عن مخطط تشكيل لجنة ثلاثيّة بين النظام السّوريّ والحكومة اللّبنانيّة أكدت الناطقة الرسميّة باسم المفوضيّة ليزا أبو خالد لـ "المدن" أنه " لم تتلق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بعد الخطة المذكورة من الحكومة اللبنانية ا وبالتالي لا يمكنها التعليق في هذه المرحلة.  ومع ذلك، لا يزال لبنان البلد الذي يستضيف أكبر عدد من اللاجئين للفرد الواحد في العالم، وتدرك المفوضية تماما تأثير ذلك على البلاد، لا سيما في الوقت الذي تواجه فيه أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها الحديث، مما يدفع الفئات الأكثر ضعفا إلى حافة الهاوية".

وأضافت:" غالبية اللاجئين السوريين يقولون للمفوضية إنهم يريدون العودة إلى سوريا، والسؤال ليس ما إذا كان ولكن متى. لا تزال نوايا اللاجئين مدفوعة بالوضع على الأرض في سوريا، وتؤثر مجموعة من العوامل على قراراتهم. ويقول معظم اللاجئين للمفوضية إنهم ما زالوا قلقين بشأن السلامة والأمن والسكن والحصول على الخدمات الأساسية وسبل العيش. إن السلامة والأمن يتجاوزان المسائل المتعلقة بالصراع المسلح. الخوف من الاعتقال والاحتجاز وعدم القدرة على التنبؤ بالخدمة العسكريّة هي أيضا أجزاء من القلق. إن تهيئة ظروف أكثر ملاءمة داخل سوريا أمر بالغ الأهمية في هذا السياق، وبصفتنا مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، نسعى جاهدين للمساهمة في تسهيل مثل هذه الظروف. ومع ذلك، فإننا نسلم بأن هناك تحديات كبيرة تتجاوز نطاق العمل الإنساني."
وتعليقًا على الحملات العنصريّة، قالت أبو خالد:"عقب الإعلان عن وفاة السيد سليمان، تلقت المفوضية تقارير أفادت عن هجمات استهدفت مواطنين سوريين، في مناطق مختلفة في لبنان. وتشير بعض التقارير أيضاً إلى إقدام سكان محليين في مدن لبنانية مختلفة على إطلاق تهديدات بالإخلاء الجماعي ضد السوريين، مما خلق بيئة من الخوف والترهيب. لقد أثارت أعمال العنف والتهديدات العشوائية هذه التي استهدفت السوريين حالة من الذعر بين العائلات السورية في لبنان. وتراقب المفوضية هذه التطورات عن كثب وتتابع الحالات الفردية للاجئين الذين أبلغوا عن تعرضهم للاعتداء أو العنف أو الإخلاء. وفي حين أننا ندرك ونتفهم الحزن والغضب العميقين اللذين تسببت فيهما هذه المأساة، إلا أنه من الضروري السماح للإجراءات القضائية بأخذ مجراها الطبيعي. وتدعو المفوضية المجتمعات اللبنانية إلى الامتناع عن إلقاء اللوم بشكل جماعي وظالم على الأفراد السوريين وحمايتهم من الاستهداف بسبب جريمة شنعاء لم يرتكبوها".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها