السبت 2023/07/22

آخر تحديث: 09:42 (بيروت)

الازمة الاقتصادية تدفع الشباب إلى كسر التنميط:"الشغل مش عيب"

السبت 2023/07/22
الازمة الاقتصادية تدفع الشباب إلى كسر التنميط:"الشغل مش عيب"
يحاول الشباب التأقلم مع الانهيار الاقتصادي فيخوضون غمار العمل كمحاولة للتأقلم والصمود (Getty)
increase حجم الخط decrease


ليس اختيار المهنة في لبنان خياراً فردياً بحتاً تفرضه الاهواء والشغف والاحلام؛ وليس دائماً وسيلة لتحقيق هوية الشخص والتعبير عنها؛ فطالما شكّل انتقاء المهنة والتخصص جزءاً من هوية عائلية واجتماعية وحتى أحياناً هوية ثقافية.

وبعد أن كانت المهن والاختصاصات تعكس، في أحد وجوهها، مستوى اجتماعياً وطبقياً لممتهنها، جاء انتشار التعليم وفرصه المفتوحة ليكسر"الاحتكارات" المهنية. وعلى امتداد سنوات، تغيّرت النظرة الاجتماعية للكثير من المهن واستطاع أبناء الطبقات الوسطى، وحتى الفقيرة، أن يقتحموا مجالات عمل جديدة بكفاءتهم، وبفضل اساسي لانشاء الجامعة اللبنانية.

ومع كل الانفتاح والتطور وتعزيز ثقافة المساواة والحقوق وأهمية توسيع فرص العمل وتشجيع اليد العاملة اللبنانية، الا أن اللبنانيين بقوا يأنفون من بعض الاعمال ويتجنبونها.
سُجلت "اختراقات" بسيطة، قبل الأزمة غير المسبوقة التي نعيش، حين بدأ بعض طلاب الجامعات والثانويات يعملون في أيام الصيف والعطل في المطاعم والملاهي وبعض المهن السهلة نسبيا.

اليوم تغيّرت الظروف وفرضت تغيّيراً جوهرّياً في نمط عيش اللبنانيين كما في قبولهم واقبالهم على أعمال "متواضعة"، كما كانوا يصفونها، بالطف تعبير.

التأقلم وجه من وجوه الصمود 
"علينا أن نتأقلم"... كلمات تختصر واقع الشباب اللبنانيّ خصوصاً من لم تُفتح أمامهم أبواب الهجرة أو من اختاروا عن قرار عدم ترك البلد. 
وعلى طريقتهم، يكافحون ويكسرون القوالب الجامدة. يربون الأطفال، يصلحون السيّارات يطبخون ويحاولون الصمود بانتظار ذاك الـ لبنان الذي يتطلّعون إليه.

يُعبّر فؤاد شلالا (24 عاماً) لـ"المدن" عن تعلّقه الشديد بعائلته ومحيطه. لا يريد أن يسافر "وأن أحرق قلب امي". هو الطالب العشرينيّ بكليّة الهندسة في الجامعة اللبنانيّة، الذي رفض العمل خارج بلده وبحث عن فرص بديلة ليبقى على أرضه "بكرامته"، رغم ظروفه الماديّة الصعبة.
يقول"أنا الشاب الوحيد في العائلة وظروفنا الماديّة سيئة جداً، إلى درجة لا أملك المال الكافي للوصول إلى جامعتي أو لإتمام بعض الواجبات وشراء الأدوات اللازمة التي أحتاجها لدراستي. لذا فكّرت بالعمل بمردود مالي يُسعفني لحين التخرّج. ولأن "الشغل مش عيب"، طلبتُ من جارنا "أبو الياس" في منطقة الأشرفيّة، أنّ أعمل لديه بأجرة 100$ أسبوعياً بعد الجامعة. وبعد نحو سنة من العمل في الكاراج إلى جانب إعطاء دروس خصوصيّة في الرياضيات والفيزياء في المنازل، تمكّنت من شراء دراجة نارية ضمن ميزانيتي، وبالتالي وفّرت مصاريف النقل، وأصبحت قادراً على شراء مستلزماتي الدراسيّة الأساسيّة. واليوم، أستطيع القول إنّني فخور جداً بالتجربة الكبيرة التي اكتسبتها من هذه الأعمال" كما يختم فؤاد.

طبيبة ومربية أطفال 
من الطبّ في الجامعة اليسوعيّة إلى تربية الأطفال بالبيوت، مقابل راتب 800$ شهرياً، تمكّنت سيرينا ياغي (29 عاماً) من استكمال دراستها وتسديد أقساطها بـ"عرق جبينها".

تكشف لـ"المدن" أن "التجربة لم تكن سهلة أبداً. هي من أصعب التجارب التي خضتها في حياتي، إذْ سهرت الليالي لإنهاء الدروس والواجبات التي لم أستطع إنجازها في الصباح بسبب التزاماتي المهنيّة مع الأطفال، حتّى أنّني كنت أنسى الطعام أحياناً ما تسبّب لي بمشاكل صحيّة دخلت على إثرها أكثر من مرتين إلى المشفى. ولكن هذه التجربة أنضجتني، وجعلتني أقوى. وهنا لا أتحدّث فقط على الصعيد الماديّ، إنّما على صعيد شخصيتيّ بشكل عام". وتضيف"لم أكن لأتمكن من إنهاء جامعتي براتب والدي المتواضع الذي صار لا يتجاوز الـ300$ شهرياً. فلولا عملي هذا لكنتُ جالسة في المنزل من دون جامعة، فايّهما أفضل مواجهة الواقع أم البكاء على أطلال الانهيار والحفاظ على ما يفترضه بعضهم "برستيج" لقب الدكتورة؟".

من المطبخ إلى الجامعة 
في جامعة سيدة اللويزة-ذوق مصبح، حالات كثيرة تستحقّ الإضاءة عليها. 
كارلا تنكيريان (25 عاماً) إحدى تلك الحالات. قرّرت متابعة دراساتها العليا في الجامعة التي تدرّس باللغة الإنكليزية، التي كانت"ضعيفة وغير متمكّنة منها". لم يكن قرار كارلا سهلاً على مختلف الأصعدة لا سيّما الماديّة منها، إلّا أنّها تحدّت ذاتها وراحت تُحضّر بعض الحلوى وقوالب الكيك لتبعيها "أونلاين" مقابل جمع بعض الدولارات لتُسدّد بها قسطها الجامعي.

"عند دخولي إلى جامعة اللويزة اضطررت إلى التسجيل في دورات خصوصيّة لتقوية مهاراتي اللغوية، وبسبب ارتفاع الأقساط ودَولَرَتِها، كان لا بد من التفكير بموردٍ ثابت، ففكّرت بالطبخ. فأنا أجيد تحضير الحلوى بوصفات خاصة ابتكرتها. في البداية لم أتوقع هذا الإقبال الكبير سواء من قبل أصدقائي أو الأساتذة أو حتّى بعض الأشخاص عبر "السوشيل ميديا"، غير أنّني سعيدة بهذا النجاح الذي حقّقته بقدراتي المحدودة، لا سيّما وأنّني لا أملك المعدات اللازمة لتحضير كلّ الأصناف حالياً، ولكن يُمكنكم القول إنّ كلّ شيء يسير على ما يرام؛ أقلّه أصبحت قادرة على تسديد قسطي الجامعي وبعض المدفوعات الأخرى بالكامل من دون الحاجة إلى مساعدة أيّ أحد، وهذا بحدّ ذاته إنجاز".

حكايات فؤاد، كارلا وسيرينا عينة من محاولات الشباب اللبناني كسر النمطية في مقاربة العلم والعمل وهم يختبرون أشد الظروف الاقتصادية الصعبة. وهي ظروف لن تنتهي الا وقد تركت ندوباً على الواقع الاجتماعي اللبناني. وربما محاولات الشباب التاقلم من خلال الاقبال على كل المهن، وابتكار أخرى، من العلامات الإيجابية المضيئة النادرة في ليل هذه الأزمة الطويل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها