الأربعاء 2023/06/07

آخر تحديث: 10:56 (بيروت)

مطاردة في بعلبك تنتهي بمأساة: هل أخطأ الجيش؟

الأربعاء 2023/06/07
مطاردة في بعلبك تنتهي بمأساة: هل أخطأ الجيش؟
كرم بو شعيا في العناية المشددة وبحال حرجة (الانترنت)
increase حجم الخط decrease

"ذهب لشراء الصفيحة البعلبكيّة، فعاد ملطخاً بدمائه".. لم يكن يعلم الشاب كرم بو شعيا (27 عاماً) أنّ واجب العزاء الذي ذهب لتقديمه ورفاقه في بعلبك، سينتهي بمأساة، بعدما انهال الرصاص عليه من كلّ صوب نتيجة تقدير "خاطئ" للجيش خلال عمليات البحث عن خاطفي المواطن السعوديّ بالمنطقة. فهل أخطأ الجيش التقدير فعلاً؟ أم للضرورة العسكريّة أحكامها؟

مطاردة بوليسيّة بقاعاً
بدأت الحكاية قبل أيّام، بالتزامن مع عمليات البحث والتحرّي عن خاطفي المواطن السعوديّ على طريق عام المطار منذ نحو أسبوع، نتيجة ورود معلومات تُشير إلى فرارهم نحو بعلبك. ولسوء حظّ الشاب كرم، شاء القدر أن يقع هو الضحيّة، لتتحوّل المطاردة إلى محاولات إسعاف "فاشلة" نتيجة عطل ميكانيكيّ.

"كنا عائدين من دير الأحمر، وقرّر كرم كعادته شراء الصفيحة البعلبكيّة على طريقنا، حيث إنّنا لا نأتي كلّ يوم إلى هنا. وبينما نحن نستمع إلى الموسيقى وكلّ شيء طبيعيّ، فجأة بدأنا نشعر بحركة سير غريبة وظهور أشخاص ملثمين تبيّن لاحقاً أنّهم عناصر من الجيش اللبنانيّ، ولأنّنا بشر، ذُعرنا بطبيعة الحال، فأخفض كرم صوت الموسيقى وحاول الالتفاف بالسيارة التي كانت لوحتها ظاهرة للعلن وشبابيكها مفتوحة وداخلها شابتان، أيّ أنّها ليست مشبوهة ولا تُثير التساؤلات، غير أن ما حصل لم يكن بالحسبان، وبدأ الرصاص ينهال علينا بكثافة من دون أيّ إنذار، فأخفضنا رؤوسنا تحت المقاعد، وتوقفت السيّارة نتيجة إصابة السائق (كرم) بعنقه. ومع هذا لم يتوقف الرصاص، واستمر حوالى 5 دقائق متتاليّة لحين نفاد الذخيرة"، وفقاً لرواية رِيا حدّاد، الناجية من الحادثة.

لا شكّ بأنّ حظّ رِيا كان أفضل من صديقها كرم في ذلك اليوم، على الأقل لم تُصبها أيّ طلقة ناريّة تشلّ حركتها أو تُهدّد حياتها، ولكن هل نجت فعلاً؟

إصابة كرم!
ساد الصمت والهدوء في المكان لدقائق معدودة، تقدّم خلالها عناصر من الجيش باتجاه السيّارة للتأكّد من عدد الركاب ووضعهم، ليجدوا رِيا مستلقيّةً على الأرض تصرخ بأعلى صوتها طالبةً النجدة لإنقاذ حبيبها المصاب. وما بين الواجب العسكريّ والإنسانيّة، تأخر الجنود بطلب النجدة، و"عندما وصلت واجهوا مشاكل في نقل الشاب المصاب إلى المستشفى نتيجة عطل ميكانيكيّ. عندها، كان قد وصل الطبيب المعالج إلى مكان الحادثة لمعاينة كرم، ليخرج بتشخيص أوليّ يُشير إلى احتمال وجود نزيف داخلي وبالتالي دخوله في غيبوبة، إذ أن وضعه حرج وتأخرنا بما فيه الكفاية، ولا يمكننا هدر المزيد من الوقت أو تعريضه للخطر أكثر، لذا أخذنا على عاتقنا نقله إلى المستشفى، وهذا ما حصل"، تقول الشابة العشرينيّة.

بعد وصولهم إلى المستشفى، اكتظت الساحة الأماميّة بالأحبّة والأهل المفجوعين، الرافضين تقبّل ما حدث وكأنّه كابوس مرعب وسيمرّ. في روايتها، تُخبرنا رِيا أنّ "الجيش تعمّد إطلاق النار على السيّارة بشكل عشوائيّ، حتّى أنّ عناصره اعترفوا بهذا الخطأ وتذرّعوا بالضرورة العسكريّة لتبرير ما حصل، طالبةً منها السكوت وعدم إخبار أحد بما حصل".

حاول الأهل العودة إلى مكان إطلاق النار لمراجعة كاميرات المراقبة، غير أنّ جهة مجهولة أقدمت على حذف المقاطع المصوّرة في غضون ساعات، مّا أثار تساؤلات الأهل وارتيابهم. وفي سياق متّصل، تُفيد رِيا، بأنّ "كرم، الشاب الطموح، المحبّ، والمعطاء لا يستحقّ هذه المعاملة أبداً"، متسائلةً: "الخاطف الحقيقيّ لم يرموه بالرصاص واقتادوه بكلّ هدوء إلى مركز التحقيق، فلماذا نحن نعاني هذا الوجع؟ وبأيّ حقّ نبكي كرم وسط غياب المعنيين؟".

الرواية يؤكدها رفاق ريا وكرم الذين كانوا معهم أيضاً في السيارة، ورووا ما حدث معهم في شريط فيديو بثوه عبر انستغرام

قيادة الجيش لـ"المدن": نُحذّر من التضليل!
بعيداً عن رواية الأهل، تنفي قيادة الجيش لـ"المدن" هذه الرواية، مؤكّدةً أن "ما حصل يُتابع أمنياً وفُتح تحقيقاً لمعرفة ملابساته". أمّا حول تأخر نقل الشاب كرم إلى المستشفى، فتلفت مصادر في الجيش إلى أنّ "العناصر قاموا بطلب طوافة عسكرية لإسعافه، غير أن أسباباً خارجة عن إرادتهم طرأت".

وعبر "المدن"، تدعو المصادر العسكرية أهل الشاب كرم وأصدقاءه إلى "توخّي الدقّة عند تداول أيّ معلومة مضلّلة في هذا السياق، لا سيّما أنّ الضرورة العسكرية التي كانت تقتضي إلقاء القبض على الخاطفين لحماية أفراد المجتمع، كما العلاقات اللبنانيّة – السعوديّة، حتمّت علينا التحرّك السريع، ولكن هذا لا يُعطي الحقّ لأيّ أحد باستخدام الرصاص باتجاه المدنيين، وسنُتابع الملف مع المعنيين".

حتّى اليوم، لم تتصل أيّ جهة مسؤولة أو أمنية بالأهل للاطمئنان عن وضع كرم، الذي لا يزال في العناية المشدّدة تحت الإشراف الطبيّ، في حين يُعاني من مضاعفات عدّة، ونسبة نجاته لا تتعدّى الـ20%. فهل يتحمّل وحيد والديه ذنب التفلّت الأمنيّ، ويدفع حياته ثمناً لذلك؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها