السبت 2023/04/22

آخر تحديث: 11:45 (بيروت)

تجارب جديدة تغني البشر عن الحاجة إلى نقل الدم

السبت 2023/04/22
تجارب جديدة تغني البشر عن الحاجة إلى نقل الدم
الاكتشاف سيتغلب على الحواجز اللوجيستية لتوصيل الدم الطازج إلى الأماكن النائية (Getty)
increase حجم الخط decrease
سمح التطور العلمي للإنسان بتصميم القلوب الاصطناعية النابضة، وآلات غسيل الكلى التي تقوم بتصفية الدم، وسقالات الكولاجين التي تساعد في تكوين الجلد، وغيرها الكثير من الأمور. رغم ذلك، يبقى الدم مادةً ثمينة شبه سحرية تشتد إليها الحاجة في المستشفيات يومياً لإنقاذ ما تمكن من أرواح. وبعد قرونٍ من الجهود الفاشلة لإيجاد بديلٍ يعوض عن فقدانه، بدأ العلماء يحققون اختراقاتٍ علمية عبر تجاربٍ سريرية أثبتت إمكانية صنع فصائل الدم المختلفة في المختبرات.

سائل نادر
يحتاج الناس باستمرار إلى نقل الدم في العمليات الجراحية أو نزيف ما بعد الولادة، وعلاجات السرطان، والحوادث المتفرقة، أو لعلاج أمراضٍ كفقر الدم المنجلي والملاريا والثلاسيميا. وبالنسبة لأولئك الذين لديهم أنواع دم نادرة، تقول اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بأن العثور على تطابق دم دقيق لهم قد يكون صعباً كالبحث عن إبرة في كومة قش. فيما يقول الأطباء إن واحداً من كل 18 مريضاً في المستشفى يحتاجون فور دخولهم لعملية نقل دم، ويزداد الطلب على هذه التبرعات مع تقدم عمر المريض.

ونظراً لأهميته، ودوره في نقل المواد بين أعضاء الجسم المُختلفة والحفاظ عليه وحمايته من المخاطر الخارجية والداخلية، يراقب المجتمع الطبي بانتظام مخزونات الدم العالمية، خصوصاً مع وصول إمدادات الدم خلال جائحة كورونا، إلى مستويات الأزمة في الولايات المتحدة، حيث انخفض عدد المتبرعين وكافحت مراكز التبرع بالدم من أجل البقاء على قيد الحياة. وفي العام الماضي، أعلن الصليب الأحمر الأميركي أنه يواجه أسوأ نقص في مخزون الدم منذ أكثر من عقدٍ من الزمن، معلناً عن قدرته على تلبية ربع طلب المستشفيات وحسب. يُضاف ذلك إلى ندرة هذا السائل، إذ تشير الدراسات بأن حوالي 60 في المئة من دول العالم، بما في ذلك بلاد أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا وأوقيانوسيا، تكافح بالفعل بشكلٍ مزمن لتلبية الحاجة إلى الدم. كما أن نصف الدم الذي يتم جمعه من جميع أنحاء العالم كل عام يأتي من الولايات المتحدة وكندا وأوروبا وأستراليا، والتي تمثل مجتمعةً خمس سكان العالم.

وتزيد الكوارث من خطورة هذه الندرة المميتة، ذلك أن إنخفاض مخزون الدم في المستشفيات، يحتّم إلغاء بعض العمليات الجراحية. ولكن في بعض الأحيان، قد لا يكون هذا كافياً، ما يجبر الأطباء على اتخاذ قراراتٍ مؤلمة، كنقل مرضى السرطان أو الحفاظ على مخازن الدم الثمينة لحالات الطوارئ الطبية الشديدة.

نقل الدم عبر التاريخ
قبل أن يتوصل الطب لإنقاذ الأرواح من خلال نقل الدم في أوائل القرن العشرين، أمضى المعالجون قروناً وهم يحاولون علاج الأمراض عن طريق تجفيف الدم. وبعد أن وصف الطبيب الإنكليزي ويليام هارفي نظام الدورة الدموية الكبرى في عام 1628، بدأ الأوروبيون يفكرون في إمكانية إضافة سوائل مثل دم الحيوانات إلى مجرى الدم. كافح هؤلاء الرواد الأوائل لإثبات سلامة وفعالية نقل الدم عندما واجهوا الواقع الفيزيولوجي القائل بأن التجلط الدموي عند تعرضه للهواء يمكن أن ينقل المرض، ويمكن أن يكون ساماً عند عدم التطابق (لم يتم اكتشاف فصائل الدم حتى عام 1901). وبحلول نهاية القرن السابع عشر، تخلوا إلى حدٍ كبير عن نقل الدم بين البشر معتبرين أنه إجراءٍ خطير يحمل قيمةٍ طبيةٍ محدودة.

ثم ما لبث أن بدأ أطباء أميركا الشمالية تجارب نقل الدم الخاصة بهم على المرضى الذين ينازعون بسبب الحمى الصفراء والكوليرا. لم تكن هذه الجهود واسعة النطاق. إذ تفيد السجلات الطبية خلال الحرب الأهلية الأميركية، التي قُتل فيها 750 ألف مقاتل، وبُترت فيها عشرات الآلاف من الأطراف في ساحة المعركة، بأربع عمليات نقل دمٍ سُجلت حينذاك.

أولى عمليات نقل الدم الناجحة في أوائل القرن العشرين وُلدت من اليأس. عندما لم تكن هناك خياراتٌ أخرى منقذة للحياة، قام الجراحون بضخ الدم من مريضٍ إلى آخر عن طريق خياطة الأوعية الدموية المكشوفة. بمرور الوقت، أصبح من الممكن تقريباً مع الإبر المعقمة ومضادات التخثر سحب الدم دون ألم وتبريده لعدة أيام، وتقسيم أجزائه المكونة إلى خلايا الدم الحمراء والبيضاء والبلازما والصفائح الدموية.

أول تجربة من نوعها
طوال الوقت، واصل العلماء البحث عن بدائل للدم المنقول، والذي يأتي مع العديد من المخاطر ومنها احتمال انتقال المرض، وعدم قدرة تخزينه على المدى الطويل (يمكن تخزينه لمّا لا يزيد عن 42 يوماً)، فضلاً عن ندرته. لقد جربوا في السنوات الماضية الهيموغلوبين الحر المعدل كيميائياً والمعزول من خلايا الدم الحمراء، لكنهم وجدوا أن هذه الحلول تسببت في النهاية في تلف الكلى وارتفاع ضغط الدم الوعائي. وحاول العلماء أيضاً حقن القوارض والبشر بموادٍ كيميائية مشبعة بالفلور والبوليمرات التي كانوا يأملون أن تعمل كبديلٍ لخلايا الدم الحمراء، لكنهم اكتشفوا أن عمليات نقل الدم هذه أدت إلى الحمى والالتهابات وانخفاض الأوكسجين.

بَيد أن الخريف الماضي شهد بداية حقبةٍ جديد طُويت معها مئات التجارب الفاشلة، حين أجرت جامعات "بريستول" و"كامبريدج" و"لندن" بالتعاون مع وحدة نقل الدم وزراعة الأعضاء التابعة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية، أول تجربة سريرية من نوعها في العالم لنقل دم مصنوع في المختبر إلى البشر، بهدف تصنيع فصائل الدم الضرورية للأشخاص الذين يعتمدون على عمليات نقل الدم المنتظمة.

هذه التجربة الفريدة من نوعها شارك فيها أول شخصين، وتهدف إلى اختبار الدم لدى 10 متطوعين أصحاء على الأقل. يبدأ الأمر بالتبرع العادي بنحو نصف لتر من الدم، لتُستخدم بعدها حبيباتٌ مغناطيسية لاصطياد الخلايا الجذعية المرنة القادرة على أن تصبح خلية دم حمراء، ليتم تحفيزها في المختبرات وتوجيهها لتصبح خلايا دم حمراء. وحسب العلماء المشرفون على هذه التجربة، من المأمول خلال بضعة سنوات أن يكون الدم المصنوع في المختبر أكثر فعالية من الدم الطبيعي. ما يسمح بتبرعات دم أصغر وأقل تكراراً في المستقبل.

مشروع وزارة الدفاع الأميركية
توازياً، تعمل وكالة المشاريع البحثية الدفاعية المتقدمة الأميركية "داربا"، على مشروعٍ جديد يقوم على تغليف الهيموغلوبين البشري المنقى بغشاءٍ دهني اصطناعي وتصميم جزيئات نانوية لتقليد الصفائح الدموية، وذلك بهدف إنتاج مسحوق خفيف الوزن يصبح شبيهاً بالدم عند مزجه بمحلول ملحي معقّم.

المشروع المدهش تبلغ تكلفته الأولية 46 مليون دولار، ويقول عنه الدكتور فيليب سبينيلا، أحد المشاركين فيه ومؤسس شركة "KaloCyte"، التي تطور خلايا دم حمراء اصطناعية، بأنه سيتغلب على الحواجز اللوجيستية لتوصيل الدم الطازج إلى الأماكن النائية كساحات القتال، وسفن الرحلات البحرية، والمكوكات الفضائية، والمناطق الجغرافية التي تفتقر إلى البنية التحتية لإمدادات الدم والتخزين الملائم للمتبرعين. ويشدد الباحثون المشرفون على المشروع على قدرتهم بنقل هذه الأساليب لمرحلة التجارب البشرية في غضون خمس إلى ثماني سنوات.

وضمن هذا المشروع الفريد من نوعه، سيتمكن العلماء من تعديل إمكانيات تخثر الدم المسحوق وإيصال الأوكسجين بناءً على بيولوجيا المريض الفريدة واحتياجاته الطبية. وهكذا سيكون هناك الكثير من الاستخدامات المخصصة حسب الطلب. وتماماً كما يصمم أطباء الأورام العلاج الكيميائي للمريض وفقاً للجينات الخاصة بالسرطان، يمكن لأخصائيي الدم الاصطناعي إنشاء خلطات مثالية لنزيف ما بعد الولادة، أو لاستعدادات ما قبل الجراحة، أو تروية الأعضاء المزروعة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها