الثلاثاء 2023/03/07

آخر تحديث: 11:05 (بيروت)

عن رجال ينتحرون ولا يبكون: صحة اللبنانيين النفسية بخطر

الثلاثاء 2023/03/07
عن رجال ينتحرون ولا يبكون: صحة اللبنانيين النفسية بخطر
عطوي: أكبر شريحة من الذين يعيشون في لبنان حالياً يمرون بمعاناة نفسية (Getty)
increase حجم الخط decrease
شهد لبنان أربع حالات انتحار في الأسبوع الأول من هذا الشهر، في مشهد يعكس حجم معاناة اللبنانيين وتدهور أحوالهم النفسية نتيجة الضغوط والوضع الاقتصادي الصعب. صار الانتحار عدوى تشجع عليها ظروف، أقل ما يقال فيها إنها غير انسانية، فكيف إذا أضيف إليها مفاهيم مجتمعية تقولب الناس، خصوصاً الرجال، في أطر عليهم الالتزام بتطبيق معاييرها.

ليس انتحار أولئك الشباب هو الأول من نوعه. سبقهم، بسبب الوضع المعيشي السيء جورج زريق مثلاً، الذي أحرق نفسه في العام 2019 في منطقة الكورة، لأنه لم يتمكن من تسديد قسط مدرسة ابنته.

علي الهق الذي كتب "أنا مش كافر.. بس الجوع كافر" قبل إطلاق النار على نفسه في العام 2020.

وسامر حبلي الذي وجد مشنوقاً بقطعة قماش في منزله بمنطقة وادي الزينة عام 2020، بسبب الضغوط المعيشية.

والكثير من القصص التي بقيت مكتومة داخل جدران المنازل وحرقات القلوب، عن أناس صار عبء الحياة ثقيلاً عليهم.

حسب "الدولية للمعلومات"، بلغت حالات الانتحار في العام 2022، 139 حالة، فيما سجّل في العام 2019، 172 حالة. وحسب منظمة "أمبرايس" للصحة النفسية، فإن عدد المنتحرين من الرجال يفوق 3 مرات عدد النساء.

كثيرة هي الأسباب التي تدفع بالشخص للانتحار. والمجتمع الذي يجيد "طحن" نسائه ورجاله وتنميط صورتهم، يشكل ثقلاً كبيراً يسهم في زيادة الضغوط النفسية، إضافة لاضطرابات ممكن أن تواكب الإنسان في مراحل مختلفة من حياته، ولا تتم معالجتها لأسباب تتنوع بين المعرفة والنظرة إلى الذات والفهم العميق لأهمية الصحة النفسية.

الرجل لا يبكي!
يكبر الرجل في مجتمعاتنا العربية على جمل تنميطية تفرض عليه عدم التعبير، مثل "الرجل لا يبكي"، "الرجل دائماً قوي"، "الرجل لا يخاف"، "الرجل لا يطلب مساعدة". ناهيك عن الضغوط والمسؤوليات المادية، التي تفرض عليه تحمل الكثير من الأعباء بسبب الأفكار المغروسة منذ القدم عن دور الرجل بالنظام الأبوي.

إن الضغوط المجتمعية على الرجال عموماً تجعلهم يشعرون بالقلق والاكتئاب، وتؤثر على صحتهم النفسية بشكل سلبي. فمثلاً، الرجال الذين يواجهون صعوبات مالية، قد يشعرون بالعجز والضعف، لأن المجتمع يفرض عليهم معايير معينة كي يستحق لقب "رجل".

صحتك النفسية أساس
جميع الناس معرضون لاضطرابات نفسية تزيد من حدتها بعض الأزمات، كالصعوبات المادية، فشل في علاقة عاطفية، طفولة صعبة، عدم إيجاد عمل، مشاكل عائلية.. فكيف إذا أضيف إليها جميعاً الواقع اللبناني الذي يبدو بلا أفق؟ يمكن لهذه الاضطرابات أن تعالج، قبل أن تؤدي إلى كارثة إذا تمت ملاحظتها، وتم تشجيع الشخص المعني بالتوجه إلى العلاجات النفسية المختلفة المتاحة.

تقول الاختصاصية النفسية وردة بو ضاهر أن "كسر الأفكار الخاطئة والصور الموجودة عن العلاجات النفسية والطب النفسي أساسي. يجب إزالة الوصمة والتخويف من الأدوية والعلاج، أو تصوير البكاء والتعبير عن المشاعر والحزن بالضعف، لكي يتمكن الشخص من التوجه إلى العلاج وتلقي المساعدة".

حسب بو ضاهر "المجتمع الذكوري يضغط على الرجل كثيراً، من خلال الصورة التي يفرضها عليه، ومحاولاته المتواصلة لقمع حرية التعبير عن همومه، فيصل الرجل إلى مرحلة لا يدري كيف يتعامل مع مشاعره. لا يمكنه طلب المساعدة، ولا يعلم بما يشعر به، فلا يعد قادراً على التحمل، فإما يجد متنفساً صغيراً لينقذ نفسه، أو تظهر لديه مشاكل نفسية أكثر واضطرابات ممكن أن تؤدي إلى أفكار انتحارية".

تؤكد بو ضاهر أن "هناك علامات ممكن أن يلاحظها الأشخاص المحيطين بالشخص المنهك لاكتشاف معاناته، مثل فقدان الشغف في الحياة، التفكير الزائد، الغضب السريع، العنف، التقلب المزاجي، قلة النوم والأكل، اللجوء للمخدرات. وتؤكد "يمكن الوقاية من خسارة شخص نتيجة الضغوط النفسية، فعندما نلاحظ هذه العلامات وليس لدينا قدرة على التدخل، يجب اللجوء لشخص مختص لمعرفة كيفية التصرف في هذه الحالة".

Embrace تتحرك دعماً للرجل
قامت جمعية "امبرايس" التي تُعنى بالصحة النفسية، بإطلاق حملة توعية تُسلط الضوء على أهمية العناية بالصحة النفسية لدى الرجال، والذين يشكلون 38% من المستفيدين من خدماتها.

تستخدم الحملة كافة الوسائل المتاحة للوصول إلى الناس، والرجال تحديداً. وفي حوار مع رئيسة الجمعية ميا عطوي تقول لـ"المدن" إن "الرجال في لبنان تعرضوا لصدمات كبيرة في السنوات الماضية كخسارة أموالهم، والأزمات المتفاقمة والبحث عن الاستقرار المهني والمادي في الداخل والخارج. وتشير الدراسات إلى أن تلك الصدمات تؤثر على الصحة النفسية للرجال أكثر من النساء، وتشكّل ضغطاً كبيراً عليهم. واعتاد الرجال عدم التعبير عما يزعجهم، بل التهرّب، واللجوء إلى سلوكيات غير صحية، كالكحول والمخدرات".

تضيف "كل هذه المؤشرات حفّزتنا للاهتمام بالصحة النفسية لدى الرجل، وتشجيعه على طلب المساعدة والمساندة النفسية، ليس المهنية وحسب، من اختصاصيين ومن الأشخاص المحيطين به أيضاً".

وتشرح عطوي "تعاونا مع الفريق اللبناني لكرة السلة في حملتنا، للوصول إلى أوسع شريحة من اللبنانيين، كون الرياضيين قدوة لكثيرين، خصوصاً الشباب. فدراساتنا تشير إلى أن الذين يرتادون عيادتنا في المركز الرئيسي، أو المتصلين عبر الخط الساخن المخصص للدعم النفسي والوقاية من الانتحار، تتراوح أعمارهم بين 18 و35 سنة. وتشير الأرقام إلى أن أكبر شريحة من الذين يعيشون في لبنان حالياً يمرون بمعاناة نفسية، ونسبة قليلة منهم تلجأ للعلاج. لذا، حاولنا أن نحثهم في حملتنا على البحث عن المساعدة، وعدم الخجل من أي مشكلة او اضطراب نفسي".

وختمت عطوي مشددة على أهمية أن يتحدث الناس عن الصحة النفسية مع محيطهم القريب في العائلة. فالروابط العائلية مهمة، وعليها أن تشجع أبناءها وتساعدهم لطلب المساعدة المختصة متى احتاجوا لذلك".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها