الأحد 2023/03/05

آخر تحديث: 10:52 (بيروت)

الترسانات النووية القديمة تهترئ.. وخطرة على دولها

الأحد 2023/03/05
الترسانات النووية القديمة تهترئ.. وخطرة على دولها
قد تسبب تأثيراتٍ كارثية معاكسة نظراً لتقادمها (Getty)
increase حجم الخط decrease

تمتلك الولايات المتحدة وروسيا والصين ترساناتٍ نووية ضخمة، وتوجه هذه الدول بانتظام الاتهامات لبعضها البعض حول كيفية إدارة هذه الأسلحة، وتجسد ذلك بتعليق روسيا هذا الأسبوع مشاركتها في معاهدة خفض الأسلحة النووية مع الولايات المتحدة. وبما أن الرؤوس الحربية النووية غالباً ما تبقى في الصوامع وكهوف التخزين تحت الأرض ولفترةٍ طويلة جداً من الزمن، يخشى الخبراء النوويون من محاولة دولةٍ ما استخدام إحدى هذه الرؤوس الحربية القديمة، لعدم توفر ضمانات انفجارها على النحو المنشود.

أسلحة قديمة وغير موثوقة
بعيداً عن سيناريوهات الانفجارات النووية المرعبة، وما قد تسببه من أهوال، يطرح العلماء حالياً تساؤلاتٍ عدة حول جدوى استخدام الأسلحة النووية المخزنة منذ عقود وإمكانية تسببها بتأثيراتٍ كارثية معاكسة نظراً لتقادمها. وحسب المؤرخ الأميركي النووي في معهد "ستيفنز" للتكنولوجيا، أليكس ويلرستين، شهد القرن العشرين أكثر من 2000 تجربة نووية نفذت الغالبية العظمى منها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. وبينما أثبتت هاتين الدولتين قدراتهما النووية، إلاّ أن ذلك لا يضمن عمل الرؤوس الحربية المربوطة بالصواريخ، وأنظمة التوصيل، بطريقةٍ مثالية اليوم.

والمثير للدهشة عدم إجراء القوى النووية العظمى أي تجربةٍ حية لصواريخ تحمل رؤوساً حربية نووية منذ عقود. ذلك أن الولايات المتحدة لم تختبر رأساً نووياً باستخدام نظام صاروخي إلاّ مرةً واحدة، أي في عام 1962، عندما تم إطلاقه من غواصة. وكان الاتحاد السوفياتي قد أجرى تجربة مماثلة في العام الذي سبقه، وتبعتهما الصين في عام 1966. فيما لم تقم أي دولةٍ على الإطلاق بتجربة رأس حربي نووي يُطلق بواسطة صاروخ باليستي عابر للقارات. كل ذلك يعني بوضوح عدم وجود أجوبةٍ واضحة حول فعالية هذه الصواريخ، وبذلك لا يضمن أحد إنفجار إحداها على منصة الإطلاق.

الحرب الأوكرانية أعادت القلق
أدى الغزو الروسي لأوكرانيا، لإعادة شبح الأسلحة النووية إلى الواجهة مرةً أخرى. حيث هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غير مرة باستعداد بلاده لاستخدام تلك الأسلحة. ووفقاً لاتحاد العلماء الأميركيين، تمتلك روسيا حوالى 4500 رأس نووي غير متقاعد، ما يقرب من ألفين منها تُعتبر "تكتيكية". لكن استخدام هذه الأسلحة يحمل مخاطر كبيرة، تشرحها الخبيرة النووية الأميركية لين روستن من "مبادرة التهديد النووي"، بقولها "لم تبدأ روسيا في ربط تلك الرؤوس الحربية التكتيكية مع أنظمة توصيل كالصواريخ. إنّ القيام بذلك ينطوي على مخاطر معينة تتعلق بالسلامة. سيكون الأمر مقلقاً حقاً إذا رأينا أي مؤشر على أنهم كانوا ينقلون تلك الرؤوس الحربية خارج المخازن".

غداة الغزو الروسي لأوكرانيا، كتب مارك شنايدر، الذي عمل سابقاً في الخدمة التنفيذية العليا بوزارة الدفاع الأميركية، عن المشكلات العديدة التي واجهتها روسيا بصواريخها أثناء الحرب مع أوكرانيا. ونقل شنايدر عن مسؤولين أميركيين قولهم إنّ ما بين 20 و60 في المئة من الصواريخ الروسية فشلت، إما من حيث عدم إطلاقها أو بعدم إصابتها الهدف المقصود. وهذا برأيه يشكل مؤشراً خطيراً لمّا قد تؤول إليه الأمور بحال قرر الكرملين إطلاق رأس حربي نووي بقوةٍ تفجيرية كبيرة.

أما فيما يخصّ احتمالات التمرد على أي قرارٍ قد تتخذه القيادة الروسية باستخدام السلاح النووي، فتستبعد الخبيرة النووية الأميركية إيمي وولف ذلك، بتشديدها أن سلسلة القيادة العسكرية الروسية مخلصةً جداً. لتضيف "يحتاج الرئيس بوتين وعلى عكس رئيس الولايات المتحدة، موافقة عضوين آخرين في حكومته: وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة. بمجرد أن يوافق الثلاثة، يذهبون للخيار النووي. من المرجح أن يتبع كل شخص آخر في أسفل السلسلة زمام المبادرة. وأشكُ في حدوث تمردٍ للقوات في الميدان".

مشاكل التصنيع والصيانة
إلى ذلك، شرح أليكس ويلرستين مؤخراً مخاوف الخبراء من الصواريخ النووية القديمة، واستطرد قائلاً "بعض الرؤوس الحربية المصممة منذ عقود لا تزال جزءاً من الترسانات النووية. بمرور الوقت، يجب فحص أجزائها بعناية من أجل تجديدها أو استبدالها. لكن قد تصبح بعض المكونات غير متوفرة بسبب التغيرات في قدرات التصنيع. وفي النهاية، قد تضطر بعض الدول إلى إيجاد بديلٍ لبعض الأدوات أو المواد المعينة خارج الإنتاج في رؤوسها الحربية. ومن دون اختبار الجهاز بالكامل، لا يبقى لهذه الدول سوى الأمل بأن هذه الرؤوس ما زالت تعمل بفعاليةٍ عالية".

في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كافحت الولايات المتحدة للحصول على مادةٍ سرية تحمل الاسم الرمزي" FOGBANK"، لرؤوسها الحربية النووية. وتشير التقارير إلى أن الجيش الأميركي اضطر إلى إعادة تعلم كيفية صنع هذه المواد. وبطبيعة الحال، يفترض الخبراء أن الروس سيواجهون أنواعاً مماثلة من المشاكل لأن التصنيع قد تغير.

وهناك أمثلة عن رؤوس حربية نووية قديمة تشوبها العيوب. خذوا على سبيل المثال الرأس الحربي "W47"، الذي طورته الولايات المتحدة بين عاميّ 1957 و 1960. كان لهذا الرأس الحربي سلكٌ بالداخل يجب سحبه عند التجهيز. ليكتشف الجيش الأميركي لاحقاً أن السلك يصبح هشاً عند تخزينه، وغالباً ما ينكسر أو يعلق في لحظة التجهيز. ومن ناحيةٍ أخرى، يمكن أن تصبح المعادن الموجودة داخل الرؤوس الحربية هشة بمرور الوقت، نظراً للإشعاع الشديد الذي تتعرض له. أما المكونات باهظة الثمن التي تحتوي على التريتيوم، وهو نظير للهيدروجين، يجب استبدالها بانتظام، لأن التريتيوم ينضب بمرور الوقت.

الاختبارت النووية
وعليه، نستطيع أن نستنتج بأن الرؤوس الحربية النووية هي في الواقع أشياء صغيرة حساسة بشكلٍ مدهش. ولدى أصحاب الترسانات النووية خيارات محدودة لكيفية اختبار معداتهم. ففي الوقت الحالي، لا تختبر معظم الدول الرؤوس الحربية النووية الحية بسبب معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية (باستثناء كوريا الشمالية، وهي دولة غير موقعة). ومع ذلك، أشار تقرير حكومي أميركي صدر عام 2020 إلى أن روسيا والصين ربما تختبران أجهزة نووية حية ولكن بقوةٍ منخفضةٍ للغاية. مثل هذه الجهود غير مؤكدة، لكن هذا النوع من الاختبارات من المفترض أن يعطي كلا البلدين فكرة عن مدى موثوقية أسلحتهما.

من الممكن أيضاً استخدام الليزر والمحاكاة الحاسوبية لنمذجة تفجير الرؤوس الحربية. ولدى الولايات المتحدة نظام تصويرٍ خاص بالأشعة السينية يستخدم بديلاً للبلوتونيوم في التجارب، ويمكنه التقاط صور عالية السرعة، والتي تكشف كيفية إنفجار المرحلة الأولية لرأسٍ حربي والسمات المحتملة للانفجار النووي. رغم ذلك، ينتقد بعض الخبراء ومنهم ويلرستين هذه الاختبارات لكونها لا تتضمن انفجاراتٍ نووية فعلية، وبالتالي قد لا تعكس المحاكاة صورة التفجير الحقيقي في أرض المعركة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها